ذراع ضد الكسر

علي بلال قاسم

اتفق شارع المستهلكين أم اختلف فرقاء الأسواق ومرجعيات المؤسسات على مساحة التغطية والقدرة النوعية للدولة على قيادة كفتي ميزان السوق، يبقى الأثر المأمول في تحقيق التوازن الإيجابي لمصلحة المواطن لا يقبل الشك في سياق النيّات الحكومية الرامية لجعل أيدي وأرجل العملية التجارية الداخلية ممسوكة ومضبوطة بأذرع قادرة ومقتدرة على صياغة الكفاءة الرشيدة لعلاقة التاجر بالمستهلك وسلطة الرقابة على الأسعار والمواصفة.

قد تفوق العوامل النفسية والافتراضية للتدخل الحكومي بالسوق تلك المادية والاقتصادية البحتة على أهميتها بالنسبة إلى الزبون، ولكن ثمة قناعة لا يختلف عليها اثنان بأن الجدوى التي يتلمّسها جميع الأطراف من تجذّر مؤسسات الدولة التدخلية وصلت إلى مسافات لا يعرف قيمتها إلا من يفقدها، وهنا كان لفرض قوة وهيبة “المؤسسة الرسمية” فعلها المؤثر في كبح جماح حيتان السوق ومحتكريه؟.

وبواقعية المشهد يدرك المتشابكون والمتقاطعون في مصالح الحركة التجارية وفوائد الانسيابية السلعية وأحقية المنطقية التسعيرية، أن ما تفعله “السورية للتجارة” على الأرض يعدّ إنجازاً بالتصنيفات المؤسساتية والاجتماعية لاقتصاد اعتُمد ليكون في خدمة المجتمع وليس في صف التجار القادرين بملاءتهم المالية وكلمتهم الواصلة “بحكم أن صوت رأس المال مسموع” حتى ولو همس همساً في حين يكون “الطناش” حاضراً ولو صرخ المستهلك بأعلى صوته، وهذا المحك لولادة مؤسسات وجمعيات وجدت لتكون “حامية الزبون” لأنه الحلقة الأضعف بشهادة المنطق وصدى الصوت الذي أسلفنا مفاعيله؟.

في توجّه كالذي نحن فيه يكثر من يتذرّع بأن بعض التسعير في بعض الصالات يعلو الأسواق في تهجّم دوافعه ومسبّباته ليست وضع “الذراع” في خانة اليك بل تعمّد التشويه والإساءة وترصّد العثرات والهفوات على نية نسف الحضور ومحو النتائج وتسفيه العمل، وبالتالي ترك الميدان خالياً للمتاجرين بالمستهلك وزارعي الأفخاخ في طريق تسوّقه وتبضّعه في أيام طفحت فيها المعاناة وعاثت فيها فوضى الاحتكار والتلاعب والاستغلال فساداً في الأسواق، وهذا ما يشتغل عليه حيتان تقليديون وآخرون مدسوسون لا يمنع أن يكون ملعبهم عقر دار القطاع العام يقدّمون خدمات غير نظيفة تؤدّي وظيفة “الشاهد من أهله”. وما شهدته إضبارة “المتة” سوى محطة لإثبات قدرة الدولة على ليّ ذراع من يرفض الانصياع للتسعير المعقول، ومن يهدّد بالإضراب عن الاستيراد، ستكون “السورية للتجارة” بديلاً موفّقاً له؟!.

وكي لا نغالي في تقديم تلك الأيدي الفاعلة دعونا نحتكم إلى فرضية ثبوت العكس وتصوّر غياب تلك المؤسسات.. ليتخيّل كلنا كيف سنكون كمستهلكين؟ ولن يخرج العاقل من هذه القراءة إلا بموقف مجتمعي موحّد يتنادى بالإنقاذ وإحلال وجه الدولة الموثوق مكان ما يصطلح المواطن على تسميته عرفاً “السوق السوداء” حتى لو كانت تحت أعين الحكومة وسقف الأنظمة والقوانين؟

إذاً للقضية بُعد آخر لا يتوقّف عند جزئيات الفوارق السعرية الهامشية البسيطة جداً أحياناً والمهمة أحياناً أخرى، بل في إيجابية الحضور المجرد وكسر حالة الاحتكار ولجم المرابين في الأيام العادية، أما تلك القوة المستخدمة في فصول الطلب الزائد ومواسم التدافع للشراء الملحّ والإقبال الجمعي لتلبية احتياجات المواطنين فلها وقع يلمسه اللاهثون إلى الرخص والباحثون عن الجودة والمقتنعون بأن عباءة الدولة أرحم وأحن ممّن يتأففون ويتوترون ويرجمون ويستزلمون برجم الشجرة المثمرة؟!.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]