50 مليون ليرة راتب سنوي لموظف في مؤسسته والحجة “بريستيج” الخبرة

 

خاص الخبير السوري:

يبدو أن مزمار حيِّنا لم يطرب بعضنا، ولعل السبب في ذلك ليس قلة مبدعينا وإنما تدني الثقة بهم.. هذا التشبيه المجازي يمكن إسقاطه على القطاع المصرفي الخاص الذي ما زال رأس هرمه والمفاصل الأساسية فيه خاضعة لكوادر من جنسيات لبنانية وأردنية، تحت ذرائع وحجج ردها البعض إلى نقص الكوادر المصرفية السورية وعدم امتلاكها الكفاءات اللازمة لإدارة الأعمال المصرفية الحساسة، والبعض الآخر عزاها إلى الكتلة العالية للرواتب والأجور التي يتقاضاها المصرفيون غير السوريين محاولين كسب الوقت لتحصيل أكبر قدر ممكن منها طوال إقامتهم في سورية، ولاسيما أن الرواتب وصلت إلى حدود غير مسبوقة ولم تكن متوقعة في يوم من الأيام، حيث تخطى الأجر السنوي لمدير أحد المصارف الخاصة حاجز الـ25 مليون ليرة سورية “فقط لا غير” في العام!. مع ملاحظة أن رواتب نظرائهم السوريين أقل رغم امتلاكهم نفس الخبرة، ما يعني -برأي بعض المراقبين- أن المقصد الأساسي وراء تمترس الجنسيات غير السورية في أعلى هرم المصارف هو مادي بحت والسبب ليس نقص الكوادر، ولاسيما بعد مضي عدة سنوات على عمل أول مصرف خاص في سورية، وهذه السنوات كفيلة بتأهيل كادر محلي قادر على النهوض بالقطاع المصرفي على أكمل وجه إذا كانت هناك نية جادة وحقيقية للتأهيل والتدريب.

أخطار موضوعية

لعل أخطر ما في الموضوع هو كيف سيكون وضع المشهد المصرفي في حال حدوث استقالات بالجملة للجنسيات غير السورية من مناصبها الإدارية العليا فجأة تحت أي ذريعة؟ وهل ستكون كوادر الدرجة الثانية قادرة على تحمل المسؤولية وتسيير أمور المصارف؟

ناهيك عن تأثير ارتفاع الرواتب على حقوق المساهمين ولاسيما أن أحد المصارف رفع أرباح المساهمين بنسبة 2% بعد أن قرر خلال اجتماع الجمعية العامة للمصرف توزيع 7% كنسبة أرباح لكل سهم، ورفعها مباشرة إلى 9% بعد احتجاج المساهمين، ما يدل بصورة أو بأخرى على أن ارتفاع رواتب وأجور العاملين يكون على حساب المساهمين، ويدل أيضاً على عدم الدقة وقلّة المصداقية في الحسابات الدفترية لهذه المصارف التي فيها ما فيها من حقوق المساهمين.

أسباب موجبة

لاستلام المراكز القيادية في المصارف الخاصة السورية من غير السوريين أسباب أوضحها – ذات حديث – المستشار التمويلي أنس نغنغ أبرزها أن 50% من أي مصرف مملوكة من الشريك الإستراتيجي، ومن يشارك بنسبة 50% من رأس مال أي مصرف غالباً ما يكون مشرفاً على سير عمله وخصوصاً في المراحل الأولى من انطلاقه، وبالتالي عليه أن يحضر كوادره المدربين والعارفين بحيثيات النظام المصرفي الذين يثق بهم.

ومن الأسباب الموجبة للاستعانة بالكوادر غير السورية قال نغنغ: من يدير بنكاً يجب أن تكون لديه خبرة مصرفية كبيرة، وهذه الخبرة غير موجودة بالأساس في سورية، فالخبرات السورية الموجودة مؤهلة فقط لاستلام مواقع إدارية في قلب البنك، ولا يعتقد نغنغ أن شخصاً ما في سورية يمتلك الخبرة اللازمة لاستلام موقع مدير عام مصرف، مشيراً إلى أن بعض الخبرات الأجنبية تحجم عن استلام إدارة بنك حتى لو دفعت لها الأموال المطلوبة.

حد الخيال

لم ينكر المستشار التمويلي أن بعض رواتب وأجور المديرين التنفيذيين تجاوزت حد الخيال مبرراً بأن ارتفاعها يعود إلى خبرة وكفاءة من يتقاضاها، ومؤكداً أنه لو عمل خارج القطر لتقاضى الراتب نفسه إن لم يكن أكثر، وفي المقابل لو وُجد مدير تنفيذي يرضى براتب 1 مليون ليرة سورية شهرياً –على سبيل المثال- بدلاً من 2 مليون ويمتلك الخبرة ذاتها لتمت الاستعانة به، فالخبرة تفرض نفسها دائماً، والعمل – حسب نغنغ- عرض وطلب، ولا يمكن لأي شخص أن يفرض العرض إن لم يكن هناك طلب، وفي الوقت نفسه لا يمكن فرض الطلب إن لم يكن هناك عرض، مشيراً إلى أن المصارف الجديدة تحتاج دائماً إلى موظفين على درجة كبيرة من التأهيل.

 

 

 

 

غير دقيق

اعتبر نغنغ أن ما يدور من كلام حول المديرين التنفيذيين السوريين للمصارف الخاصة الذين يتقاضون رواتب وأجوراً أقل من نظرائهم اللبنانيين والأردنيين كلام غير دقيق.

وفي السياق ذاته أكد مسؤول مصرفي يعمل لدى أحد المصارف الخاصة فضل عدم ذكر اسمه أن الشريك الإستراتيجي يعطي لأحد المديرين التنفيذيين (وهو سوري الجنسية) راتباً خاصاً إضافة لما يتقاضاه من المصرف على اعتبار أن راتبه أقل من نظرائه بكثير!.

عرّاب الاقتصاد

لا يتوانى –غالباً- معظم مصرفيينا المخضرمين في أي مناسبة أو محفل عن التحدث عن نقص الكوادر البشرية المحلية المؤهلة وضرورة فتح المجال للخبرات الأجنبية وكأنها الربان الموجه أو العرّاب المنقذ لاقتصادنا الوطني، ورغم أن تدريب الكوادر المحلية وتأهيلها ليس ضرباً من المستحيل، إلا أننا نلاحظ تهميش هذا الأمر، علماً أن وزارة العمل حددت نسبة العمالة بـ3%، ما زاد بالتالي الشكوك حول نية مبيتة بهذا الخصوص لدى بعض المستفيدين المتذرعين بهذه الحجة للبقاء في مناصبهم القيادية لأهداف مادية، الأمر الذي نفاه نغنغ جملة وتفصيلاً مؤكداً أنه من الصعوبة بمكان العثور على موظف ذي خبرة ليست فنية وعملية فقط بل استراتيجية مصرفية، على اعتبار أن العمل المصرفي يتعامل مع منتج في غاية الخطورة هو (المال)، وبالتالي لابد من البحث عن الخبرة التي تمتلك الملكات القادرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب وتكون حريصة من كل النواحي، فقرار تسليف خاطئ –على سبيل المثال- في أي بنك يمكن أن يؤثر على عمل البنك بأكمله.

في المقابل اعتبر المدير التنفيذي لبنك سورية الدولي الإسلامي عبد القادر دويك أن هذا الموضوع نسبي، موضحاً أنه عندما تستثمر مؤسسات خارجية في سورية يكون لديها كوادرها الخاصة في بداية عملها، لكنها تقِل تدريجياً مفسحة المجال أمام العمالة السورية، ففي بنك سورية الدولي الإسلامي يوجد 530 موظفاً منهم سبعة موظفين فقط غير سوريين، أي ما نسبته 1.25% من إجمالي الموظفين، وذلك بعد تهيئة الكوادر البشرية المحلية عبر مركز تدريب متخصص في هذا المجال، مشيراً إلى أنه تمت الاستعانة في بداية عمل المصارف بالخبرات الخارجية ومن ثم بالخبرات السورية الخارجية، من منطلق الإيمان بمبدأ أن الأشخاص زائلون والمؤسسات مستمرة لأجل طويل.

وأضاف دويك: تم إدراك حقيقة هذا التحدي وضرورة توفير الكوادر البشرية اللازمة والمناسبة المسلحة بالمعرفة والمهارات لتكون قادرة على التعامل مع الزبائن وعلى تطبيق مفاهيم العمل المصرفي بكل دقة وحرص، مؤكداً أن ما حققه مصرفه من نجاحات –حسب تعبيره- كان نتيجة تضافر جهود عناصر البنك، وسوادها الأعظم سوري.

تحذير

مخاوف من العيار الثقيل أطلقها قلة من المراقبين على درجة كبيرة من التشاؤم حول احتمالية حصول استقالات جماعية للمديرين التنفيذيين للمصارف الخاصة من غير السوريين، محذرين من كارثة مصرفية ربما تحل في المشهد المصرفي إذا لم يتم تعزيز المفاصل المصرفية الرئيسية بالكوادر السورية الأكثر انتماء للاقتصاد الوطني، هذه المخاوف بددها نغنغ بتأكيده أنه في البنك توجد خطة تدعى (إحلال الموظفين) بمعنى أنه في حال غياب أحد الموظفين يوجد من يحل محله، والبنك المركزي يتابع هذا الموضوع بناء على متطلبات بازل2، فضلاً عن استحالة استقالة كل المديرين في الوقت نفسه، دون أن يخفي أن استقالة مدير عام أي مصرف تشكل هزة كبيرة، لأنه رأس الهرم، لكنه عاود وبث الطمأنينة في نفوس المتشائمين بقوله: إن أي مصرف في نهاية المطاف هو مؤسسة وليس شخصاً بعينه، فحتى لو غاب المدير العام عنه يبقى المصرف يعمل وفق نظامه، ربما يتأثر بموضوع التوسع والأمور الإستراتيجية البعيدة المدى، لكنه يبقى يعمل باستمرار، مؤكداً أن المشهد المصرفي السوري سيكون يوماً ما تحت إدارة خبرات وطنية سورية 100 %، والمؤشرات الحالية تدل على ذلك، ولاسيما أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خفضت نسبة العاملين من الأجانب في أي مصرف من 10 إلى 3% وفي الوقت نفسه ضغطت على المصارف وأجبرتها على تأهيل الكوادر السورية.

  

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]