نموذج اقتصادي عربي “حر” على حافّة السقوط..انهيارات جديدة لن تتأخر..

الخبير السوري:

على وقع الاحتجاجات الشعبيّة، أقفلت المصارف يومَي الجمعة والسبت إفساحاً في المجال أمام قوى السلطة لامتصاص غضب الشارع أو سحق التحرّكات. هذا المشهد أوحى باقتراب نهاية النموذج الاقتصادي اللبناني، مع ما يترتب على ذلك من ضرورة تشكيل نموذج جديد يراعي حاجات الناس لا يمكن قيامه من دون أن تكون الأولوية «إعادة هيكلة الدين العام»، وألّا يتمّ تسليم لبنان إلى صندوق النقد الدولي والدائنين الدوليين

 تدهورت الأزمة الاقتصادية والمالية رويداً رويداً حتى انفجرت فجأة. بدأت بمؤشرات بسيطة قبل بضع سنوات إلى أن اشتعلت شرارتها قبل يومين على إثر إعلان الحكومة استحداث ضريبة على «واتساب» وزيادة الضريبة على استهلاك السجائر. كل ما عدا هذا المشهد، يبدو غامضاً. لا أفق لما سيحصل. الزعماء متمسّكون بالسلطة ويتراشقون تهم المسؤولية. الشعب متمسّك بثورته على نفسه بلا قائد وبلا برنامج. الأزمة النقدية مستمرّة، فيما قوى السلطة لا تزال تتعامل مع الغليان الشعبي بسذاجة. تعتقد بأنها قادرة على شراء المزيد من الوقت. فبدلاً من اتخاذ إجراءات سريعة لمنع هروب الأموال المنهوبة والمودعة في المصارف، تعاونت مع جمعية المصارف على إعلان الإغلاق يوماً بعد يوم. ففي وقت متأخر من يوم الخميس الماضي، أصدرت جمعية المصارف، بالتنسيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قراراً بالإغلاق ليوم واحد. القرار اتخذ من الولايات المتحدة الأميركية لأن قيادة الجمعية وسلامة موجودون هناك للمشاركة في اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين. في ذلك اليوم، انقسم المصرفيون حول قرار الإغلاق. كانوا متخوفين من تهافت المودعين لسحب ودائعهم. وفي اليوم الثاني للتحرّكات، قرّرت جمعية المصارف الإغلاق أيضاً مسايرة لرئيس الحكومة سعد الحريري في مهلة الـ 72 ساعة التي منحها لشركاء «التسوية». والإقفال قد يتكرّر أيضاً يوم الاثنين، بحسب عضو في جمعية المصارف. مصرفيون آخرون أوضحوا أن قرار الإغلاق مرتبط بوجود وضع متدحرج قد لا ينفع معه سوى وضع قيود على السحب والتحويل (ما يعرف بـ«كابيتال كونترول»)، أي منع سحب الأموال من المصارف ومنع التحويل إلى الخارج، ومنع التحويل من الليرة إلى الدولار. فالأخطر بالنسبة إلى المصارف أن يتهافت المودعون على سحب ودائعهم نقداً أو تحويلها إلى الخارج، ما سيثير ضغوطاً واسعة قد تنتج انهيارات. ويشير المصرفيون إلى أن سلامة لا يزال يحاول تجنّب فرض مثل هذه القيود بشكل رسمي، تاركاً الأمر بيد المصارف لتضع القيود تبعاً لسيولتها وحاجاتها لتلبية طلبات الزبائن.

إذاً، ما الذي سيحصل في حال فتح المصارف أبوابها يوم الاثنين أو الثلاثاء، أو أي يوم تكون فيه التحرّكات مستمرّة؟ يجيب أحد المصرفيين بالإشارة إلى أنه في ظل غياب أي قرار سياسي حائز إجماع القوى السياسية، لا يمكن فتح أبواب المصارف. فما يحصل لن تكون نتائجه عادية، بل سيكون الأمر أشبه بكارثة. فهذه المسألة تأتي بعد تطورات سلبية؛ أبرزها تدهور سعر صرف الليرة لدى الصرافين ليتجاوز سعر الدولار الواحد أكثر من 1600 ليرة (حاولت «الأخبار» معرفة سعر الصرف لدى الصرافين يومَي الجمعة والسبت، فتبيّن أن معظم الصرافين يعرضون شراء الدولارات بـ 1600 ليرة للدولار الواحد ولا يعرضون بيع أي منها على الزبائن)، وصولاً إلى شحّ الدولارات في السوق الذي خلق أزمة تمويل استيراد كارتيلات النفط والقمح والدواء بالدولار وتهديد الكارتيلات بوقف استيراد هذه السلع، وتزايد حالات إغلاق المؤسسات وصرف العمال… كان النقاش في هذه التطورات مطروحاً من باب البحث عن طبيعة الإجراءات التي يجب اتخاذها لتفادي الانهيار وإعادة تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، لكنه في ضوء الانفجار الشعبي الذي يعبّر عن بداية انهيار النموذج الاقتصادي بكامل أركانه، صار البحث في إجراءات كهذه أمراً تافهاً. «المطلوب هو البحث في تشكيل نظام جديد يؤمّن حاجات الناس الذين تجاوزوا مرحلة الخوف والقلق من الانهيار»، يقول الوزير السابق شربل نحاس.

طموحات تشكيل نظام جديد قد لا تسلك طريقها بسبب عقبات محلية ودولية أيضاً. تشير مصادر مشاركة في اجتماعات صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن انتقال الأزمة المالية والاقتصادية إلى مرحلة الغليان الشعبي استحوذ على اهتمام «المجتمع الدولي». فإلى جانب إلغاء السفير اللبناني في واشنطن العشاء الذي كان مخصصاً للوفد اللبناني هناك، وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف، تبيّن أن ممثلي صندوق النقد الدولي والصناديق التي تستثمر في سندات «يوروبوندز» اللبنانية (سندات الدين بالدولار) يسألون عن المرحلة المقبلة وما إذا كانت الدولة ستعمد إلى عمليات «إعادة هيكلة الدين العام» أو ما يسمى «قصّ الشعر»، أو أنها ستقوم بعملية «إعادة جدولة الدين العام»، أو أي عملية مماثلة. بمعنى آخر، هم يسلّمون بأن بلوغ لبنان مرحلة ما يسمى «إفلاس» أو «التوقف عن السداد» بات وارداً أكثر من أي وقت مضى، ولذا فهم يحاولون معرفة الخسائر التي ستترتب عليهم جرّاء هذا الأمر. هذا يعني، أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة هيكلة الدين العام الذي يتوقع أن يبلغ 155% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2019، وأن تبلغ خدمة الدين العام 52% من الإيرادات الحكومية.

كذلك تبين لأوساط مالية أن هناك معطيات تشير إلى أن صندوق النقد الدولي أبلغ مسؤولين لبنانيين (الحريري وسلامة) بأنه لن يمنح لبنان أي قرض في مواجهة الانهيار أو الإفلاس، بل يسعى إلى الزامه ببرنامج (وصفة جاهزة من وصفات الصندوق تتضمن زيادة الضرائب والمزيد من التقشّف) وبدء تنفيذه قبل الإفراج عن المبالغ المالية.

على أي حال، يعبّر بعض المصرفيين عن «يقين» بأن «الاقتصاد اللبناني الذي نعرفه انتهى، وصرنا أمام تشكيل نموذج جديد قد يتطلب وقتاً لظهوره. في هذا الوقت، لا يمكن توقع ما سيحصل في القطاعات الاقتصادية التي قد ينهار بعضها بشكل كبير». الإشارة إلى انهيار قطاعات اقتصادية يعني بالدرجة الأولى انهياراً في القطاع العقاري وارتباطه الكبير بالقطاع المصرفي، إذ تمثّل القروض العقارية أكثر من 90% من مجمل القروض الممنوحة إلى القطاع الخاص، سواء عبر قروض مباشرة (من خلال قروض الإسكان، أو قروض المطوّرين والمقاولين والمضاربين العقاريين)، أو عبر قروض غير مباشرة (من خلال القروض الممنوحة بضمانات عقاريّة للأفراد والمؤسسات)….الأخبار اللبنانية

إقرأ أيضاً:

بشرى سارّة لكل سوري..سورية تودّع أزمة المشتقات النفطيّة قريباً..

 

بشرى سارّة لكل سوري..سورية تودّع أزمة المشتقات النفطيّة قريباً..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]