صندوق أبيض..!

 

هل نغرّد خارج سرب الواقع، إذا ما قلنا إنّنا بحاجة إلى “صندوق أبيض” في وزاراتنا على غرار الصندوق الأسود في المركب الطائر، يضمّ بين جنباته حكماء المؤسسة من المشهود لهم بخبراتهم ومبادراتهم الخلاقة، ليكونوا بمثابة بيوتات خبرة مجانيّة تتولى مهام نقل المعرفة والعناية بالشّباب من خلال ضخّ المعارف والخبرات المتراكمة إلى الجيل الشّاب في هذه المؤسّسات وفي صلب اختصاص المؤسسة؟.

أمّا بالنسبة لمن لم تتوفر لهم فرص الانضواء تحت بيارق المؤسسات؛ فلا بدّ من وقفة جادّة إزاء ما يحمله هؤلاء بين أضلعهم من عنفوان وطاقات كامنة، لم تصل إليها بعد يدُ الرِّعاية والاهتمام لبلورتها وتبنِّيها، وهذا ما نتلمّسه من دون كبير عناء في طرائق تفكيرهم ومستوى تطلّعهم إلى تحقيق الذّات والتي تنساب قوالب إبداعية في مدوّناتهم، التي تتفتَّق دونها مواهبهم، والتي يتفوّقون فيها تفوّقاً مبهراً على أنفسهم وظروف الأزمة المحيطة بهم..!.

شبابٌ يبحثون عن بيئة أكثر تحفيزاً ودعماً لتدفع بهم بخُطا واثقة لخوض غمار المستقبل..!.

ولا غرو في أنَّ نسباً عالية من  أبناء هذا الجيل الواعد استطاعت -وبجدارة- أن تتخطّى عقبة الإشكال الأزليِّ الذي ما لبث الكثيرون يسمُونهُم به من نقصٍ في الطاقات الفكريّة والرّؤى الإبداعيّة، ليفتح الباب مُشرعاً على تساؤلات من طبيعة: أين نريد اليوم أن نصل بهذا الشّباب الواعد؟ ومع هذا الألق الشبابي، ما هي الخطط المستقبلية لحواضن إبداعاتهم؟ وهل ثمّة مُحفِّزات تكفل الخروج بأفكارهم من الإطار الضيِّق لـ “الفكرة” إلى ترسيخ مسيرة الإبداع على أسس علمية وأكاديمية؟ وهل اكتملتْ ملامح رؤيتنا -نحن جيل الآباء وكلّ الشّركاء الفاعلين في العمل الجَمْعِي- لتبنّي هذه الإبداعات، وخصوصاً في ظلّ توجُّه عام بات أكثر إلزاماً لشبابنا بتأهيل وتطوير ذواتهم لخَلْق فرص عمل خاصَّة؟.

ولا شكّ أنَّ خلق بيئةٍ مُحفِّزةٍ وداعمةٍ للابتكار لم يعُد بتلك الصعوبة التي كانت مُترسِّخة قديماً في الأذهان، إذ يُمكننا اليوم وبشيء من الإرادة والتخطيط، ورصد الموارد، أن نخلق أجواءً تنافسية بين هؤلاء الشباب، تحفِّز، وترعى، وتدعم، وتؤهل قطاعاً أثبت حضوره الفاعل على مستوى الواجب الوطني، وأن يَفِي بعلمه وعمله لكل ما ينفع وطنه ويعلي شأنه، ويحفظ منجزه ويبني عليه، لتنزاح الكرة قليلاً عن خط المنتصف، وتستقر في ملعب الفاعلين -حكومة، وقطاعاً خاصّاً، ومجتمعاً أهلياً- فتفرض وضعاً جديداً يستدعي إعادة النّظر في الخطط القائمة وتعديلها، واستحداث أخرى تضمن لأبنائنا الوصول إلى محطات أكثر تفاعلية مع العالم وتجاوز مرحلة التلقِّي السّلبي، عبر برامج تربط الابتكار بآفاق الاقتصاد المعرفي.. وهو ما سبق ودلَّلنا عليه في غير ما مَوْضِع بنماذج عالمية شابَّة، صارت اليوم مضرب مثل؛ على غرار شركات البرمجة العملاقة كـ”فيسبوك”، و”جوجل”، و”أمازون”، التي بدأت جميعها بأفكار بسيطة تفتَّقت عنها أذهان شباب يافعين، استطاعوا خلال أعوام تكوين امبراطوريات معلوماتية عالمية توظِّف مئات الألوف من الكوادر، وأرقاماً صعبة في الاقتصاد العالمي، تؤثّر فيه ويؤثّر بها.

رعايةٌ؛ لا بُدّ أن نتلمَّس صَدَاها الإيجابيّ داخل مجتمعنا، ونحن نرى ونسمع عن نماذج وطنية شابة تُكافح لتأسيس مشروعات واعدة، على أُسسٍ جديدةٍ بعيداً عن العشوائيةِ والارتجالِ، بينما لا يزال العديد غيرهم في بداية الطريق، يأملون دعماً يُبصرون به وجهتهم، وبرامج فاعلة تبتعدُ بهم عن التثبيط والقعود بالهمم، سواء من نظرة المجتمع بعين الشّك لما يحققونه من إنجاز، أم القصور والخلل في بنية الفهم السليم الذي يربأ بالإنسان عن أن ينتهج النقد لمجرد الانتقاص من جهود في ريعان الشباب..!.

والحال أنّ الجميع مطالب بتشكيل “صندوق أبيض” أهليّ ومجتمعيّ؛ لتأمين الفرص واحتواء إبداعات وجهود الشّباب، ومن ثمّ صقلها وتمكينها، واجتراح السّبل الأنسب للتعامل معها وتنميتها، والعمل على الارتقاء بها. ولنُجب جميعاً عن الأسئلة: ما القيم التي نريدها لشبابنا وشاباتنا؟ وكيف نرفع إنتاجيتهم؟ ونزيد من ثقافتهم؟ ونرتقي بطموحاتهم وأحلامهم؟.

أيمن علي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]