وصفة تحت الطلب لدعم مستحقي الدعم واستثناء هواة “البعزقة” فكرة صندوق لدعم الاحتياجات الفعلية.. ولمحبّي الرفاهية “الغالي غلِّيلو”

 

الخبير السوري :

جميع مواطني القطر يحصلون على الدعم العيني “كمية بسعر مخفض” عن العديد من المواد التي يستهلكونها، هذا الدعم الذي هو بمنزلة دخل شهري دائم لهم، ولكن يبدو أن بعض المواطنين لا يحسون بهذا الدعم ويتجاهلون استفادتهم الكبيرة منه طالما لا يصلهم على شكل مبالغ نقدية، ما دعا كثيرين منهم لأن يبذّروا بعض هذا الدعم ولا يقدّروه، فالهدر والتبذير قائمان في استهلاك الخبز التمويني المدعوم، ولكن ذلك معدوم لدى جميع المواطنين الذين يستهلكون الخبز العالي الثمن، وبفارق ملحوظ عن سعر الخبز التمويني العادي، والحالة نفسها في استهلاك الماء المدعومة قيمته والواصل لنسبة كبيرة جداً من المساكن والمنشآت بسعر أقل بكثير من سعر التكلفة، وكذلك في استخدام الطاقة الكهربائية واستهلاك المحروقات، حيث إن الأفراد والمؤسسات يستهلكون هذه المواد بالقيمة السعرية المخفضة “المدعومة”، ما يفسح المجال لتحقق بعض الهدر والإسراف في استهلاكنا، نظراً لانخفاض قيمتها قياساً إلى العديد من السلع الأخرى، ولكن المواطن لا يسرف في استهلاك لتر الماء المعلّب الذي يشتريه من السوق بقيمة تعادل أكثر من قيمة متر مكعب مياه الشبكة، ولا يسرف في استهلاك الكهرباء عندما يولدها على حسابه لسبب أو لآخر، لأن ذلك يكلفه مبالغ باهظة جداً قياساً إلى التكلفة التي تترتب عليه عند تغطية الحاجة نفسها من الشبكة العامة، وهو يخفف من استهلاك المازوت “وخاصة ما يكون منه لغاية التدفئة”عندما يرتفع سعره، وقد تأكد ذلك بجلاء عندما ارتفع في العام الماضي إلى 25 ل.س حيث خفف الكثيرون من استهلاكهم، والبعض عاد لاستخدام الحطب ومواد أخرى، ولكن البعض لجأ للتدفئة بالطاقة الكهربائية نظراً لانخفاض سعرها المدعوم، ولم يقدر مخاطر ذلك، ما تسبب في اختناقات وانقطاع التيار في أكثر من مكان وزمان.

من المؤكد أن الدولة تتحمل مبالغ كبيرة لقاء دعم المواد ودون أي تردد، لكن من حقها أن تبدي بعض التشدد عندما تجد بعض مواطنيها لا يقدرون ذلك، عبر ما يتم من هدر وتبذير في استهلاك العديد من المواد، والمشكلة الكبرى تتجلى عند قيام ذوي النفوس الضعيفة والفاقدة للشعور الوطني بتهريب بعض المواد المدعومة إلى خارج القطر، ما يترتب عليه تحقيق استفادة غير مشروعة من هذا الدعم للطرف المهرِّب وللدولة المستقبلة للتهريب، وبملايين الليرات السورية، وعلى حساب الاقتصاد السوري والأسرة السورية، عدا ما يترتب على ميزانية الدولة من نفقات متعددة الأوجه لقاء مكافحة عمليات التهريب.

 

جردة حساب

من هنا لابد من البحث عن سبل تخفيف الهدر والتبذير، ومنع ظاهرة التهريب، وتلمّس المواطن لقيمة الدعم الذي يتلقاه وقد يكون في مقدمة ما يجب فعله:

تحديد قيمة المبالغ التي تحملتها الدولة جراء الدعم، فيما يخص استهلاك الأفراد من الماء والكهرباء والمازوت والخبز والسكر و…، واستهلاك المنشآت من الماء والطاقة و… خلال السنوات الثلاث الماضية، والتي تشكل الفارق بين كامل التكلفة الفعلية لجميع الوحدات المستهلكة من هذه المواد والسعر الذي بيعت فيه للمواطن أو للمنشأة، واعتماد الوسط الحسابي للتكلفة السنوية، واحتساب متوسط ما يلحق المواطن السوري الواحد من الدعم خلال العام، وإحداث إدارة صندوق الدعم وتحديد ملاك العاملين فيه ونظامه الداخلي، وفتح حساب له في مصرف التوفير، وإيداع المبالغ المخصصة للدعم في هذا الحساب عن كل عام، على أن تتم تغطية النفقات الإدارية لهذا الصندوق من حسابه.

 

السوري أولى

ولا بد من اتخاذ القرار بمنح المواطن السوري المقيم في سورية القيمة النقدية المعادلة لهذا الدعم عن كل عام “وذلك لأربعة مرات، كل ثلاثة أشهر”، حسب أفراد كل أسرة باعتماد البطاقة العائلية والبيان العائلي، على أن يتم منح كل أسرة بطاقة دعم “على شكل البطاقة الانتخابية” تحمل رقماً عاماً على مستوى القطر ورقماً خاصاً على مستوى المحافظة والبلدية التي تتبع لها الأسرة، وأن تكون مجدولة عن ثلاث سنوات بما يسمح بإظهار المبالغ المستحقة والمقبوضة والختم، وتكليف محاسبي إدارة صندوق الدعم بصرف المستحقات من خلال البلديات المنتشرة على كامل ساحة القطر، وأن يتم تنظيم الأيام المخصصة لدور الأسر في قبض مخصصاتها من الدعم ضمن قطاع كل بلدية “مجموعة من الأرقام كل يوم حسب طاقة عمل المحاسب” منعاً لحدوث أي ازدحام عند قبض المبالغ، وحيث يكون الصرف مستمراً على مدار العام ولكل أسرة دور كل ثلاثة أشهر، ولرب الأسرة بالذات أو لمن يفوضه رسمياً والتوقيع الذي يثبت ذلك “يمكن للعاملين في الجهات الرسمية قبض المبالغ المستحقة لهم والمحولة لإداراتهم من إدارة الصندوق، عن طريق محاسبيهم باسم تعويض الدعم” وبهذا الإجراء نضمن حصر الاستفادة من الدعم بالأسر السورية المقيمة فقط، ما يوفر الفروقات في أسعار الكميات التي كان يستهلكها غير السوريين في حالات الإقامة الدائمة أو المؤقتة، ولن تبقى أسرة سورية خارج حق التقدم في طلب الاستفادة، بعد نفاذ قانون منح الجنسية، وسيساعد ذلك في تحقيق المزيد من تنظيم القيود المدنية للأسر السورية، على أن يتم التحقق من عدد أفراد الأسرة المعتمدين في بطاقة الدعم، ولحظ الزيادة والنقصان في بداية كل عام.

ردع ناعم

ولا بد من اتخاذ القرار باعتماد بيع جميع وحدات السلع التي تم توزيع مبالغ الدعم عنها، للمواطنين وفق كامل تكلفتها، وبالسعر الذي تقتضيه المصلحة الاقتصادية الوطنية، شريطة رفع وتخفيض مبالغ الدعم المخصصة في ضوء ارتفاع وانخفاض أسعار المواد المدعومة لسبب أو لآخر، وعلى المواطن ألا يجد غضاضة في ذلك لأنه يحصل على استحقاقه من الدعم نقداً، وعندئذ سنلحظ انخفاض الهدر والتبذير في استهلاك المواد المدعومة، فلن تبقى الحنفية مفتوحة طويلاً، ولن يتم إشعال مصباح كهربائي لا حاجة ماسة لضوئه، ولن يتم تبذير كمية من الخبز أو إشعال مدفأة لا حاجة ماسة لتدفئتها، وسيتم اللجوء للحطب والمواد الأخرى التي كانت مهدورة، وسينعدم التهريب، ومن المؤكد أن ما سيلحق الدولة من نفقات إدارية لترتيب ذلك سيكون أقل بكثير من النفقات التي كانت تلزمها لترتيبات الدعم بالصيغة السابقة، فضلاً عن المبالغ الكبيرة التي كانت تصرفها لمكافحة التهريب ومخاطر منعكسات هذه المكافحة اجتماعياً واقتصادياً، وسيحقق هذا الإجراء المزيد من الترابط الأسري نظراً لحصر استفادة الفرد من خلال أسرته، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالات الخاصة للسوريين المقيمين الذين لا بطاقة عائلية لهم لسبب أو لآخر، شريطة ضمان انتفاء استفادة غيرهم عنهم بصيغة أو بأخرى، ومن المؤكد أن عدد المواطنين المستفيدين من الدعم النقدي سيكون أقل من الموجودين في القيود المدنية نظراً لوجود البعض خارج القطر، وقد لا يتقدم البعض بطلب الدعم، وهنا أرى أن يكون منح الدعم النقدي لجميع الأسر السورية المقيمة، بناء على طلب يتقدم به رب الأسرة، من خلال البلدية التي يتبع لها، مبيناً فيه مجمل دخله السنوي، ويطلب بموجبه الدعم وفق النسبة التي يرى أنه يستحقها حيث تتراوح هذه النسبة بين 5 و100% على أن تكون النسبة الكاملة مستحقة للأسرة التي متوسط دخل الفرد الشهري فيها أقل من عشرة آلاف، وتنقص هذه النسبة 10% لقاء كل زيادة 5000 ل.س في متوسط دخل الفرد، حيث تصبح حصة الأسرة التي متوسط دخل الفرد فيها 30000 ل.س 50% من الدعم، ولا دعم للأسرة التي يكون متوسط دخل الفرد فيها 55000 ل.س وما فوق .

عدالة

ووفق هذا الاقتراح تتحقق استفادة الأسر السورية من الدعم بما يقارب واقع الحال، ولكن بدرجات متفاوتة فيها شيء من العدالة، ونتيجة عدم تقاضي الأسر ذات الدخل العالي أي مبالغ دعم وتقاضي الأسر ذات الدخل الأعلى نسباً أقل، سيتحقق وفر شهري من القيمة الإجمالية للدعم، ويبقى في حساب صندوق الدعم بمنزلة ضمانة احتياطية لأية طوارئ قاهرة قد لا تكون في الحسبان، وسيترتب على ذلك تجذير العلاقة بين جميع الأسر السورية ودولتهم، لكونهم جميعاً يقبضون أموالاً نقدية، ما يساعد في توثيق عرا التعاون الوطني، وهنا لابد من التذكير بأن على جميع الأسر اعتماد المصداقية في الدخل المصرَّح به، ومن المتوجب على إدارة صندوق الدعم إجراء بعض التحقيقات بين حين وآخر، بالتعاون مع البلدية.

عصفوران بحجر واحد

وفيما يخص المنشآت السورية العاملة فعلاً في جميع القطاعات بأنواعها (الصناعية والتجارية والخدمية والإنشائية والسيارات العامة والخاصة بكل أنواعها ومجالات الإنتاج الزراعي الحقلي والمؤسساتي) المستهلكة للمواد المدعومة من الماء والطاقة والمحروقات يجب تكليف لجان مختصة لتقوم بحصر دقيق لمتوسط الكميات التي تستهلكها كل منشأة في ضوء إنتاجها الفعلي، وحساب الفارق السعري للوحدات السلعية بين سعر التكلفة الفعلية وسعر الدعم الذي كانت تباع به، ومنح صاحب المنشأة العاملة دعماً نقدياً بقيمة هذا الفارق كل ثلاثة أشهر عبر الجهة التنظيمية التي ينتسب إليها وفي ضوء كمية الصرف الفعلية الناجمة عن العمل الفعلي وليس النظري، على أن يتم ذلك بموجب الترخيص وبقية الوثائق المعتمدة لهذه المنشآت، ومن خلال ذلك سنضمن لجوء جميع المنشآت للترخيص والانتساب للمنظمات المنسجمة مع طبيعة عملها، وأن يتم منح صاحب السيارة العامة أياً كان عملها قيمة نقدية داعمة عن كمية محددة من المحروقات بما يتناسب مع عملها الفعلي المطابق لمؤشر عدادها الكيلومتري، ومنح أصحاب السيارات الخاصة مبلغاً محدداً وموحداً، وسيترتب على الدعم النقدي المزيد من التوفير في استهلاك المواد المدعومة، وسيتحقق من جراء ذلك انتفاء ظاهرة التهريب، فضلاً عن فوائد اجتماعية واقتصادية عامة ومتعددة الأوجه.

 

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]