“مخاتير” بأثواب مسؤولين.. وغياب لائحة المهام والصلاحيات حوّل المنصب من مسؤولية إلى بريستيج …معاون الوزير فعالية مرتهنة لـ “رضا أو زعل” الوزير… على قدر المحبة تُطلق الأيدي

 

خاص – الخبير السوري:

يكاد يجمع كل الراغبين بالإصلاح الإداري على ضرورة الحد من المركزية، وربما على إلغائها تماماً حتى يتسنى الوصول إلى القرار السديد وضبط إيقاع عمل مفاصل الإدارات الحكومية الذي وصل إلى مرحلة النشاز نتيجة عدم وضوح وتوصيف عمل معظم المراتب الوظيفية في القطاع العام، ولعل أبرز هذه المراتب هو منصب معاون الوزير غير محدد المعالم والصلاحيات والمهام الموكلة إليه، بل أكثر من ذلك يصل الأمر بشاغل هذا المنصب إلى أن يجد نفسه محاطاً بامتيازات لا تتعدى شكليات البريستيج لكنه في حقيقة الأمر بلا عمل رغم أنه في موقع رفيع المستوى بالتراتبية الوظيفية!.

وفي ظل غياب نص تشريعي يوضح مهام وصلاحيات المعاون يُقْدِم رأس الهرم -وفي أي مؤسسة حكومية- على تحديد هذه المهام والصلاحيات وفقاً لرؤيته الخاصة وكيفية فهمه ورؤيته لسير العمل، وعلى اعتبار أن منصب الوزير هو سياسي وغالباً ما يتولاه شخص من خارج ملاك الوزارة، فمن غير المستبعد أن يخطئ باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ما يؤكد ضرورة أن يكون لكل معاون صلاحيات محددة كل في اختصاصه، لا أن تكون كلها مرتبطة بشخص الوزير الذي يمنحها حسب رغبته على حساب الاستفادة من خبرات ومعارف المعاونين المكتسبة طوال فترة عملهم الأطول نسبياً من الوزير.

مركزية حادة

في الوقت الذي نجد فيه بعض المعاونين بلا عمل حقيقي، نرى في المقابل بعضهم منشغلاً بكل أعمال الوزارة، وذلك ليس نتيجة منحهم صلاحيات تمكنهم من طرح أفكار ومبادرات ورؤى لدفع عجلة العمل وتطوير الأداء، وإنما نتيجة تفويضهم من الوزير للقيام بأعمال تخفف الضغط عليه شريطة أن يكون على اطلاع خطوة بخطوة على كل ما يقدمون عليه، ودون أن يصل الأمر بهم لاتخاذ قرار حتى لو كان غير استراتيجي وضمن أروقة الوزارة، وغالباً ما يحدث هذا التفويض عند الغياب الاضطراري للوزير، فهذا المشهد غير المتوازن يجسد المركزية الحادة في سيرورة العمل الحكومي، ويرسخ الروتين والبيروقراطية اللذين غالباً ما يفتحان الأبواب أمام شبح الفساد.

حل مبدئي…

يعتبر خبير إداري أن الحل المبدئي لردم الفجوة بين الوزير ومعاونيه يكمن في إحداث منصب نائب الوزير لكون مدة بقاء الوزير بمنصبه غالباً ما تكون أقصر من نائبه الذي يعتبر منصباً وظيفياً وإدارياً في حال إحداثه.

وأضاف الخبير إن إحداث منصب نائب الوزير هو توجه نحو اللامركزية باتخاذ القرار، لكن تطبيق هذه التجربة على أرض الواقع في بعض المؤسسات الحكومية -للأسف- لم يكن بالمستوى المطلوب، ضارباً مثال جامعة دمشق التي استعاضت عن منصب وكيل بمنصب نائب في كل مؤسساتها التعليمية، فالتغيير الذي حصل لم يتعدَّ الاسم فقط، بينما عملياً بقيت صلاحيات النائب محددة من رئيس الجامعة بالنسبة لنوابه، وكذلك صلاحيات نواب عمداء الكليات من عمدائهم، الذين لا يزالون يعملون وفق مناصبهم الماضية كوكلاء وليس كنواب فعليين يستطيعون القيام بجميع الصلاحيات الممنوحة لرأس الهرم وخاصة أثناء غيابه، علماً أن منصب النائب يخول شاغله القيام بكل صلاحيات رأس الهرم بشكل أوتوماتيكي، دون تفويض سواء كان شفهياً أم مكتوباً، باستثناء بعض الأمور والقضايا الحساسة جدا مثل توظيف شواغر أو نقل موظفين ..الخ التي يحتفظ بها الوزير أو المدير العام للبت بها شخصياً.

..وآخر مثالي

وأوضح الخبير أن أساس التفويض بالنسبة للمعاون يجب أن يكون مكتوباً وليس شفهياً، لكن ما يطبق فعلياً في الوقت الحالي هو التفويض الشفهي الذي لا يخول النائب تسيير العمل بشكل جدي وفعلي ولاسيما في حال غياب رأس الهرم، لكن الخبير يرى أن الحل الأمثل لتفادي كل ما ورد آنفاً هو إلغاء منصب المعاون والتوجه نحو تسطيح (تقصير) الهياكل التنظيمية، بمعنى توزيع صلاحيات الوزير الكاملة على المدراء المركزيين في الوزارة كل حسب اختصاصه، وبذلك يتم الحد -أو إلغاء- الروتين والبيروقراطية، وتوفير الأعباء والتكاليف المالية المتعلقة بتكاليف منصب معاون الوزير.

صمام أمان

إضافة إلى المركزية في اتخاذ القرار التي أشار إليها الخبراء الناتجة عن تهميش دور معاون الوزير وربط كامل الصلاحيات بشخص الوزير، بيّن مدير شؤون المؤسسات والشركات في وزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور أحمد حامد أن أغلب معاوني الوزراء يخشون اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية إذا أتيح لهم ذلك نتيجة عدم تحديد صلاحياتهم، بل أحياناً الوزير نفسه لا يعمل وفق استراتيجيات الوزارة لكونه ينشغل بتسيير الأمور الروتينية اليومية غير المهمة بسبب تجريده معاونيه من المهام والصلاحيات وربطها به مباشرة، أما في حال إحداث منصب نائب وزير فإن الوزير سيتفرغ للإشراف الكامل على الأمور الإستراتيجية ويترك الأمور الإدارية لنائبه الذي يضبط إيقاع العمل بين معاونيه وموظفي الوزارة ومؤسساتها، فضلاً عن أن منصب الوزير هو سياسي وليس إدارياً وغالباً ما يكون من خارج الأسرة الوزارية وقابلاً للتغيير بأي لحظة، ما يعني أن النائب يكون بمنزلة صمام أمان دائم للوزارة وقادراً على تسيير الأمور مهما حدث من تغييرات.

خلل

يفتقر تعيين معاون الوزير لمعايير ومقاييس واضحة ومحددة، وغالباً ما يتم تعيينه بناء على ترشيح الوزير وخاصة عند استلام مهامه في الوزارة، ما يعني وجود خلل في التركيبة الوزارية –حسب بعض المراقبين- لا يخلو من انعكاسات سلبية على خط سير الوزارة وخاصة إذا كان المعاون قادماً من مؤسسة بعيدة كل البعد عن عمل الوزارة المركزي، وهنا الخبير في التنمية الإدارية الدكتور أسامة الفراج ضرورة اعتماد معايير لانتقاء معاون الوزير ولاسيما أن أي منصب إداري مهما كبر أو صغر لابد أن تتوافر فيه معايير للمواءمة بين متطلبات شغل الوظيفة وشاغلها، وهذه المعايير يجب أن تحدد في بطاقة الوصف الوظيفي للوظيفة، مشيراً إلى أن معظم الوزارات –إن لم تكن كلها- تفتقر لبطاقة توصيف وظيفي لمنصب معاون الوزير، وهذا ما أكده مدير شؤون المؤسسات والشركات في وزارة الاقتصاد الدكتور حامد مستشهداً بالنظام الداخلي الخاص بوزارته الخالي من أي توصيف لهذا المنصب.

مشروع بطاقة

ولتسليط الضوء أكثر على بطاقة وصف وظيفة معاون الوزير عرض الفراج بطاقة أعدها المعهد العالي للتنمية الإدارية وردت في مقترح مشروع إعادة هيكلة وزارة السياحة، حيث توضح البطاقة أن المعاون مسؤول تجاه الوزير، وأن المدراء المركزيين في الوزارة ومدراء المديريات في المحافظات مسؤولون تجاه المعاون، وتوضح البطاقة أن هدف وظيفة المعاون هو قيادة وتوجيه وتنسيق ومتابعة أعمال الفعاليات التابعة لها، وأنه حلقة وصل بين هذه الفعاليات والوزير.

وتحدد البطاقة مهام وواجبات المعاون المتمثلة بالقيام بالأعمال المكلف بها في ضوء القوانين والأنظمة النافذة، وأنه يساعد الوزير في إدارة وتصريف الشؤون الإدارية والمالية والقانونية والاجتماعية، واقتراح الخطط بأنواعها المختلفة (قصيرة –متوسطة – طويلة الأجل) وذلك ضمن ما يخصه من هذه الخطط، ومتابعة تنفيذ الخطط والتوجيه بشأنها، إضافة إلى تقييم أداء مديري الفعاليات الذين يشرف عليهم، ورفع التقارير الدورية للوزير عن حسن سير الفعاليات، واقتراح وتطوير أنظمة وإجراءات العمل وتوزيع المهام ضمن نطاق مسؤوليته، والإشراف على تنفيذ السياسات والإجراءات الإدارية والمالية، وتوقيع المعاملات المالية وإصدار القرارات الإدارية وتوقيع العقود والاتفاقيات مع الهيئات والمؤسسات الحكومية ضمن نطاق صلاحياته، إلى جانب الإشراف على وضع خطط التدريب للعاملين تحت إشرافه، فضلاً عن أية مهام أخرى تتطلبها طبيعة وظيفته.

وفيما يخص مواصفات المعاون بينت البطاقة ضرورة حصوله على إجازة جامعية واتباعه دورات تأهيل وتدريب إضافية في مجال عمله وإدارة المؤسسات، وأن يكون قد أمضى 12 سنة على الأقل بعد حصوله على الإجازة في مجال عمله، وأن يجيد اللغة الانكليزية واستخدام الحاسب، والتمتع بشخصية قيادية والقدرة على التواصل مع الآخرين وتكوين فريق عمل، ناهيك عن كفاءاته العالية في مجال اختصاصه.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]