ثمن الحماقات في زمن الرهانات؟..بقلم: ناظم عيد

 

ربما لم يعد وهماً الربط في العلاقة بين ما يجري في سورية، وما جرى من ارتكاسات في أسواق النفط العالمية، وما آلت إليه من نسفٍ حقيقي لأهم مرتكزات الاقتصاد السعودي، وهو ربط بات من الحكمة توخّي لحظه في الحسبان لدى مقاربة أزمة آل سعود التي تتفاعل حالياً، وغدت مرشحة لاحتمالات مفتوحة، بعضها ما زال في ذمّة المجهول لكنه بلا شك ليس من نوع الرياح التي تشتهي سفن مملكة النفط وحكّامها.

والواقع أن الحديث عن انهيار مملكة آل سعود، لم يعد مجرّد ظنون وتكهّنات يحسبها المحلّلون، المدجّنون السكارى بروائح البترول، أضغاث أحلام وأمنيات متربصين، بل وصلت تطوّرات المشهد الاقتصادي السعودي إلى محطات سافرة من الوهن لم يعد من الممكن تمويهها، تشي ببداية دخول مملكة “طال عمرك” في غيبوبة اقتصادية أخطر بكثير من أعراض الغيبوبة العقلية التي تجتاح معظم الهامات المعتلّة هناك.. ويبدو أن الأمور اتخذت منحىً بعيداً في اتجاه آخر، بعد ظهور نتائج الاستسلام للغبصات وإملاءات واشنطن، ولو تمّ إخراجها على شكل نصائح صديق.

والمؤكد أن آل سعود ابتلعوا أكبر طعم في تاريخ المكائد الأمريكية المخصصة للدول المصنّفة كـ “خراف سمان” مطلوب صيدها مهما بلغت خطورة الوسيلة والأدوات، وكانت لعبة إغراق أسواق النفط العالمية التي مارسها السعوديون، بإيعاز أمريكي، بزعم السعي للحفاظ على منسوب المعروض العالمي بعد انخفاض الأسعار، المسمار الذي دُقّ في نعش ثُلّة استحوذت على أكبر احتياطي في العالم.

فقد نجحت الإدارة الأمريكية في إقناع “الإدارة السعودية” بلعبة الضخ السخي والأسعار المتهاودة، وكانت “جزرة التغرير” استهداف الاقتصادين الروسي والإيراني للضغط على الطرفين بشأن المسألة السورية، فكانت النتيجة التي لم يكتشفها هؤلاء بل تمّ اكتشافها لهم وإخبارهم بفحواها، أن الروس لم يتأثروا وفاخروا بنمو بدائل اقتصادية غير نفطية، تسمح لهم بالتعايش مع رقم 30 دولار كعتبة سعرية لبرميل النفط، وكذلك الإيرانيين الآخذين بالتحرر تدريجياً من العقوبات، والانفتاح على الأوروبي والأمريكي معاً، وبالتالي الانتعاش على خلفيات تنوّع اقتصادي مشهود المخرجات، ليكون الاقتصاد السعودي كاقتصاد نفطي أحادي الاتجاه، أكبر الخاسرين بشفط كميات هائلة من احتياطي “الشعب السعودي” وبسعر أقل بـ 100 دولار عن الأسعار التي راجت في أعوام ما قبل الأزمة السورية.

خسر السعودي وربح الأمريكي، وبشكلٍ مطلق لكلا النتيجتين، وأوقف الأخير استثمارات شركاته في استخراج النفط الصخري المتاح بوفرة في الولايات الأمريكية، واستجرّ النفط السعودي بأسعار ضئيلة لم تكن واردة حتى في خيال ساسة واشنطن، فبين الـ140 دولار والـ 40 دولاراً، 100 دولار لكل برميل ربحها الاقتصاد الأمريكي بجدارة وخسرها السعودي بحماقة أثارت سخرية العالم!.

أما الأكثر إرهاقاً فكان توريط آل سعود بحمّى تسلّح غير مسبوقة للاحتراز من “وهم الخطر الإيراني” فحصد الأمريكي عائدات الخوف السعودي والخليجي وأبرمت شركاته أكبر صفقات بيع سلاح في تاريخها، كما حصد – الأمريكان– دسم انخفاض أسعار البترول عندما استجرّوا كميات هائلة من نفط السعودية وأبرموا عقوداً آجلة طويلة الأمد بأسعار زهيدة وأبقوا احتياطياتهم متروكة تحت أرضهم.

نتائج الحماقات السعودية ومحاولات “الانتحار” على العتبات السورية، كانت عجزاً في موازنة آل سعود بنسبة 20 في المئة، وهو أول عجز منذ سنوات طويلة استدعى مساعي استدانة من الداخل عبر سندات حكومية، ثم انخفاض الودائع البنكية بنسبة 10 في المئة، وهذا مؤشر على انحسار ثقة المواطنين هناك باقتصادهم، وبدأت تتبلور حقيقة ودقّة التوقعات بتراجع نمو الناتج الإجمالي السعودي بنسبة 2 في المئة، يضاف إلى ذلك تراجع حصص السعودية في أصول الصناديق السيادية، وكانت النتيجة الأبرز بأبعادها ومؤشراتها هي أن السعودية استدانت مؤخراً 4 مليارات دولار لتغطية تكاليف إنفاقها العسكري على خلفيات التخويف الأمريكي.

إنه ثمن الحماقات التي بدأت، ولن تنتهي إلّا مع تمام مسلسل الانهيارات في مملكة تطفو على رمال متحرّكة، وربما سيكون الأمريكي أول المتفرجين على مشاهد التداعي الدراماتيكي لمتأبطي الشر بسورية.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]