رجال أعمال على الطراز السوري الفريد..زعموا الفقر فـ”أفقروا” البلد..!!؟؟

ناظم عيد- الخبير السوري:

هل نحن فقراء فعلاً..وما معيار الحكم بالفقر أو الغنى على بلد ما – أي بلد  ؟؟

ثمة ما هو متعلق بالمقومات الاقتصادية والقوى الفاعلة في الاقتصاد وبشكل بنّاء – وليس هدّام لأن هذه مشكلة لها مبحث آخر- ..لكن بالتأكيد يبدو رجل الأعمال من العلامات الفارقة في أي اقتصاد، فكيف حال هؤلاء المنتمين إلى طبقة ” البزنس الرّاقي” في بلدنا؟؟.

 كم هو بالغ الصعوبة تشخيص واقع وملامسة تفاصيل تخص عالم المال والأعمال في سورية، فقد تخلخلت موازين الثراء واعتباراته في بلدنا خلال سنوات الحرب، رغم أنها لم تكن يوماً بالوضوح المفترض الذي ينشده محبي تتبع أخبار مشاهير المال و ” البزنس”، كما هو الحال في معظم بلدان الدنيا.

فقد درجت العادة على أن تصدر لائحة سنوية بالأثرياء والمشاهير على مستوى العالم وتتضمن القائمة أسماء من العالم العربي يتبوؤون مواقع متقدمة وأحياناً من سورية لكن ممن هم خارج البلد، رغم ذلك نادراً ما يكون هؤلاء على القائمة المعلنة،  وكأن الأقدار المسلطة أوعزت بأن تكون الملاءة المالية للسوريين من الأسرار المطلوب التكتم عليها والتشدُّد في حفظها.

لا نبغي من هذا الكلام التقصي عن ثروات (مشاهير اقتصادنا) وإن كان الفضول يدفع الكثيرين لمعرفة قيمة ثروات أسماء بعينها، وإنما السبب الأهم أن الغموض وغياب الشفافية يعنيان أن هناك قوة خفية تحرك الاقتصاد ولا يمكن التحكم بها أو (مصافحتها)، وخاصة أننا نتجه بقوة منذ أمد نحو التشاركية، وأيضاً لا ينفك أي من هؤلاء عن مطالبة أي منبر بتقديم العون والدعم لهم والمحفزات على اعتبار أنهم محرك هذا الاقتصاد ومشغلو الأيدي العاملة وحامل الاقتصاد السوري في التوجه الاقتصادي المنتهج.

عين الحاسد

لو شاء من شاء أن ينظم قائمة بأغنياء سورية لفشل بسبب الخليط الذي أمام أعيننا، وكانت هناك تجربة ومحاولة لإعداد قائمة بهؤلاء لكن اقتصرت فقط على تصنيفات لرجال الأعمال حسب النشاطات الرئيسية لهم ومرتبين وفق التسلسل الأبجدي.

وسقط كثيرون من القائمة لأسباب أولها غياب الشفافية في كشف حجم ثروات رجال الأعمال وتفضيلهم الابتعاد عن الواجهة، مع أنه في الحالة الطبيعية وعندما يكون هناك محفل مخصص لرجال الأعمال نرى أن المشهد يوحي بأن سورية اقتصادياً من أرقى اقتصادات الدنيا، على اعتبار أن معظم الحاضرين يقدمون أنفسهم على أنهم رجال أعمال دون خجل أو مواربة، ربما لأن المسألة لا تتعدى الإطار المعنوي وتعليق بطاقات التعريف والحديث في الردهات الفخمة، لكن ما إن ينتهي المحفل حتى يغيب هؤلاء في غياهب غرف مغلقة لا يعرف طريقها أحد مهما حاول البحث.

تلطٍّ

وهناك الكثير من رجال الأعمال وافري الثراء ..يتخوفون من الإدلاء بحقيقة موقفهم المالي، كما أنهم يعمدون إلى إخفاء أي معلومات قد تشير إلى حجم ثرواتهم بشكل فعلي، ويخشون ورود أسمائهم في (قوائم الثروات) لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، وفي أقصى حد إن أراد أحدهم الإفصاح يطلب الاقتصار على ذكر استثماراته في الداخل فقط، وعدم التعرض لاستثماراته وودائعه البنكية في الخارج، ليظهر بأقل من حجمه المالي الحقيقي.

بل أكثر من ذلك ..غالباً لا نعرف عائدية شركة كبرى تعمل في سوقنا إلا بعد أن تتعرض لمشكلة أو صدام من نوع معين مع الحكومة فينبري المالك الحقيقي لها للدفاع منحّياً رجل الواجهة الذي يكون رجل أعمال لكن من القياس الصغير (وهنا لا نتحدث عن رأس المال السياسي) وإنما نتحدث عن رجل الأعمال كضامن وكثروة حقيقية للبلد، ونتساءل أين هو رجل الأعمال الذي تتأتى قوته من ملاءته المالية، مع العلم أن رجل الأعمال خارج حدود بلدنا لا يقبض ولا يقدم إلا من خلال (كشف حساب بأملاكه) وهي الورقة الرابحة الأولى التي تحدد صفته وأساس عمله وشراكاته والثقة به، وهي لدينا مفقودة ويقدم رجل الأعمال فقط نفسه بالاسم بعيداً عن المكاشفة بما لديه.

تضليل مشروع

هناك من يقول: إن التشريعات الضريبية التي كانت سائدة وبعضها لا يزال، سبب من الأسباب إضافة إلى فقدان الثقة بين الحكومات المتعاقبة والقطاع الخاص ونظرة كل منهما للآخر، أيضاً ثقافة الاحتكار التي تشبَّع بها قطاع الأعمال لدينا، وهناك سبب أكثر إقناعاً يعود في معظم الحالات إلى أن مصدر ثراء طبقة الأغنياء في سورية غير معروف بوضوح وهناك الكثيرون ممن دخلوا قطاع الأعمال بأموال ذات مصدر مشبوه، تضخمت ونمت بصفقات أخرى أي عملية غسيل أموال، أيضاً كثير من أعمال قطاع الظل هي لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وبواجهات مختلفة، كل ذلك حتّم التخفي وتضليل الإحصاءات الحقيقية لثروة قطاع الأعمال.

وساعد على ذلك إصدار قانون السرية المصرفية لتشجيع المستثمرين على إيداع أموال في المصارف السورية والتعامل معها، ما أتاح لهذه الشريحة غطاءً للاستمرار بعدم الشفافية، مع فوائد قانون السرية المصرفية، كما أن وزارة المالية أعدت قائمة سرية صنفت فيها كبار المكلفين في سورية إلا أنها تمنع أي أحد من الاطلاع عليها بناء على طلب من رجال الأعمال.

يرى بعضهم أن الخوف من الإفصاح عن الحجم المالي لرجال الأعمال يعود إلى اعتبارات اجتماعية تتعلق بعدم الإفصاح عن المركز المالي، حيث تعودنا على التكتم على كل شيء وخاصة أن معظم رجال الأعمال قادمون من بيئات معينة تأثروا بها وطبعت بصماتها عليهم بقوة.

أيضاً هناك ثقافة التهرب من الالتزامات التي تمليها سمة رجل أعمال يملك أموالاً إلخ، والهروب ليس من السمة وإنما من الإفصاح وقد يكون التهرب من الضريبة مع أنها بريئة إلى حدّ ما لأنها محلولة عن طريق الترتيب مع موظفي أو جباة هذه الضريبة.

تحديث مالي

الواقع أن عدم وجود إفصاح عن الممتلكات له آثار مدمرة وخاصة في ظل التوجهات الرسمية نحو قطاع الأعمال و(تنصيبه) كشريك فاعل في التنمية وتحميله المسؤوليات اقتصادية والاجتماعية، هذه السمة وخصلة التواري تعني الانهزامية وتعني صدمة لجهة كونها ترسيخاً لوصمة الطفيلية التي جهدت سورية في سنوات الانفتاح الأخيرة لتغييرها وتخليص قطاع الأعمال منها عبر ضخّ جرعات ثقة جديدة وتعميم صفة قطاع وطني بدل وصمة الطفيلية التي رافقته طويلاً.

لكن على المستوى الكلي ستبدو آثار ذلك جلية على مجمل الحراك الاقتصادي وخاصة ما يتصل بالعلاقة مع الشركاء ومع المنظمات الدولية المانحة والمقرضة وما إلى ذلك، فرجل الأعمال يوصف في أدبيات الاقتصاد بأنه ثروة وطنية وبعضهم يصفه بأنه عمود للتنمية ودعامة اقتصادية تضاهي الثروات المختلفة العينية التي ينعم بها أي بلد، فرجل الأعمال من شأنه أن يعزز الثقة باقتصاد البلد أيضاً، والثقة بأي اقتصاد تتأتى في معظم جوانبها من الثقة برجال الأعمال أو قطاع الأعمال عموماً.

ترويج

وعندما تعلن قائمة الأثرياء في بلد ما – يتابع – يعني أن ثمة أثرياء في بلد آخر سيبادرون إلى طرح مشاريع تشاركية واستثمارات وتجارة لان الأعراف التجارية الراهنة تركز على عامل الثقة في التعاطي بين رجال الأعمال، وكلمة رجل الأعمال أكثر فعالية من الوثائق والعقود والمراسلات التي تحتاج إلى زمن، وعامل الزمن مهم في الأدبيات الاقتصادية، لذلك عندما يتخفى رجل الأعمال السوري ويتلطى خلف واجهة اسم مغمور فهذا يعني أنه فوّت فرصة كبيرة على بلده وعلى نفسه، لأن اسم رجل الأعمال لا يقل أهمية عن الاسم التجاري لماركة أو منتج معين أو سلعة ما، وبالتالي سمة التواري والشغف بالاختباء وراء الأصبع تعكس خصلة سلبية تغلف أداء قطاع أعمالنا، والسلبية عندما تستحكم بقطاع الأعمال تؤدي إلى فوات الكثير من الفرص والعائدات أيضاً.

فضولٌ مشروع

هناك جانب معنوي يتعلق بفضول المواطن السوري لمعرفة شيء عن رجال أعمال بلده وملاءتهم وحضورهم الاقتصادي والاجتماعي، فعلى الأرجح لن يشعر مواطن سوري فقير أو غني بالحسد عندما يقرأ أن (س) من رجال الأعمال تبوّأ مركزاً متقدماً على ترتيب قائمة الأغنياء إن في سورية أو في الدول العربية، ولن يسعى للنيل منه بل على العكس سيشعر بالسعادة لأن شخصاً ما من بلده تصدّر أو تبوأ مركزاً متقدماً في قائمة من قوائم التصنيف الكثيرة التي باتت الشغل الشاغل لمراكز أبحاث ومنظمات وما إلى ذلك، وأغلب الظن أن أي سوري لن يسعى إلى محاصصة من يفصح عن ثروته ولن يسعى لاقتناص فرصة، وعند الإفصاح نتيقن من أن هذه الثروة مصدرها نظيف وليس العكس وخاصة أننا في مجتمع يتمسك كثيراً بمفهوم الحلال والحرام.

مراكز مزيفة

إن كان الكف عن الإفصاح لبعض رجال الأعمال تهرباً من الضريبة أو من المسؤولية الاجتماعية أو من غيرها، فإنه يمكننا اعتبار أي قائمة سواء أكانت عربية أم محلية غير حقيقية، لسبب وحيد أن معظم رؤوس الأموال لم تحقق إلا القليل من سبب وجودها وهي للتعداد والربح فقط، فبعض المتابعين يقول: إن معظم الأغنياء العرب، أو من الأصول العربية، حققوا أموالهم في أسواق غير منتجة، ولم يحدث أبداً أن ظهر في قوائم الأغنياء الرئيسية مليارديرات عرب جمعوا ثرواتهم في أسواق أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو اليابان، حيث الشفافية والرقابة، وحيث هامش الربح في تلك الأسواق الرأسمالية مفتوح على مصراعيه، إلا أن المنافسة تجعله مهمة عسيرة.

ولا يجوز أن تقارن أرباح شركة ميكروسوفت ببيع قطعة أرض بمليار دولار في العالم الثالث. هناك المئات من ملاك الأراضي في الدول العربية الذين في لحظة بيع يستطيعون تحقيق مليارات الدولارات، فهل يمكن أن يصنف هؤلاء مثل بيل غيتس الذي بنى شركة ميكروسوفت ومغرداتها البرمجية ” نقطة نقطة”  وغيّر وجه العالم، وحقق منها أرباحاً يستحق كل دولار فيها.

ولا نتحدث هنا عن أغنياء الأموال غير المشروعة، أو سماسرة العقود الحكومية، بل عن تجار الأموال السهلة في العالم الثالث من وراء نشاطات تجارية نظيفة لكنها ليست اقتصادية حقيقية.

فالأغنياء الحقيقيون في هذا العالم أشباح بلا أسماء، وبعض الأغنياء البارزين واجهات لآخرين، أو أرقام ثرواتهم مزيفة، والقوائم لا معنى لها بعيداً عن الأسواق.

ورغم ذلك هناك رجال أعمال عرب حققوا أعمالاً اقتصادية كبيرة، ونستطيع جميعنا أن نراها على أرض الواقع ونقدر أثمانها بسهولة، وهم أعمدة اقتصادية يجب أن تشكر على إنجازاتها، ويستحقون كل دولار جمعوه، لكننا بحاجة إلى المزيد من الأغنياء، ورجال الأعمال المبدعين الذين يغيرون الواقع الاقتصادي الضعيف.

رغم البعد عن صراحة الحجم المالي لرجال الأعمال إلا أن هناك من يضطلعون بمسؤولياتهم سواء الضريبية أم الاجتماعية أم غيرها، ويوجد من 10 – 15 بالمئة من كبار المكلفين الذين يسهمون بما يقرب من 70 بالمئة من إجمالي الإيرادات الضريبية المحصلة.

وهذه ملاحظة ارتأينا أن نختم مادتنا بها، للإشارة إلى أن السلبية ليست خصلة شاملة لكل رجل أعمال ومتموّل سوري، بل ما زال هناك بعض محبي العمل في النور معززين بذهنيات اقتصادية منفتحة تواكب هيئاتهم وقيافتهم وحرصهم على الظهور بأحدث منتجات الموضة العالمية.

  • هامش: أخطر ما في الأمر أن تكون سورية عبارة عن مجرد مطرح استثمار لبعض رجال الأعمال..يجمعون الفوائض والعلاوات والأرباح الناتجة عن الدعم الحكومي ويحولونا إلى الخارج لتوسيع استثماراتهم.

  • هامش2: بعضهم ليس لديه – حتى بيت معروف العنوان في دمشق – لكن لدية بيوت معروفة في بيروت أو القاهرة ..أي حيث إيداعاته البنكية أو استثماراته الصناعية.

3 تعليقات
  1. سوزان يقول

    مقال واقعي أستاذ ناظم.

  2. ادارة يقول

    شكراً للمتابعة

  3. بشار المحمد يقول

    واجهات وما اكثرهم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]