أولويات المواجهة..بقلم: ناظم عيد

 

 

قد لا يكون من الحكمة انتظار انجلاء الأفق تماماً، وترقب موعد آخر رصاصة تطلق في دوامة الحرب علينا، لمباشرة التطبيق الفعلي للنيات الحكومية المتزاحمة تحت العنوان العريض “إعادة الإعمار”، الذي بدا تكراره غير حميد، إن لم يقترن بأفعال حقيقية، أو إن اقتصرت حدود فهمه على نطاق المفهوم الضيق للإعمار والمقتصر على “البعد الفيزيائي” لهكذا مشروع.

فثمة استحقاقات ملحّة لا تنتظر، وهي مقوّمات أساسية للصمود، الذي بات علامة فارقة لنا نحن السوريين في زمن الانهيارات التي تمنى بها المجتمعات والدول تحت ضربات الإرهاب المدعوم من تكتلات عالمية وإقليمية كبرى.

ولعله من الأخطاء الجسام أن يقف العقل التنفيذي عند حدود تأمين رغيف الخبز ورواتب الموظفين، للتوهم بأن الذمم قد أُبرأت والعتب بات مرفوعاً، أمام أية مساءلة رسمية أو عفوية على شكل بوح يخرج من وطأة المعاناة مع يوميات صعبة، ثبت أنها بفعل “لاعبين فاعلين ليسوا أقل خطراً من حملة السلاح في وجه سيادة الوطن وأمنه”.

ففي أسواقنا تجليات فاضحة لضروب قلّة انتماء بغيضة، وخصال كئيبة قاتمة تستحكم بهواة تصيد الفرص و”الرقص على الجماجم” اكتفينا بسرد التوصيفات والنعوت لهم، وكاد حتى بعض الرسميين أن يكتفي بوعظهم وتحذيرهم من عواقب أخلاقية، وربما دينية، في مقام يفترض أن يكون القانون فيها صاحب السيادة، دون التعويل على ضمائر قد تكون من الأشياء الواجب توثيقها في سجلات خسائر الإرهاب والحرب على سورية، فهل بات الرجل التنفيذي واعظاً أم صاحب مهام محددة لا تقبل التخمين ولا الدعاء؟!.

لحديثنا في هكذا سياق مسوغان اثنان، أولهما التغيير الذي جرى في رأس هرم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والتعويل على كفاءة رجل يبدو أمام مهمة خاصة جداً في المواجهة مع سوق و”حيتان” بشراهة لا محدودة.. والثاني وصول حمّى أسعار السلع إلى مستويات غير مسبوقة جعلت من أبسط السلع عامل تحدٍ قاسٍ أمام طيف واسع جداً من المواطنين، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عدوى “استثمار حاجة الآخر” تعدّت التاجر في مختلف الحلقات، واجتاحت حتى المنتجين الزراعيين، الذين طالما تعرضوا للاستغلال والغبن، لكن يبدو أن غياب الرقيب أفسد طقوس بساطة البسطاء، وغدا من غير الممكن بقاء السلطة التنفيذية على مقاعد المتفرجين والمتابعين لمجريات الارتكاب المعلن على الملأ!.

فمن المؤكد أنه لم يعد علينا الاسترسال في شتيمة الدولار والتعليق على شماعة المؤامرة الخارجية، بل علينا التمحيص قليلاً في تفاصيل ما يشبه المؤامرة هنا بيننا في الداخل، لأن تحركات أسعار السلع ارتفاعاً منذ أشهر ليست مرتبطة بتاتاً بسعر صرف الدولار، بدليل أن الأخير مستقرّ نسبياً والأسعار جامحة؟!.

الآن نحن أمام قانون جديد لحماية المستهلك، ووزير جديد للوزارة، وهما معطيان يتيحان حالة الترقب التي لاشك تعتري كل مراقب ممن مازال لديهم أمل بدورٍ فاعل للأجهزة الرقابية التي انكفأت أمام مشهد الأوراق المختلطة.

وإن كان من ذرائع قانونية تبيح لهذه الأجهزة الانكفاء، فإن التشريع الجديد من شأنه سدّ هذه الذرائع، وإن كان من تلميحات على خلل ما في إدارة القطاع فالمفترض أننا أمام إدارة جديدة فاعلة، ليبقى علينا الانتظار.. انتظار المتفائلين وليس وجوم القانطين.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]