كيف سيتدارك أهل الاقتصاد انعكاسات تفجير مرفأ بيروت؟

الخبير السوري:

لأعوامٍ طويلة سيبقى الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت والخراب الناتج عنه عنواناً رئيسياً ومؤثراً في اقتصاد المنطقة بالكامل، فلا تقتصر أهمية المرفأ على كونه ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد اللبناني، بل يعدّ أحد أهم مرافئ حوض شرق المتوسط بفضل موقعه الاستراتيجي القريب من التقاء القارات الثلاث، فهو وفق التصنيفات من أفضل عشرة مرافئ في البحر الأبيض المتوسط، وطالما كان قسم كبير من واردات سورية والعراق ودول الخليج من مواد البناء والإنشاء والسلع الاستهلاكية وغيرها يمرّ عبره، ولم يتوقف هذا الدور خلال الأزمات المتعاقبة، بل كان منفذاً مهماً للبضائع السورية في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية الهادفة إلى عزل سورية، ما جعل لدماره أثراً مباشراً في الاقتصاد السوري.

حصة من الخراب

وكأن خسائر سورية والخراب الذي لحق بالاقتصاد والمنشآت ومستوى المعيشة لم يكن كافياً، لنجد أنفسنا نتأثر بشكل مضاعف بكل حدث على المستوى المحلي والعالمي، فلنا من كل مصيبةٍ حصة..!. وما دام “جارنا” ليس بخير بالتأكيد لن نكون بخير، كيف إذاً الآن والكارثة لحقت بالمنفذ الاقتصادي شبه الوحيد في ظل الضغوط من مختلف الجهات، حيث اعتمد القطاعان العام والخاص بشكل كبير خلال السنوات الماضية على مرفأ بيروت في الاستيراد والتصدير منذ تطبيق العقوبات على المرافئ والبنوك السورية، وبينما اتجه بعض المحللين الاقتصاديين إلى التهويل والمبالغة بحجم الضرر على سورية واعتبار المرحلة المقبلة ستشهد انهيارات متتالية وندرةً في توافر السلع، رأى قسم آخر أن انعكاسات الحدث يمكن استيعابها بشكل كبير وإيجاد بدائل لمنافذ الاستيراد.

ندرة المهربات!

وحول مدى تأثر التجار والمستوردين بهذا التفجير ومنعكساته، لم يستبعد خازن غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن تتأثر المستوردات بشكل أو بآخر، إلا أن التأثيرات برأيه ربما لا تكون ملموسة حالياً ولكنها حتماً ستكون مقبولة أو غير شديدة علينا “إن” ظهرت، نظراً لخصوصية السوق والمستوردات السورية التي يقسمها الحلاق إلى نوعين أحدهما مسموح والآخر مقيد.

فالمسموح من المستوردات وهو الأغلب ويشكل أكثر من 80%، يُستورد عن طريق المرافئ السورية، وحوالي 5% عن طريق لبنان لأسباب تتعلق بالعقوبات الاقتصادية على سورية، أما النوع الثاني –يتابع الحلاق- فهي المواد غير المسموح باستيرادها وتأتي تهريباً، معتبراً أن هذه المنتجات سوف تنعدم من الأسواق أو تقل بشكل كبير.

مصير البضائع

وبعد احتراق بضائع بملايين الدولارات كانت مخزنة في المرفأ، تتالت الأنباء حول ما إذا كان للتجار السوريين حصة من الخراب، إذ أكد مستوردون أن بضائعهم المخزنة في المرفأ إلى حين استكمال أوراقها تحوّلت إلى رماد، وتداولت بعض الصحف الأوروبية أن تقديرات الأضرار التي لحقت ببضائع القطاع الخاص السوري تتجاوز مليار دولار!. بدوره يرجّح الحلاق وجود بضائع سورية غير أنه لم يُدلِ بأية معلومات تفصيلية لعدم اكتمالها بعد، إذ يتطلب الأمر بعض الوقت لجمع البيانات وإحصاء الخسائر، وهنا يشير خازن غرفة تجارة دمشق إلى أن أغلب المعلومات التي يُصرّح بها هي مجرد تقاطعات للبيانات مع قطاع الأعمال، نظراً للتشوّه الكبير في الأرقام والإحصائيات وغياب قواعد البيانات الدقيقة.

فرص تجارية

أما حول آلية تدارك السياسات النقدية للتغيّرات الجديدة حتى نتجنّب دخول دوامة جديدة نحن في غنى عنها، فيؤكد الخبير الاقتصادي د.ماهر سنجر أنه لا بد من الدفع نحو تكييف قرارات السياسة النقدية في سورية مع الأحداث الحاصلة، فالاندفاع الذي سيحصل من لبنان تجاه الأسواق المالية سيزيد من الفرص التجارية، لذا من الأجدى إعادة النظر بسياسة منح القروض للصناعيين والتجار لتلبية الطلب المتزايد على المنتجات السورية، وعدم التغافل عن وضع سياسة خاصة بصغار المصدّرين أي أصحاب المحال التجارية الذين سيحصلون على القطع الأجنبي مقابل بيعهم المواد للأفراد القادمين للتزوّد بها، كما اقترح سنجر إعادة النظر بدعم المصدّرين بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد لفتح مولات للمنتجات السورية في لبنان بحيث تتم الاستفادة من الفراغ الحاصل بالأسواق اللبنانية.

ويؤكد سنجر ضرورة التشدّد بالرقابة على شركات الصرافة لضبط الطلب اللبناني المتزايد على القطع، حيث إن مسارعة مصرف لبنان المركزي إلى التماهي مع الحدث والإعلان عن السماح بالاقتراض الاستثنائي بسقف مفتوح وبالدولار غير المتوفر أصلاً وبفائدة صفرية للمساعدة في ترميم المنازل، تحمل بين طيّاتها جملة من العبر؛ أولها أن المركزي اللبناني شبه واثق من أن نسبة الانكماش الاقتصادي ستتجاوز التوقعات، وبأن الدولار الوهمي هو ما سيتم التعامل به، والغاية منع المضاربة على الليرة اللبنانية ودفع الناس إلى فتح حسابات مصرفية وإبقاء التعامل بالدولار الحقيقي محصوراً بعدد من المؤسسات التي حدّدها المركزي اللبناني، والنتيجة جفاف أكبر للسيولة في المنطقة ناتج عن فقدان لبنان لبوابته الاقتصادية.

بديل مقترح

أمام كل ما حدث وسيحدث من ارتدادات ثمة من يترقّب تصريحات الأمم المتحدة فور حدوث الانفجار بالإعلان أن الأضرار الكبيرة في مرفأ بيروت ستؤثر في المساعدات لسورية، وهنا يتبادر السؤال الأهم إلى الأذهان الذي طُرح على منصّات عدة: هل سيُعاد النظر بمرفأ اللاذقية كبديل عن مرفأ بيروت ليُصنّف كناجٍ من العقوبات والحصار في ظل العزلة المفروضة علينا؟.

البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]