حسم غير مسبوق من “وزارة العدالة” ..العمل أو المحاسبة والشفافيّة عنوان..

 

الخبير السوري:

يظهر جلياً أن وزارة العدل وفي رؤيتها لمشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد حدّدت خطواتها بثبات وجرأة تمنعها من التراجع، ولعلّ اختيار هذا التوقيت لكشف مواطن الترهل والضعف داخل أروقتها لم يكن عبثياً، بل يعدّ خطوة أولى مؤسِّسة في مسار التطبيق الفعلي للخطة المرسومة، وحتى لا تندرج هذه الرؤى كما سابقاتها في سياق “التنظير” فإن الكشف عن الواقع الصّادم منذ البداية لا يترك خياراً آخر سوى للإنجاز أو المحاسبة، حيث تؤكد معاون وزير العدل القاضي بثينة سليمان أنه من غير المقبول بعد اليوم الحديث عن الواقع المتردي الذي كانت عليه الإدارة، فبعد الشرح والتوصيف سيكون السؤال في الفترة المقبلة عن الإنجاز وما تمّ تطويره، مشيرةً إلى أن الرؤية التي تجري دراستها وتطبيقها الآن مختلفة عن تلك التي اعتُمدت في بداية العام كونها كانت عامة بلا دراسة للوضع الراهن للوزارة، أما الجديدة فتجري دراستها بشفافية عالية وجرأة في الإشارة إلى مكامن الخطأ ووضع أسس علمية لمعالجتها، ورسم منهجية تعاون مع كافة الوزارات والجهات المسؤولة لتحقق الرؤية النجاح المطلوب.

وتشير سليمان إلى سعي الوزارة عبر رؤيتها لترسيخ وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، والتمييز بين السلطة التنفيذية كوزارة عدل والسلطة القضائية وهي الأداة التي تعمل معها، فوجّهت الرؤية للتعاون مع السلطة القضائية بغية تسهيل عملها من الناحية الفنية واللوجستية والإدارية، لتحقيق الغاية الأساسية التي تتلخص بالوصول إلى قضاء سريع وعادل يملك بيئة رشيقة مؤتمتة وشفافة، والوصول إلى هذا المستوى يستلزم وجود كادر وظيفي تخصصي منتقى ومؤهل بعناية، يعمل ضمن مكان ملائم يليق بهيبة القضاء وموظفيه، في حين يجري الإعداد للإعلان عما وصلت إليه الوزارة في مشروعها خلال المؤتمر القضائي القادم والذي تكشف معاون وزير العدل لـ”البعث” أنه وللمرة الأولى سيُعقد المؤتمر في مدينة حلب بعد تحريرها من الإرهاب، مؤكدة أنه سيكون على مستوى عالٍ من الجرأة والشفافية في النقاش.

وفي توصيفها للترهل الإداري في الوزارة تنطلق القاضي بثينة سليمان من الاختيار الاعتباطي للموظفين والقضاة دون دراسة للاحتياجات، أو تحديد أهداف كل مديرية، حيث تسيطر الشخصنة والواسطة في التعيين، وعدم أخذ الظروف اللوجستية بعين الاعتبار، إلى جانب الأساليب العاجزة عن كشف الكفاءة المطلوبة للموظف كون اللجنة غير مؤهلة للتقييم، فضلاً عما وصفته “بكارثة” العقود السنوية والموسمية، التي أدّت إلى تضخم في مفاصل الوظائف العامة ونقص شديد بمفاصل أخرى، إضافة لصعوبة الملاحقة المسلكية للموظفين بعد انتهاء العقد.

وبناءً على هذه النتائج تنطلق رؤية الوزارة من حصر الموارد والمديريات الموجودة، ثم تحديد الصلاحيات وتقدير العدد والخبرات التي تحتاجها كل مديرية، ثم تحديد آلية اختيار المدراء والفريق الذي يعمل معهم، واختبار كفاءة المرشح (علمياً وإدارياً) عبر لجنة مختارة بعناية، ودراسة مدى تطور الموظف بهدف إعطائه حافزاً للترقية، والاعتماد في التوظيف على خريجي المعهد التقاني الذين يضطرون للجوء إلى وظائف أخرى بعد “طناش” الوزارة لخبراتهم، كما يتواصل العمل لتقسيم مديرية الموارد البشرية إلى (3) مكاتب، أولها مكتب توصيف وظيفي مؤتمت وموثق، ومكتب تقييم الأداء، ومكتب قياس الأداء. وبالنسبة للقضاة سيكون الاعتماد على النوع لا الكم، بناءً على ما تحتاجه الوزارة من مواصفات ومؤهلات، كما تنفي سليمان بشكل قاطع تدخل السلطة التنفيذية في اختيار القضاة، فالوزير ينوب عن السيد الرئيس في مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي يتدخل في اختيار القضاة بصفته القضائية وليس التنفيذية.

وبالنظر إلى واقع التدريب والتقييم في الإدارة، يظهر قصور واضح في كل منهما، إلا أن التوجه الآن يسعى لإنشاء أسلوب علمي يحدّد معايير التقييم، والربط بينه وبين الأداء الوظيفي، إضافة لإيجاد أسس تقييم نوعي للقضاة وعدم الاعتماد على الكمّ فقط. كما توضح سليمان أنه تمّ إحداث مديرية خاصة بالتدريب والتأهيل عام 2014، وحتى تاريخه تم إنجاز دورتين فقط!، ما أدى لإلغاء البند المخصّص لها في الموازنة، إلا أن السعي لإعادة تفعيل المديرية أدى لإعادة البند وتخصيص 3 ملايين ليرة لبداية المشروع التدريبي، انطلاقاً من تحديد الاحتياجات التدريبية وصولاً لنشر ثقافة التدريب بين الموظفين وتسهيل نقلهم عند الحاجة، إضافة لتنظيم دورات للقضاة في المحاكم التخصصيّة، والتنسيق ما بين الوزارة والمعهد العالي للقضاء لتدريب القضاة، وربط تقييم القاضي بالتدرج الوظيفي، علاوةً على المطالبة والتوصيات في جميع المؤتمرات للنظر بالواقع المادي غير العادل للقاضي.

وبالنظر إلى البنى التنظيمية في الوزارة كإدارة التشريع وإدارة التفتيش القضائي تقول القاضي بثينة سليمان: فوجئت حين وجدت في الوزارة نظاماً داخلياً غير معتمد، فهو غير صحيح ولا يتناسب مع الرؤى المطروحة، ما دفعنا لدراسة نظام جديد يوافق خطا الوزارة نحو الإصلاح الإداري ومن المحتمل إعلانه خلال المؤتمر القضائي القادم، مشيرةً إلى الضعف في الإدارات القضائية لجهة الكوادر والبنى التحتية والدور المنسوب لها، فإدارة التشريع المعتبرة من أقوى الإدارات يفترض أن تضم النخبة وتأخذ دوراً فعّالاً ويعاد هيكلتها، بدل أن يعتبر القاضي الذي يُنقل لإدارة التشريع نفسه معاقباً وهو ما يحصل الآن!!، إضافة إلى إيجاد صيغة للتعاون ما بين إدارة التشريع والمحكمة الدستورية لاختصار الوقت والجهد في إصدار التشريعات.

كما تلفت سليمان إلى تفعيل دور إدارة التفتيش القضائي والإداري من عدة نقاط عبر كادر مؤهل جيداً بحيث تكون للحماية والعقاب، وسيتمّ وضع آلية عمل التفتيش القضائي ضمن النظام الداخلي لضبط أصول العمل، ومراقبة الموظفين بشكل دوري، مشيرةً إلى أنه خلال الشهر الأخير تم إيقاف 5 موظفين في قصور العدل والأمن الجنائي وكفّ يدهم عن العمل، كما تمّ عزل أكثر من قاضٍ خلال هذه المرحلة.

وتطبيقاً لضرورة إيجاد إدارات جديدة في الوزارة أُحدثت إدارة تحكيم مهمتها توحيد منهجية عمل القضايا التحكيمية وتنظيمها والإشراف على مراكز التحكيم لضبط عملها، إضافة لإنشاء إدارة للتنظيم المؤسساتي بهدف اختصار الإجراءات الروتينية في العدليات، كما أحدثت الوزارة بنك الجريمة لإعطاء مؤشرات وإحصاءات دقيقة عن نوعية الجرائم المرتكبة بهدف إعادة فرض العقوبة تشديداً أو تخفيفاً.

وبالانتقال إلى الجانب التشريعي توضح سليمان أن الهدف منه الاستحصال على عدالة ناجزة سريعة وشفافة من خلال مراجعة شاملة لكافة القوانين المرتبطة بالسلطة القضائية حتى المعدلة حديثاً، بهدف تطويرها واختصار التعديلات لتتوافق مع حاجات المواطن، إضافة لضرورة إجراء مسح وإحصاء من خلال لجنة إعلامية قبل أي تعديل، والتوجّه نحو جمع القوانين وتعديلاتها بمتن واحد لسهولة الاطلاع عليها، فالمحامي أو القاضي اليوم أصبح أمام عدد غير منتهٍ من القوانين وتعديلاتها لدرجة أنه يكتب نصاً قانونياً لا يعرف أنه تعدل!، فاللجان تعمل بسرب والقانون يتعدل بسرب، حتى “ابن الكار” تاه في دوامة القوانين، من هنا انطلقت الوزارة بالعمل على مشروع وطني للثقافة القانونية، فلا جاهل في القانون عندما تنجز وزارة العدل مهمتها في نشر الثقافة القانونية بالتعاونمع الجهات المعنية.

وفي المحور اللوجستي من الرؤية فإن السعي لتحقيق هيبة القضاء يأتي أيضاً من خلال الاستحصال على بنى تحتية لائقة وترميم قصور العدل المدمرة، إضافة للانتهاء من مشروع أتمتة العمل القضائي. وهنا تكشف معاون وزير العدل لـ”البعث” أن الوزارة استحصلت بالتعاون مع المحافظة على مساحة واسعة بمشروع التنظيم 66 تليق بإنشاء مجمع قضائي متكامل من العدليات ولسكن القضاة مع البنى المرفقة، حيث تجري الآن دراسة التغطية المالية ليبدأ العمل بعدها وفق خطة خمسية لإنجاز هذا المجمع، مؤكدةً وجود عدد من السيارات سيتمّ توزيعها على العدليات، إلى جانب دراسة النقل الجماعي للموظفين، كما أنه في أول أيلول سيتمّ توزيع كوّات استعلام ضمن قصور العدل لتجنّب الاستغلال وتسهيل عمل المواطنين، إضافة لاقتراح بإنشاء صندوق شكاوى يتم متابعتها من الجهة المعنية لضمان تلبية حاجات المواطن وملاحقة العثرات.

 

البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]