أوراقنا الرابحة تحترق أمام أعيننا …كسبنا في الرهان وخسرنا في الميزان…

 

 

لا يزال تصدير المنتج الزراعي يواجه صعوبات عديدة تحول دون تحقيق زيادة في المؤشرات التصديرية  بفعل عدم اكتمال الحلقات الضرورية لتوسيع انسيابية حركة الصادرات الزراعية للمحاصيل الفائضة ما يحتّم الإسراع بوضع الرؤى الكفيلة بفتح آفاق واسعة وناجعة لتصدير فوائض المحاصيل، وإيجاد الحلول التي من شأنها تسهيل عملية التصدير بأقل التكاليف، وانتهاج آلية عمل جديدة أكثر فاعلية، تلائم المرحلة لدفع عجلة تصدير المنتجات الزراعية بما ينعكس إيجاباً على المزارعين والمصدرين الذين يطالبون باستمرار بضرورة تخفيف التكاليف والرسوم المترتبة على تصدير المنتج الزراعي إلى الخارج، وإعفاء المصدرين من رسم القيمة الإجمالية للبضاعة المصدرة، والعمل على ربط استيراد المواد الغذائية بتصدير الفوائض الزراعية.

البحث عن سوق استهلاكية

في ظلّ تعذّر الحصول على رقم تصديري معلن وموثّق ومعتمد، وهذا يعود إلى أسباب عديدة، منها ما ذكرناه آنفاً حول تواضع الحصيلة التصديرية التي تتجلى حقيقتها عند المزارعين أنفسهم الذين يتتبعون بدأب حركة تداول محاصيلهم ومردودها التسويقي، وقد تسنى لنا تكوين تصور عن واقع تصدير فائض محصول الحمضيات عبر متابعة مباشرة مع فرع هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات في المنطقة الساحلية الذي أفادنا بمؤشرات إجمالية محققة في مجال تصدير الحمضيات إلى الأسواق العراقية خلال الموسم الماضي بموجب عقود مبرمة تمّ شحن كمياتها براً. وبحسب ما أوضحه  مدير فرع الهيئة في المنطقة الساحلية علي عباس فإن إجمالي الكميات المصدّرة من محصول الحمضيات إلى الأسواق العراقية قاربت 60 ألف طن تثبّت من تنفيذها فرع هيئة دعم الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات، واعتبر عباس هذه الكمية المصدّرة مؤشراً دقيقاً على أهمية السوق العراقية لتصريف فائض الحمضيات نتيجة عوامل عدة، أهمها أن السوق العراقية تعدّ سوقاً استهلاكية بامتياز للحمضيات وكونها سوقاً مجاورة قريبة لا تتطلب تكاليف مرتفعة في الشحن، كما أن مواصفات الحمضيات السورية لها قبول كبير وواضح في الأسواق العراقية.

آليات لتطوير عجلة التصدير

ولفت عباس إلى ضرورة اتخاذ عدة آليات وإجراءات لتطوير عجلة تصدير الحمضيات، منها إحداث مراكز للخدمات الزراعية بسعر التكلفة، وإقامة تعاونيات تشاركية بين المزارعين والمنتجين من أجل تأمين المواد الأولية اللازمة لاستجرار محصول الحمضيات وتخزينه وتوضيبه وإدارة تدفقاته، وهذا يؤدي بالضرورة إلى إلغاء الحلقات الوسيطة التي تستأثر بمردود المزارعين المنتجين، كما تساعد على التخفيف كثيراً من التكاليف الإنتاجية، وركّز مدير فرع الهيئة على الضرورة القصوى لإحداث وحدة تتبع للصادرات في منشآت الإنتاج الزراعي والحقول ومراكز التجميع والفرز والتوضيب بما يعزز الثقة بجودة المنتجات الزراعية السورية. ولفت عباس إلى تكثيف الاهتمام بالمواصفة التصديرية،  وضرورة تضافر جهود الوزارات والمؤسسات في تعزيز المعايير والمواصفات التصدرية في الأسواق الخارجية، مبيّناً أن هيئة دعم الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات يناط بها الترويج للمنتجات المحلية، وإبراز نقاط القوة فيها، والتنسيق مع المؤسسات المعنية من خلال برامج ترويجية، والمساهمة في دعم المنتج المحلي، وأشار إلى التركيز كثيراً على الإرشاد التسويقي في المؤسسات الإنتاجية والتسويقية لأن التسويق حلقة محورية أساسية تتجلى فيها مؤشرات الجدوى الاقتصادية للمنتج المحلي.

إجراء مسح تقييمي للإنتاج

ويرى عباس أن التصدير حلقة أساسية وضرورية لتصريف فائض الإنتاج بكميات كبيرة إلى الأسواق الخارجية، ويخفف كثيراً عن المزارعين الذين يبيعون محصولهم في سوق الهال بسعر الكلفة دون تحقيق أية ريعية اقتصادية، وأكد عباس أن دعم الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يشكّل حالياً الأولوية لخطة عمل هيئة دعم الإنتاج المحلي وتنمية الصادرات  في المنطقة الساحلية بوصفها منطقة زراعية، مبيّناً أن هناك إجراءات وخطوات تستوجب الاستكمال كمرحلة أولى ليتم دعم الإنتاج الزراعي، وأهمها تقييم الوضع الراهن للمشروعات الإنتاجية الزراعية بمدخلاتها ومخرجاتها بشكل دقيق، لأن هناك منشآت موضوعة بالاستثمار، وغير مرخّصة أصولاً، ومنشآت لا تحقق الشروط التأمينية، وحتى المعايير التشغيلية الدقيقة، ومن هنا فنحن في الهيئة نتجه للتعاون مع وزارة الزراعة، كون لديها وحدات إرشادية، ودوائر ومراكز في مختلف المناطق والقرى، ونسعى للحصول على الإحصائيات والبيانات الواقعية الفعلية الدقيقة لنشكّل من خلالها قاعدة بيانات تكون انطلاقة علمية صحيحة ودقيقة في دعم المشروعات الزراعية الإنتاجية المتوسطة والصغيرة، النباتية والحيوانية المسجّلة أصولاً، لأن هناك مشروعات تعمل دون هذه الإجراءات، وبيّن عباس أن التوجّه العام المستقبلي هو نقل هذه المنشآت إلى العمل المقونن، وبدعم المظلة التأمينية نفسه للعاملين في هذه المشروعات، وأن تكون من أولويات الدعم للمشروعات تحسين معايير مواصفات الجودة والنوعية، وبما يعزز المواصفة التصديرية، بالتوازي مع الإسهام الحقيقي في دعم احتياجات السوق المحلية.

المواصفة التصديرية

أمام كل هذه التحديات التي فرضتها وكشفت عنها وقائع حركة تصدير كميات متواضعة من الفوائض، فقد تشكّلت القناعة المثبتة بالتجربة بأن المواصفات التصديرية هي كلمة السر التي تفتح الطريق واسعاً للمنتجات الزراعية باتجاه الأسواق الخارجية التي لا تتردد في فلترة المحاصيل، وفرزها نوعياً، ومن هنا فقد كان ضرورياً الإسراع بالإجراءات الإنتاجية والفنية لدعم المواصفات التصديرية للمحاصيل الزراعية كالحمضيات، إضافة إلى المحاصيل ذات الفوائض الإنتاجية بهدف زيادة الريعية الاقتصادية للمزارع المنتج، وللمصدّر، وذلك من خلال حزمة أعمال متكاملة داعمة للعملية التصديرية بتسهيلات أكبر للمزارعين المنتجين لدعم مردودهم، وفي هذا الاطار أوضح مدير زراعة المحافظة، المهندس منذر خير بك بأن دعم الخطة التصديرية للإنتاج الزراعي من الأولويات الجاري العمل عليها وفق خطة تشاركية مدروسة، بدءاً من إصدار دليل للمصدّرين يتضمن المواصفات القياسية للحمضيات السورية، والتوسع المستمر باعتماد برنامج خدمة للبساتين والحقول وفق نظام الإدارة المتكاملة لها، والعمل على تطبيقه من قبل المزارعين لخفض تكاليف الإنتاج، والوصول إلى منتج زراعي نظيف من خلال حملة مكافحة شاملة لذبابة الفاكهة ذات التأثير السلبي على الجودة التصديرية.

منتج زراعي نظيف

ولفت خير بك إلى أن المديرية تدعم الفلاح لإنتاج محصول جيد وخال من الأثر المتبقي للمبيدات، وإعطاء المنتج المصدر شهادة صحية، وشهادة منشأ، ويتم توفير الأعداء الحيوية للآفات المنتشرة على الحمضيات، والزيتون، والتفاح، والزراعات المحمية في إطار برامج المكافحة الحيوية والمتكاملة للآفات الزراعية التي تكفل الوصول إلى منتج زراعي نظيف خال من الأثر المتبقي للمبيدات، وهذا له أهمية كبيرة في المواصفة التصديرية للمنتج الزراعي.

هيكلية بلا جدوى تسويقية

ومما ثبت بالواقع المجرّد والدليل الملموس أن المسعى الذي جرى تداوله لتفعيل دور سوق الهال، وإسهامها في التسويق الخارجي لمحاصيل الفوائض، لم يتحقق، حيث لم تحرّك إعادة الهيكلية الإدارية لسوق “الجملة” في اللاذقية عجلة تسويق المحاصيل الزراعية حسب المسار الجديد المبتغى من هذه الهيكلية، رغم مرور نحو عامين  تقريباً على تشكيل اللجنة الإدارية التي أنيط بها متابعة واقع تسويق المحاصيل عبر سوق الجملة في مدينة اللاذقية، ولم تحمل هذه الهيكلية مؤشرات جديدة على مستوى الجدوى الاقتصادية والإنتاجية التي يبحث عنها المزارع الذي تحرمه الحلقات الوسيطة، وما أكثرها، من هامش ربح معقول يغطي جهده وكلفة إنتاجه، وهنا تكمن أولويات جد أساسية لتوسيع مساهمة أسواق الهال في التسويق الزراعي، ومن أهم هذه الأولويات إيجاد صيغة عمل مشتركة مع اتحاد المصدرين السوريين من خلال عضوية لجنة سوق الهال في اتحاد المصدرين، وإعادة دراسة الإجراءات التي تحتاج التصويب لتحريك عجلة تصريف المنتجات تسويقاً وتصديراً، لاسيما أن لجنة الإشراف على سوق الهال تمثّل مختلف القطاعات والجهات المعنية بتسيير النشاط التسويقي، وبتسيير وإدارة حركة السوق من خلال وضع قواعد وأسس لمزاولة المهنة، بما لا يتعارض مع أحكام الأنظمة والقوانين النافذة، وتنظيم العلاقة بين مزاولي المهنة من جهة، وباقي الجهات الأخرى من أشخاص طبيعيين واعتباريين في القطاعين العام والخاص، والتنسيق مع اتحاد المصدرين، والعمل معه بما يخص بيان أسس وصلاحيات اللجنة من خلال هذه العضوية، ووضع ضوابط وتسهيلات لتصدير الخضار والفواكه،  وتفعيل آلية عمل سوق الهال بما يحقق الجدوى الاقتصادية لتسويق فائض المحاصيل الزراعية.

تعويل فلاحي على التصدير

ويعوّل فلاحو المحافظة كثيراً على أولوية تأمين أسواق خارجية لتصريف الفائض من محاصيلهم، ويعتبر رئيس اتحاد فلاحي المحافظة هيثم أحمد أن التوجّه نحو التصدير بات يشكّل الحل الأسرع والأقرب والأجدى في ظل عدم توفر البدائل التصنيعية المطروحة منذ سنوات لتصريف فائض الإنتاج الزراعي، وأيضاً جراء عدم وضع ضوابط لآلية عمل سوق الهال، ولأن بعض المحاصيل حققت زيادة مضاعفة في المؤشرات الإنتاجية، وهذه الزيادة المضاعفة تفيض كثيراً عن احتياجات السوق المحلية، كمحصول الحمضيات، ولذلك فإن التصدير كفيل بتصريف فائض الإنتاج، مبيّناً أن الفلاحين ينتظرون مساهمة المؤسسات والهيئات المعنية بالتصدير بهذا الخصوص من خلال تصدير كميات كبيرة، بما يخفف كثيراً عن الإخوة الفلاحين الذين يبيعون محصولهم في سوق الهال بسعر الكلفة في أحسن الأحوال دون تحقيق أية ريعية اقتصادية.

 

مروان حويجة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]