صدمة بعد تفاؤل…الموسم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس يتقهقر..؟!!

 

أجمع العاملون في الشأن الزراعي طيلة الأشهر الماضية، بل منذ البدء بتنفيذ الخطة الزراعية، على أن إنتاجنا من القمح سيكون مميزاً لجهة حجم الإنتاج، ومردودية وحدة المساحة، فضلاً عن المساحات الزراعية التي عادت للاستخدام، بل ذهبت وزارة الزراعة إلى أبعد من ذلك، حيث قدرت أن الإنتاج في نهاية العام المنصرم، مع البدء بتنفيذ وإقرار الخطة الزراعية سيصل إلى خمسة ملايين طن من القمح، وفي مطلع شهر آذار الماضي، عدلت الوزارة من تصريحها لجهة الإنتاج المتوقع إلى 3 ملايين طن، إلا أن الوقائع اليومية لعمليات التسويق تشي بعكس ذلك، بل أثبتت أن كل هذه التصورات والتوقعات لم تكن مبنية على أسس علمية وواقعية، وإنما بعيدة المنال، فحتى مساء السبت، الخامس عشر من هذا الشهر، ووفقاً لحديث مدير عام المؤسسة العامة للحبوب، لم يتعد الإنتاج المسوق حدود الـ 246 ألف طن، في الوقت الذي نشهد مراحل الأيام الأخيرة من عمليات التسويق، إلا أن المزارعين وحدهم من كان يشكك بصحة ما كان المعنيون يرددونه لجهة زيادة الغلة الإنتاجية من القمح لاعتبارات أنهم أكثر التصاقاً بالأرض.

تراجع إنتاجنا من القمح بهذا الشكل الملفت للنظر والمخيّب للآمال له أسبابه التي تجاهلها المعنيون، يأتي في مقدمتها غياب الأسمدة التي لم يتم تأمينها إلا بعد فوات الأوان، ولم تجد نفعاً وفقاً لشهادات المزارعين في حينها، وكما طرح في اجتماع اللجنة الزراعية في محافظة حماة آنذاك، فضلاً عن غياب المحروقات التي كان يستأثر بها التجار والسماسرة، في حين خصص الدونم الواحد ما بين سبعة وعشرة ليترات هنا في محافظة حماة مثلاً.

في مقدمة الأسباب

ولعل النقطة الثالثة التي قد تكون من أبرز أسباب هذا التراجع الإنتاجي من القمح هي الأصناف والسلالات المستخدمة من القمح، فهي غير مقاومة، ولا تعطي مردودية عالية، وفقاً لشهادة رئيس رابطة الغاب الفلاحية حافظ سالم، وعدد من المزارعين هناك، في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الزراعة على أن عام 2016 كان عام البحوث الزراعية لما تم فيه من استنباط أصناف من بذار الفليفلة والكوسا والفول.

الأيام الأخيرة

الآن ونحن نشهد الأيام الأخيرة من عمليات تسويق القمح الذي خصصته الحكومة بـ 70 مليار ليرة سورية، لم يصرف منها حتى الآن النصف، وفقاً لشهادة المصرف الزراعي، منها عشرة مليارات تقريباً لمحافظة حماة لوحدها، حيث قدم سهل الغاب وحده في مجال هيئة تطوير الغاب 65 ألف طن، في حين قدمت مديرية زراعة حماة 3000 طن فقط لا غير، مع الإشارة هنا إلى أن هذه الأخيرة كانت تستأثر بثلثي حاجة الخطة الزراعية من المحروقات، ولو فُتح تحقيق واسع لمعرفة أين ذهبت هذه المخصصات، ما يعني أن في الأمر محسوبيات حتى في هذه القضية، وهذا الأمر مؤسف كما يقول عضو مجلس المحافظة بهجت حمدان عن منطقة الغاب!.

ولكن في الاتجاه الثاني هناك مساحات تعذر استلام إنتاجها من القمح لوقوعها في مناطق ساخنة كريف الحسكة، لكن هذا الاحتمال تنفيه الوقائع بدليل أنه تم استلام عشرات الآلاف من أطنان القمح من مدينة قلعة المضيق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، وفقاً لتصريح عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة المهندس رفيق عاقل، ليأتي حديث السيد وزير الزراعة قبل أيام لإحدى الصحف المركزية نشر على حلقتين يقول فيه بأن الإنتاج النباتي قد تحسن كثيراً من خلال زيادة المساحات المزروعة، وبخاصة القمح منها، والشعير، وللبحث عن الإجابة عن كل التساؤلات المطروحة حول لماذا لم نحقق الأرقام المتوقعة تسويقياً من القمح؟ ولماذا هذا التراجع عن العام الماضي بكثير؟.. سنتوقف مع عدد من المعنيين، منهم من قال لا مانع لديه من ذكر اسمه، ومنهم من طلب عدم ذلك؟!.

أحاديث ليس إلا

لنتابع ماجرى تداوله بأنه تمت زيادة المساحات المروية خلال عامي 2016-2017 بمقدار 68 ألف هكتار، و700 دونم، وتم التأكيد والتركيز على محصولي القمح والشعير، ويسهب الوزير بالحديث و بأنه تمت زراعة 68365 هكتاراً في محافظات حلب وحمص ودرعا وريف دمشق وحماة واللاذقية ويجب إيضاح مازرعت به هذه المساحات.

ووفقاً لذلك وبالمنطق عندما تزيد المساحات المزروعة بالقمح أو أي محصول آخر فمن الطبيعي أن تزيد الغلة الإنتاجية كنتيجة حتمية لا أن تنقص وتتراجع؟

في الوقت الذي بلغت فيه المساحات المزروعة بالقمح لعام 2016 – 2017 مليوناً و169 ألف هكتار، وتطول سبحة الأرقام لكننا لانريد أن نغرق القارىء فيها، لكن أردناه كدليل على أن ما يقال عن زيادة الإنتاج هو إنتاج صوري للأسف، وكنا نتمنى أن نكحل أعيننا بوافر من بيادر القمح الذي نعشق..

قلق مبرر

ولم يخف مدير عام هيئة تطوير الغاب المهندس غازي العزي قلقه وحزنه الشديدين عندما قال: إذا ما أردنا لقطاعنا الزراعي الازدهار والاستقرار وبخاصة الاستراتيجي منه، لابد من توفير وتأمين المستلزمات في وقت مبكر قبل الشروع في تنفيذ الخطة الزراعية سنوياً لتشجيع المزارعين وتأمين السيولة اللازمة للفلاحين أو منحهم المستلزمات لدينا.

لكن ما سمعناه من مدير التخطيط والإحصاء في زراعة الغاب سمير ملحم لجهة أن تكلفة إنتاج كيلو واحد من القمح يحتاج 123 ليرة سورية نفاه مدير المصرف الزراعي قائلاً: بأن اللجان الزراعية في المحافظات كانت قد خاطبت اللجنة الاقتصادية العليا بموجب كتب رسمية بأن سعر المقترح لطن القمح هو من 125 -130 ليرة في حين أعطت الحكومة سعراً مقداره 140 ليرة للكيلو الواحد.

وتساءل مدير هذا المصرف، كم من المزارعين في حماة تقاضوا هذا السعر نظراً لما رافق أقماح حماة من شوائب من حبات الشعير؟

وحمل مدير المصرف الزراعي بمحافظة حماة المسؤولية لطرفي المعادلة، مؤسسة إكثار البذار وللمزارعين معاً، لافتاً إلى  اقتراح سينظر به قريباً لجهة أقماح محافظة حماة، حيث سيتم دفع تعويضات كفروق أسعار إما من حساب المؤسسة العامة لإكثار البذار، وإما من صندوق دعم القطاع الزراعي.

منوهاً بأن المزارع أصبح اتكالياً في كثير من الأحيان فكثيراً ما كنا نقوم بتنقية البذار المراد زراعتها يدوياً في المنزل عندما كنا نشعر بأنها خليط من الشعير أو أي بذور أخرى.

بشكل لافت

لابد من الإشارة إلى أن إنتاج القمح خلال السنتين أو الثلاث الماضية تراجع إنتاجنا من القمح بشكل ملفت، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك فالأرقام تتحدث عن ذلك، فالعام الماضي تم تسويق 438 ألف طن لمؤسسة الحبوب، في حين لم تتعد الكميات المسوقة حتى منتصف هذا الشهر عن 246 ألف طن، ونحن نشهد فصول الأيام الأخيرة من عمليات التسويق مع الإشارة إلى أنه تم استلام كميات كبيرة من قلعة المضيق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، وهذا يدحض مقولة بأن هناك مساحات كبيرة لم يتم استلام أقماحها باستثناء المحافظات الشرقية كريف الرقة والحسكة، إذن لماذا تتغنى وزارة الزراعة بزيادة المساحات المزروعة بالقمح لهذا العام خلافاً للعام المنصرم.

أين بحوثنا العلمية الزراعية التي يقال بأنها تعمل منذ سنوات على استنباط أصناف بذرية محسنة من القمح الذي يشكل العمود الفقري في سلة الأمن الغذائي؟

محمد فرحة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]