“أرخص موجود و أغلى مفقود” في حياة السوريين..قد لا يقبل المزاح عندما تُقرع أجراس الإنذار ؟؟

خاص – الخبير السوري:

ليست فكرة ترفيّة، رغم أنها تبدو كذلك لغير المهتمين، خصوصاً في هذا الزمن الذي بات فيه السعي نحو مجرد الأساسيات هدف متقدم على لائحة أولويات المواطن والحكومة على حد سواء.

فقد طغى ملف الأمن الغذائي..والأسعار على ملف الأمن المائي..رغم أن سورية بلد التنوع ..لا يمكن أن يُخشى عليها من أزمات أمن غذائي إلا إن اختلت معادلات الأمن المائي، لأنها بلد زراعي والماء أساس وعماد الزراعة.

في خضم هواجس الأمن المائي السوري التي تعتمل وتتفاعل في أذهان المتخصصين والمتابعين بصمت، كما في أروقة القرار التنفيذي، يبرز موضوع بالغ الأهمية وهو موضوع التحول إلى الري الحديث، الشأن الذي يبدو له ما له من حساسية فائقة، لأنه يتعلّق بالماء..الشق المهم في معادلة البقاء، فكما قلنا: إن كانت مشكلة الأمن الغذائي صعبة..لكنها تبدو قابلة للحل بدرجات متفاوتة، لكن الأمن المائي هو شأن بالغ الخطورة..لأن الماء ما زال في ثقافتنا هو ” أرخص موجود و أغلى مفقود”..فهل ننتظر حتى نفقد الماء مثلاً ؟؟؟…بالتأكيد لا..لذا يبدو موضوع البحث غاية في الأهمية، وهو التحول إلى الري الحديث، إذ يطوي هذا العنوان العريض تحته آلاف التفاصيل المرعبة، لأنه صمام الأمان المطلوب بإلحاح للوقاية من الفقر المائي ..ولا تحتمل استحقاقاته التأخير.

هل التحول للري الحديث هو محض رغبات فلاحينا، أم إن وراء الرغبات سلسلة من العوائق أقلها التمويل، وعجز أغلب فلاحينا عن دفع فاتورتها؟! وهل تمويل الدولة بـ 50% من قيمة الشبكة يكفي ؟!..

منذ عام 2005، ومع إصدار المرسوم التشريعي رقم /91/ القاضي بإحداث صندوق تمويل مشروع التحول إلى الري الحديث، ببعده الاختياري في هذه المرحلة، وما تلاه من قرار حكومي في عام 2008، القاضي بإلزام المزارعين بالتحول إلى الري الحديث (الرش-التنقيط)، وصولاً إلى المرسوم التشريعي الملزم لعملية التحول في عام 2010، إلا أن هذا النوع من الري لم يشهد الكثير من التطور مقارنة مع المساحة المروية الإجمالية، وهذا ما يضع علامات استفهام حول الجدوى الفعلية من هذه القرارات أمام تجاهل عقبة التمويل كمعيق لأغلب الفلاحين في طريق هذا التحول..

18,5% للري الحديث!

نحو 30% من المساحات المزروعة فعلاً في سورية تعتمد على الري- وفق إحصاءات قبل الأزمة – والرقم ليس بالقليل أساساً، وهو وسطي بين النسب العالمية التي تتراوح فيها النسبة بين 20 و40%، إلا أن اعتماد الفلاحين على الطرق التقليدية في الإرواء هو ما استنزف الموارد المائية بشكل أكبر، وهذا ما يمكن ملاحظته في تقسيمات طرق الري المعتمدة. في عام 2005 بلغ إجمالي الأراضي المروية نحو 1670 ألف هكتار، منها 1426 ألف هكتار تروى بالطرق التقليدية (أنهار، ينابيع، آبار، مشاريع حكومية، سدود)، مشكلة بذلك ما يقارب 85% من إجمالي المساحات المروية، بينما لم تتعدَّ مساحة الأراضي المروية بالري الحديث 244 ألف هكتار، وبنسبة 14,6% تقريباً من المساحة الإجمالية، ولكن السيئ في الأمر هو بقاء المعادلة على حالها تقريباً بعد 4 سنوات، أي في عام 2009، بلغ إجمالي الأراضي المروية نحو 1520 ألف هكتار، منها 1283 ألف هكتار يروى بالطرق التقليدية، مشكلة بذلك ما يقارب 81,5% من إجمالي المساحات المروية، بينما لم تتعدَّ مساحة الأراضي المروية بالري الحديث 282 ألف هكتار، وبنسبة 18,5% تقريباً من المساحة الإجمالية، وهذا يعني أن معظم الأراضي لا تزال تروى بالطرق التقليدية، ونسب تطور استخدام شبكات الري الحديث طفيفة جداً..

خطر

الحديث عن مزايا الري الحديث ليس بالأمر المخفي، فهو يوفر 50% من مياه الري مقارنة مع الطرق التقليدية، ويؤدي إلى زيادة الإنتاج والمردود، وتحسين مواصفات المنتج، كما يوفر ما يتراوح بين30 و50% من كميات الأسمدة والمبيدات مع مياه الري، ويقلل تكلفة الأيدي العاملة أيضاً، كما يؤكد الخبراء، فإن التحول للري الحديث يوفر 40-50 % من الموارد المائية بسورية، كما أنه سيساهم في رفع الإنتاجية الزراعية بنسبة 50 إلى 75 بالمئة، أي إن التحول إلى الري الحديث سيقلل تكاليف عملية ومدخلات الإنتاج الزراعي، وهذا من مصلحة الفلاح أولاً، كما أنه، وفي المقابل، سيوقف هدر المياه، وسيحافظ على الأمن المائي، وهذا ما يجب أن نعمل على دعمه جميعاً، لأنه مصلحة وطنية في المحصلة، والعمل بعكس ذلك يعتبر تهديداً للأمن المائي أولاً، وللأمن وللمصلحة الوطنية في المحصلة..

القطاع الشره

الزراعة المستهلك الأكبر للمياه في سورية، فهي تستنزف ما يزيد على 16 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، أي ما يعادل 89% من الحاجة السنوية لسورية من المياه (19 مليار متر مكعب)، بينما لا تتعدى نسبة استهلاك السوريين لأغراض الشرب 8% فقط، وهذا الاستهلاك الكبير للمياه على الزراعة جعل من سورية عرضة لعجز مائي سنوي يقدر بنحو 15 – 20% من إجمالي الحاجة السنوية من المياه (3 – 4 مليارات متر مكعب سنوياً)، وخصوصاً أن حصة الفرد السوري بحسب الإحصاءات لا تزيد عن750 متراً مكعباً سنوياً، وهو دون خط الفقر المائي العالمي (1000 متر مكعب للفرد)..

وللمقارنة فقط، لا بد من اللجوء إلى الأرقام العالمية، فعلى مستوى العالم يشكل استهلاك الزراعة 69% من السحب الكلي للمياه، بينما يشكل الاستهلاك المنزلي10%فقط، والصناعة حوالي 21 في المائة، أما في لبنان، فإن الزراعة لا تستهلك سوى 67,7 % من إجمالي السحب الكلي للمياه، وللصناعة 4%، وللاستهلاك المنزلي 28,3 %، أي إن الفرق بين استهلاك هذه الدول على زراعتها واستهلاكنا نحن يقارب 20% تقريباً، وهذا إذا ما تم توفيره بطرق الري الحديث، فإنه سيغطي جزءاً كبيراً من العجز المائي السنوي..

الـ 20% بالري الحديث لا تستهلك سوى 1,5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، بينما تستهلك 80% الباقية بالري التقليدي 14,5 مليار متر مكعب، أي إن كل 10% من الأراضي المزروعة لدينا بالطرق التقليدية تستهلك 1,4 مليار متر مكعب، وهذا يفضي بدوره، إلى أن كل تحول بمقدار 10% من المساحة المروية إلى الري الحديث سيوفر 700 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، وهذا يعادل نصف ما يستهلكه السوريون لأغراض الشرب سنوياً..

وقفة

صحيح أن مساحات الري الحديث ارتفعت بمقدار 10 آلاف هكتار في كل عام بالسنوات الأربع السابقة، وهو ما يمكن أن يعتبره بعض الرسميين إنجازاً يحسب لهم، إلا أن هذا الرقم ليس كبيراً، ولا يعد مؤشراً على فاعلية قرارات شجعت الفلاحين على التحول للري الحديث، فلا الـ50% من تمويل قيمة الشبكة، ولا القرارات والمراسيم المتعاقبة قد ساهمت في دفع الفلاحين للتحول باتجاه الري الحديث بشكل ملحوظ وظاهر، وهذا الفشل في جدوى وفاعلية القرارات يعيدنا إلى المربع الأول من المشكلة، وهو التمويل، فالجزائر تمول شبكات التحول إلى الري الحديث بمقدار 100%، وهذا ما يجب أن تفعله سورية، إذا ما أرادت الحفاظ على ثروتها المائية، والحفاظ على أمنها المائي، ولو على حساب خزينتها العامة..

باختصار ..نحن أمام متعلقات بالأمن الغذائي اليوم في هذا الظرف العصيب – ليس محلياً وحسب – بل عالمياً أيضاً، إذ يجمع كل خبراء الدنيا على أننا بتنا أمام حقيقة ” نهاية زمن الغذاء الرخيص”..لذا فالمسألة لم تعد قابلة للكثير من الجدل..فقط تقبل القرارات الحازمة والحاسمة للدفع بخطوات جديدة نحو معالجة إشكالية من طراز ” عاجل وضروري”.

2 تعليقات
  1. بشار المحمد يقول

    معلومات مفيدة وخطيرة

  2. علي محمود جديد يقول

    هذا أمر مهم جداً .. وعلينا أن نعيه جيداً .. أحييك أستاذ ناظم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]