هروب الطلبة من دوامهم المدرسي ظاهرة تهدد مستقبل التنمية البشرية في سورية… ؟!.. والعبرة في ضعف الرغبة بالتعلم وليس غياب “حارس البوابة”..

 

 

دمشق – الخبير السوري:

أصبحت رؤية بعض تلاميذ المرحلة الابتدائية، أو طلبة المرحلة الإعدادية، بل حتى الثانوية، سواء من الإناث أو من الذكور، منظراً مألوفاً واعتيادياً في الحديقة المجاورة للمدرسة، أو الساحة، أو في أزقة الحارات، بعضهم يؤركل، وبعضهم يدخّن، أو يلعب الشدة، وبعضهم يلعب الكرة، أو يقتني أحدث أنواع الموبايلات، ويمارسون لعبة القتل الافتراضي بين الأشجار،  وبعضهم في مقاهي الانترنيت، وقد يكون هذا مألوفاً  إلى حد ما، ولكن الأخطر اليوم بظل غياب الأب أو الأم عن الأسرة، أو حالات النزوح  القسرية،  وهروب البنات، وهن بعمر الورود مع شباب يكبرونهن بسنوات، ومرافقتهم إلى منازلهم، أو مناطق مهجورة، وما زاد الطين بلة  تجاهل الأهل لنداءات المدارس المتكررة حول غياب أولادهم، أو هروبهم من المدرسة، أو ضعف تحصيلهم، واتكال الأب على الأم أو العكس.

أوهام

للهروب أنواع وفق الدكتورة سميرة القاضي” كلية التربية – جامعة دمشق” منها قبل الدوام المدرسي للمدرسة،  حيث يوهم الطالب أسرته أنه ذاهب إلى الدوام المدرسي المعتاد، وبخروجه من البيت، إما أن يتجه باتجاه آخر لمدرسته، أو أنه عندما يصل حتى مدخل المدرسة، فلا يدخل، ويبقى خارجاً، ويذهب إلى أي مكان ما، كـالحدائق ونوادي الانترنت والرياضة والشوارع العامة، والأسواق أحد بيوت ذوي أصدقائه حتى انتهاء فترة الدوام المدرسي، فيعود للبيت مع توقيت انصراف مدرسته، أو هروب ضمن وقت الدوام المدرسي للمدرسة، حسب تعبير القاضي، ويقسم لنوعين: هروب كلي من المدرسة،  كأن يخرج أثناء الدوام المدرسي من المدرسة، فيحضر حصة، أو حصتين، أو أكثر، ثم يقرر الهرب من خلال سور المدرسة بعد تسلّقه، أو من الباب الرئيسي للمدرسة بمغافلة الحارس، وقد يتعذر بإصابته بمرض مفاجئ، وغالباً ما يكون هذا التعذر غير مقنع بالنسبة للإدارة،‏ أو هروب من حصة فقط،  وبهذه الحالة لا يخرج من المدرسة، بل يخرج خلال إحدى الحصص الدرسية، ويذهب إما في ملعب المدرسة مع الطلاب الذين لديهم تربية رياضية، أو أن يتجوّل بممرات المدرسة، وبين مداخلها، أو يختبئ بدورات المياه بهدف ألّا يلحظه أحد، ويبقى هكذا حتى نهاية الحصة المذكورة، وبعدها يعود لصفه ليحضر ما تبقى من الحصص الأخرى.‏

أسباب اجتماعية

فيما أرجع الدكتور آصف يوسف “كلية التربية – جامعة دمشق” أسباب الهروب لسن المراهقة، فعادة تكون أعمار الطلاب التي تتكرر عندهم حالات الهرب ما بين 12 وحتى 17 سنة تقريباً، أي في بداية مرحلة المراهقة، وفي المرحلة الإعدادية والثانوية خاصةً، وتقل بشكل ملاحظ في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، وتعود الأسباب الاجتماعية لظاهرة الهروب وفق اليوسف، منها أسباب أسرية، وهي عدم تشجيع الأسرة للطالب، وعدم متابعته في البيت والمدرسة، وتركه يهمل واجباته، وعدم سؤاله عن دروسه، ونتائج اختباراته، وبالتالي فإنه لا يشعر بهذا الاهتمام من قبل أسرته، فيبدأ تدريجياً بالغياب، وخلق الأعذار لعدم الذهاب للمدرسة بحجة أنه مريض، أو أي عذر آخر، ولو شعر الطالب بأن أسرته تشجعه على عدم الحضور، وتتعاطف معه كونه مريضاً دون التأكد من هذه الحقيقة، فيعتبر هذا هروباً من المدرسة، لكن بأسلوب أدبي يدفعه للكذب وطرق الحيلة، وهذا ما سيتبعه مستقبلاً بهروبه من المدرسة أو البيت، كذلك بسبب عدم متابعة أسرته له وإهماله، وعدم مراقبته، وسؤاله دائماً‏، وهناك أسباب مدرسية، أي أن السبب يعود إلى إدارة المدرسة ومعلميها وفق اليوسف، حيث لا توجد علاقة وارتباط وثيق بين الطالب والمدرسة، أو بين الطالب والمعلم، فتنعدم الثقة المتبادلة بينهم، ولا يوجد أسلوب تحاور بينهم، ولا تفاهم، ما يخلق جو التوتر والعناد الدائم للطالب، وخصوصاً في فترة المراهقة التي تحتاج إلى تعامل خاص، فيعمد الطالب على كسر قوانين المدرسة ومنها الهرب، سواء من المدرسة، أو من حصة معينة لمعلم، خاصة أن بعض الطلاب قد لا يحبذ هذه الحصة، إما لعدم فهمه لهذه المادة، أو بسبب كرهه لمعلم هذه المادة بسبب موقف معين سابق قد حصل بينهما، أو لعدم فهمه لطريقة شرح المادة، أو قد يكون أسلوب المعلم منفراً بالنسبة للطالب،‏ يضاف الى ما تقدّم حسب اليوسف، هناك أسباب أخرى محيطة بالطالب  كأصدقاء السوء، أو رفاقه في المرحلة، أو من هم خارج المدرسة، فيشجعونه على الهرب، فيهرب معهم من المدرسة، أو يهرب إليهم إلى خارج المدرسة، ويعتبر أصحاب الطالب ممن هم خارج المدرسة عاملاً خطراً جداً في حياة الطالب، خاصة إن كان الطالب في فترة المراهقة، فينجرف معهم، وقد يؤدي ذلك إلى الجنوح، والانحراف، والدخول إلى عالم الجريمة كالسرقة، والنصب، والاحتيال، والمخدرات، والانحراف الجنسي، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة، والتسول، وحمل السلاح، وفي حالات أخرى تؤدي للقتل المتعمد، أو غير المتعمد، ومن المعروف علمياً واجتماعياً أن ولاء المراهق لأصدقائه وزملائه في فترة المراهقة أكثر من ولائه لأسرته ومدرسته؟!‏.

عقد نفسية

ويتفق الدكتور مأمون أفليس، كلية التربية، جامعة دمشق، مع اليوسف والقاضي فيما ذهبا إليه، غير أنه أرجع استفحال ظاهرة الهروب من المدرسة إلى عقد نفسية معينة تتشكّل نتيجة عوامل كالخوف من المدرسة، أو المعلم، أو حتى من الطلاب، خصوصاً إذا كانوا يتعاملون معه بقسوة، سواء بالضرب، أو الاستهزاء، وغيرهما من السلوكيات الأخرى، فيفضل الهرب عن الحضور، ‏أو أن شعوره بأنه أقل من زملائه في التحصيل العلمي قد يخلق لديه نوعاً من الإحباط، وتنعدم ثقته بنفسه، ‏أو أن وصوله إلى سن أكبر من زملائه في المرحلة بسبب رسوبه مثلاً، يشعره باحتقار نفسه، فلا يتكيف معهم لصغر سنهم، أو انطوائه على نفسه، حيث لا يميل إلى الاختلاط، ويفضل الانعزالية، ما يولّد لديه ردة فعل بالهرب!.

وقاية

وللحد من هذه الظاهرة، حسب أفليس، يجب أن تتعاون الأسرة، والمدرسة، والمعلم، حيث تتابع الأسرة ابنها في جميع المراحل الدراسية، بحيث تكون متابعة دقيقة منذ بداية دراسته، وتقل تدريجياً حتى الوصول إلى مرحلة التعليم ما بعد الثانوي، والتشجيع المستمر، والحث الدائم على نيل الشهادات، وتلقي المكافآت، وتعزيز المكانة الاجتماعية بين الأسرة، والأصدقاء، والمجتمع، وغيرها من الأمور التي قد تساعده وتشجعه على التحصيل العلمي،‏ وأن تسلك إدارة المدرسة ومعلموها الطرق التربوية السليمة، وأساليب التعامل مع الطالب في هذه الفترة بالذات، واتخاذ الأسلوب التربوي الهادف إلى تقوية العلاقة بينها وبين الطالب وأسرته، بحيث يصبح الطالب بمثابة الابن والأخ في المدرسة، كما هو في البيت، مع مراعاة أن لكل مرحلة وسن طريقة تعامل خاصة، وأسلوب تواصل محدداً لا يمكن الخلط بينها،‏ والأهم معرفة من يصادق ويصاحب هذا الطالب، والمتابعة من قبل الأسرة والمدرسة، وإبعاده عن أصدقاء السوء، ففي كل الحالات يمضي الطالب وقته مقسوماً بين مدرسته وأسرته، فيمكننا بذلك السيطرة على وقته، ومراقبته، وتوجيهه للصواب،‏ والتعرف على مشاكل الطالب الاجتماعية، والنفسية، والسعي لحلها بمساعدة المرشد التربوي الذي يملك وسائل تربوية تقرّبه من الطالب، وتؤمن له حرية التعبير والكلام، كما أن أي معلم في المدرسة يمكن أن يكون بمثابة الناصح للطالب‏.

جهود الجميع

ظاهرة هروب الطلاب من المدارس موجودة في جميع البلدان، ولا يمكن أن يخلو واقع تربوي من هذه الظاهرة، إلا أنها تتفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى، كما أنه من المستحيل لأي نظام تربوي أن يتخلص نهائياً منها مهما كانت فعاليته أو تطوره، وهذا يعني أن نسبة وحدّة وجودها هي التي تحدد مدى خطورتها، والمتعمّق بهذه الظاهرة في الواقع التربوي الفلسطيني يلاحظ أنها منتشرة في كافة المراحل التعليمية، وبصورة متفاوتة، وفي كافة المدارس، بغض النظر عن نوعها، وفي كافة المناطق التعليمية، وبين كافة أوساط الطلبة من ذكور وإناث، وبين أوساط كافة الطبقات الاجتماعية، والاقتصادية، إلا أن التخفيف من هذه الظاهرة المرضية يتطلب جهود الطالب، والمدرسة، والأسرة، وحتى المجتمع.

عارف العلي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]