جدل ساخن حول إحصاءات الثروة الحيوانية في سورية..تناقضات وتنازع أرقام فج؟!!

 

 

حماه – الخبير السوري:

لا نعتقد أن هناك قضية استحوذت على النقاش لإشكالية تعدادها مثل قضية الثروة الحيوانية فكلما كان الحديث عن الإحصائيات المقدمة للتداول فيها يكون هناك الجدل والاختلاف في الرأي أي بين مشكك في صحة الأرقام لجهة عددها وبين مؤكد.

وعندما يكون الحديث عن تصدير الأغنام وجدايا الماعز يحتد خلاف الرأي بين من يدعو للتصدير حالفاً وجازماً بأنه لايؤثر على أسعار الأسواق المحلية وليس له أي منعكسات على ذلك، في حين يقول آخرون إنه لمجرد التلويح بفتح باب التصدير ترتفع أسعار اللحوم الحية في البازار كما هو اليوم وحتى اللحوم المباعة للمستهلك من قبل القصابين .

اختلاف التوصيف

يقول المعنيون حول تأمين المادة العلفية : قمنا بتوفيرها وكذلك الأدوية البيطرية واللقاحات لينبري من يقول نشتريها بأسعار لم يعد لنا طاقة عليها، فلو كانت كما يقول هؤلاء المعنيون لزاد عددها لا قل وتقلص أي الثروة الحيوانية .

وبالتالي فعندما يكون هناك اختلاف في توصيف قضية ما يكون ثمة غموض يلف هذه القضية وبين هذا وذاك يحتد الخلاف في الرأي إلا أن الإجماع الهام حول هذه القضية يتمثل في حرص الجميع على نماء وتطوير هذه الثروة الاقتصادية الهامة لما تشكله في الدخل الوطني الذي يجب أن يكون أولوية في هذه المرحلة، فضلاً عن كونه يوفر فرصاً لتشغيل مئات الآلاف من الأسر الفقيرة في الريف، ومن يستمع إلى حديث وتصريحات المعنيين عن الثروة الحيوانية يتصور أن قطيع الأبقار والأغنام يزداد، ولكن الواقع يقول إن قضية ترميم هذه الثروة ما زالت بعيدة عن التحقيق ولذلك نرى أنه ما زال الباب مفتوحاً للنقاش باعتبار الحقيقة لا يستطيع أحد أن يمتلكها دون الآخرين بل قد تكون عند أقل الناس شأناً، وهي لا ترتبط بالمسؤول فمن يعيش بين هؤلاء المربين في أماكن تواجدهم في المراعي وفي مراكز الأعلاف قد يكون أقرب لتقديم الواقع عنه بدلاً من سماعها من أناس يسمعون عنها دون أن يروها كحال من يقدم هذه الإحصائيات .

ففي وزارة الزراعة إذا سألت أكثر من معاون وزير ومدير الثروة الحيوانية ومدير الأعلاف يعطيك كل منهم رقماً يختلف عن الآخر، وهذا ما سنقدمه في سياق التحقيق التالي بل هل فعلاً حظيت هذه الثروة بما تستحق من اهتمام ورعاية وهل وفرنا لها كل ما تحتاجه حقيقة لا قولاً؟.

 

من سهل الغاب نبدأ

تتركز الثروة الحيوانية بمختلف أنواعها أغنام وأبقار وجاموس وخيول في منطقتي سهل الغاب والبادية وفي بقية المناطق الأخرى بأعداد قليلة نسبياً لذلك نرى فائض الإنتاج من الحليب ومشتقاته يتوزع بين هاتين المنطقتين .

المهندس حسن عثمان مدير مشروع تطوير الثروة الحيوانية في الهيئة العامة لتطوير الغاب قال عن معاناة المربين وما يحتاجه القطيع وما تحتاجه المنطقة برمتها هناك : يواجه العاملون في الثروة الحيوانية العديد من الصعوبات والهموم أولها ارتفاع أسعار المادة العلفية وكذلك أسعار الأدوية البيطرية واللقاحات المقدمة من الأطباء البيطريون الخاصة هذا أولاً .

وثانياً منذ عدة سنوات واجهتنا مشكلة تتمثل في غياب ونقص حلقات الترقيم، الأمر الذي عرقل وفرمل عمليات التلقيح وصعب مهمة إحصائها أي الثروة الحيوانية، وزاد عثمان على ذلك قائلاً :إن النية كانت تتجه منذ سنوات ثلاث نحو القيام بحملة ترقيم شاملة من أجل حملات التلقيح الطبية وتقديم كل ما تحتاجه هذه القطعان لكن غياب حلقات الترقيم الملونة والمنضوية تحت بند مشروع تطوير الثروة الحيوانية.

قلنا له إن أمور المشروع في مجال سهل الغاب جيدة جداً، كما قيل لنا ويقال دائماً عكس ما تقوله، فعاد وأكد أن كل ما نسمعه عن هذه القضية ليس دقيقاً مئة في المئة، فعملية الترقيم، أولى خطوات العمل في هذا المشروع، غير موجودة، فكيف ترقم وتحصي القطيع، هم لا يريدون قول الحقيقة خشية مساءلة المعنيين عن المشروع؟!.

وننتقل للحديث عن الإنتاجية من الحليب، يقول المهندس حسن: هي الأفضل، حيث ينتج سهل الغاب من الحليب يومياً ما مقداره /20/ طناً، وهو كاف لتغطية منطقة سهل الغاب، ويذهب قسم منه لمحافظة اللاذقية ليباع كحليب خام هناك، ولذلك طالبنا منذ عشر سنوات بضرورة إنشاء معمل لصناعة الألبان كون المادة متوافرة، فضلاً على أنه يسهم بشكل أو بآخر بزيادة عدد العاملين في هذا الشأن، وبالتالي يزيد عدد القطيع وينمو ويزدهر فعلاً لا قولاً، كما نسمع هذه الأيام حتى الآن على أقل تقدير، منوهاً بأن عدد الأبقار في مجال سهل الغاب، حسب إحصائيات الوحدات الإرشادية المقدمة إلينا يبلغ /35/ ألف رأس، ومن الأغنام يبلغ /285/ ألف رأس، وأن خمسين في المئة من هذه القطعان غير مسجلة وغير مرقمة منذ عام 2011 نظراً لغياب هذه الحلقات، في حين تضاعف عدد الماعز الجبلي نظراً لسهولة تربيته، وقلة المادة العلفية المقدمة له، فهو حيوان سرحي بامتياز، ويشكّل مصدر دخل للعديد من الأهالي هنا.

 

توفر الأعلاف

وعن توفر المادة العلفية يقول عدد من المربين: هناك مقنن علفي تقدمه مؤسسة الأعلاف لا يشكّل من عشرة إلى عشرين في المئة في أحسن الأحوال، لذلك يتم الاعتماد على تأمينها من معامل الأعلاف الخاصة، وهي ليست بالسوية نفسها، في حين تتوافر أكثر الأحيان الأعلاف الخضراء من مخلفات المحاصيل الأخرى، ما يؤمن المادة المطلوبة طيلة الموسم .

 

اعتراف رسمي بالتناقضات

قد لا تكون قضية الدقة في أعداد الثروة الحيوانية جوهرية، ولكن بالمحصلة يبقى تقاذف الأرقام الإحصائية بين من يعنيه الأمر، وبين صانعي القرار لجهة مصداقية الرقم، والذي يجب أن يكون محصوراً في المكتب المركزي للإحصاء، لكن من يقرأ تصريحات المعنيين في وزارة الزراعة لجهة ما نملكه من أعداد الثروة الحيوانية، لابد له من أن يتساءل: أي الأرقام هي الأدق والتي يجب اعتمادها؟!.

قرأنا قبل أيام تصريحاً لمدير مشروع الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة قال فيه: قدرت وزارة الزراعة أعداد الثروة الحيوانية في سورية بما يصل إلى 18 مليون رأس من الغنم، في حين يقول تقرير آخر إن عددها بلغ في عام 2013 /14/ مليون رأس، و/830/ ألف رأس من الأبقار، ومليوني رأس من الماعز، وحوالي /55/ ألف جمل، و/7500/ رأس من الجاموس.

وهنا نسأل: من هو الشخص الذي قام بعملية الإحصاء هذه في العام المذكور؟ وكيف سمحت له الظروف والأحداث القيام بالعملية الإحصائية؟ ومن جهة أخرى أكدت لنا مصادر معنية في محطة الجاموس البحثية في سهل الغاب أن عدد الجاموس في سهل الغاب لا يتعدى الـ /300/ رأس، منها /120/ فقط في المحطة البحثية، والباقي قد يكون موجوداً لدى الأهالي، وفي أحسن الأحوال لا نعتقد بوجود باقي العدد في محافظتي الرقة والحسكة نظراً لوجود نهر الخابور الذي يوفر بيئة مناسبة له، فمن أين جاؤوا بـ/7500 / رأس، وأين هي موجودة؟!.

وحسب المصادر فإن آخر إحصاء للثروة الحيوانية كان في عام 2010، ومن بعدها لم يستطع أحد حصرها وتعدادها نظراً للظروف الأمنية الراهنة، وبخاصة في أماكن تواجد هذه القطعان، ونقصد هنا الأغنام في باديتي حماة وحمص وحلب، ويمضي المعنيون في الوزارة ليقولوا: إن التصدير لا يؤثر على أسعار اللحوم في الأسواق المحلية، وفي تصريح آخر ، يقول مسؤول وخبير اقتصادي: إن أسعار اللحوم عرض وطلب، حيث تعتبر العروق الموجودة لدينا ثنائية الغرض ( لحم + حليب ) فضلاً عن انخفاض مستوى الخدمات المقدمة كالغذاء لجهة قلة المادة العلفية والخدمات الطبية والبيطرية الصحية، وكذلك طرق التربية، السرحي منه، وغياب الدقة فيما تنتجه هذه الثروة من الحليب.

في حين قال لنا القصاب أبو علي عيد ( لحام ) إن لحوم الأغنام كانت قبل ربع قرن من الآن تشكل حوالي 70 بالمائة من اللحوم المقدمة للمستهلك لدينا في حين تراجعت الآن لأقل من 40 بالمائة، فالموجود في أسواق القصابين خليط لحم بقر مع ماعز وهو بنسبة قليلة جداً مع أغنام، لكن قلة العرض وقلة الأغنام جعل منها مادة مرتفعة الأسعار، حيث يباع كيلو لحم الغنم في مجال محافظة حماة ما بين الـ /2600 – 2500 / ليرة، ولا يقل عنه لحم العجل، فقد غزت أسواقنا اللحوم المستوردة كلحم الجاموس رغم أنها غير مرغوبة لدى المستهلك السوري.

وهذا ما تؤكده منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) أي قلة العرض وقلة مساهمة الأغنام بالنسبة لمادة اللحوم، وهذا ما تسعى إليه هذه الأيام وزارة الزراعة، كما أعلمنا مدير عام المؤسسة العامة للمباقر أن النية تتجه نحو استيراد أبقار متخصصة بإنتاج اللحوم والحليب كل على حدة نظراً لانخفاض مردود الثروة الحيوانية في سورية من اللحوم.

 

مؤسسة الأعلاف تخسر

مؤسسة الأعلاف تخسر سنوياً الكثير من أجل تقديم المقنن العلفي للثروة الحيوانية، وهذا هو جهد الحكومة والتي بدأت برفع وتيرة الاهتمام بهذا القطاع، لكن هذا الكلام ليس جديداً فمنذ أكثر من عشر سنوات، ونحن نسمع نفس الكلام، تطوير الثروة الحيوانية، وتقديم كل ما تحتاجه في الوقت الذي كنا نسميها صحفياً بالثروة المهمشة .

مدير عام المؤسسة العامة للأعلاف المهندس مصعب العوض قال أثناء زيارته لشركة سكر سلحب لاستجرار الشوندر العلفي /إن خطة المؤسسة هذا العام تقتضي شراء 950 ألف طن من مختلف المواد العلفية منها شعير /425 / تم شراء منها حتى الآن من المزارعين /98 / ألف طن، ولدينا عقد داخلي بالليرة السورية من أحد التجار لشراء 98 ألف طن،

فضلاً عن الرصيد الموجود والمدور لدينا وقدره حوالي /30 / ألف طن سيتم توزيعها جميعاً.

وعن عدد الأغنام التي يتم بموجبها توزيع المادة قال العوض : آخر إحصاء مكتبي وصلنا يشير إلى أن عددها /18 / مليون رأس، ومن الأبقار مليون ومائة ألف رأس، في حين يقول مدير الثروة الحيوانية، في الوزارة إن عدد الأبقار هو 830 ألفاً لعام 2013

لافتاً إلى أن ما تقدمه وزارة الزراعة لهذا القطاع جزء مهم من حاجة المربين وتخسر كثيراً في إيجاد وشراء المادة العلفية من أجل إيصالها لهؤلاء المربين، كما وتبلغ قيمة هذه الأعلاف سنوياً أكثر من 40 مليار ليرة سورية.

قلنا له إن جلّه لا يذهب للمربين الحقيقيين، فأجاب هذه ليست مسؤوليتنا نحن نوزع بموجب جداول تردنا من مديريات الزراعة في مختلف المحافظات، وتدقيقها ليس من اختصاصنا.

 

اتحاد الفلاحين يشكك ويؤكد

رئيس اتحاد فلاحي حماة، الدكتور هيثم جنيد، قال ما يقدم للثروة الحيوانية في ظل هذه الظروف الصعبة جيد جداً فالبلد في أزمة والوصول لأماكن تواجد الثروة الحيوانية في غاية الصعوبة، وخاصة أماكن تواجد الأغنام، مشيراً إلى أنه لم يعد بمقدور العديد من المربين تقديم متطلبات الثروة الغنمية، ما دفع البعض منهم لتخفيض عددها والاكتفاء بالحد منها، وبمعنى أوضح وفق استطاعته.

وتابع ..لكن المقنن العلفي قليل جداً ولا يفي بالغرض المطلوب، ونقدر عالياً جهود الحكومة لما تقدمه من لقاحات ورعاية رغم أن العديد منها لا يصل لمستحقيها0

وشكك جنيد بصحة الأرقام الكبيرة من أعداد الأغنام فمنذ عام 2010 لم يستطع أحد أن يقوم بأي عملية إحصاء، ما يعني أنه لا يوجد لدينا الـ /18/ مليوناً ولا الـ / 14 / مليوناً، فقد استنزف التهريب 65 بالمائة منها، منوهاً إلى أن كامل مخلفات المطاحن ومعامل الزيوت من الكسبة يتم شراؤها من قبل مؤسسة الأعلاف لتقدم علفاً للثروة الحيوانية، وهذا هو المتاح .

رفد الاقتصاد

يمكننا أن نقول يكفي تمسك المربين بقطعانهم من الأغنام والأبقار لرفد الاقتصاد الوطني بالإنتاج، لكن ما زالت عملية استيراد الأبقار التي يدور الحديث عنها منذ سنوات بعيدة المنال والوصول، يعني “مكانك راوح” ومازالت عمليات الخدمة المقدمة لهؤلاء المربين دون الطموح، كما أن الأرقام التي يتحدث عنها المعنيون غير صحيحة، ولا يكفي أن يكونوا مختصين في الشأن الحيواني ليدركوا كل المعطيات والحيثيات، بل يمكننا أن نقول لهم “حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]