وزارة الزراعة تجترح فكرة شعبية للخروج من “عنق زجاجة” الأزمة المعيشية…الزراعة الحضرية بوابة الاكتفاء الذاتي..

 

دمشق – الخبير السوري:

الوجه المتطور للزراعة يلقي بأوراقه أمام إعادة الأعمار في سورية، ليؤكد أن إمكانات هائلة تستحق التفكير بجدواها الاقتصادية الجيدة، وتأمينها لفرص عمل لمواطن بسيط، وإعادة الفلاح إلى نصابه بالإضافة إلى مزايا بيئية وصحية كبيرة. ولعل نواة هذا الوجه تتمركز بالزراعة الحضرية المطبقة في كثير من دول العالم التي لجأت للزراعة داخل المدن، بدءاً من زراعة الأسطح وصولا إلى الزراعة المائية.

قد يبدو اليوم هذا الأمر من وجهة نظر البعض –إن لم نقل الكثيرين- أشبه بخطوة بعيدة الأمد، إلا أن مقومات الوضع الاقتصادي والبيئي –رغم ما ينتابه من ارتكاسات هنا وعثرات هناك- تبشر بقابلية البدء بتنفيذ هذه الخطوة في الوقت الحالي، ونعتقد أن هذا الوجه الزراعي يستطيع إثبات جدواه الاقتصادية والبيئية وحجز مقعده في ركب الإعمار.

اقتصاد زراعي

لعل عبارة “ازرع أية قطعة أرض تجدها” تعتبر المدخل الرئيس للزراعة الحضرية، وفق ما طرحه الخبير الزراعي المهندس مهند الأصفر، معتبراً أنها الركيزة الأساسية لمعنى زراعة الحضرية أو الزراعة  داخل المدن، منطلقا منها إلى فكرة الاقتصاد المنزلي الذي يقوم على الزراعة بالدرجة الأولى، فبإمكان أي مواطن زراعة حديقة منزله أو سطح عمارته، وأن يحقق قيمة مضافة، وميزات عديدة كفرصة عمل  له ولأسرته، والأهم من ذلك تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي، وذهب الأصفر إلى أبعد من ذلك بدعوته إلى التفكير ببيع الفائض كمنتج بصفته الطازجة أو نصف المصنعة  للوصول إلى مصدر دخل لا بأس به.

وبين الأصفر بصفته مدير التسويق الزراعي بوزارة الزراعة أن الوزارة وضمن عملها العام توزع غراس وبذور بأسعار رمزية تصل من 100 إلى 200 ليرة سورية لمساعدة الفلاح وقاطن المدن للزراعة التقليدية، ويمكن أيضاً الاستفادة من هذه الغراس والبذور في الزراعة الحضرية، حيث يحصل المواطن كحد أدنى على 25 غرسة، وبذور متنوعة، ومن يريد الحصول على كمية أكبر يتوجب عليه تقديم إخراج قيد عقاري. وأشار الأصفر إلى مشاركته بعدة ندوات وورشات عمل في لبنان والأردن وسورية قبل الأزمة تتعلق بهذا النوع من الزراعة، مبيناً أن للوزارة دور كبير بإطلاق هذا المفهوم حيث أحدثت عدة مديريات تهتم بالمرأة الريفية ومربو الثروات الحيوانية التي بدورها تقدم القروض وتدعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لها.

 زراعة الأسطح

لم تغب فكرة زراعة الأسطح والشرفات والحدائق المنزلية عن الذهن السوري المتفتح، حيث طبقت تجارب ما يشبه الزراعة الحضرية في مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء اعتمادا على نموذجين تم تصميمهما للزراعة الحضرية على الشرفات والأسطح، إذ تم هذا التصميم بالاعتماد على أنابيب بلاستيكية بقطر 3 إنش تم ربطها مع بعضها البعض بحيث تشغل أقل مساحة ممكنة، وتتيح التكثيف الزراعي /أكبر عدد من النباتات بوحدة المساحة/، واستخدم في التجارب المحاليل المغذية للتعويض عن العناصر الموجودة في التربة، وتميزت هذه التصاميم بتوفير 70 إلى 80 % من الماء المستهلك بالزراعة التقليدية وإمكانية الاستثمار الأمثل للمكان المزروع، حيث يعادل كل 100م2 نحو 1-2 دونم في الزراعة التقليدية، من حيث عدد النباتات في وحدة المساحة. لقد أضحى من الممكن بنتيجة هذه التجارب الناجحة زراعة الخضار كالخس والبندورة أو بعض أنواع الفاكهة كالليمون والعنب والخوخ أو نباتات الزينة وزهور القطف والنباتات الطبية والعطرية.

وتوضح هذه التجارب إمكانية التطبيق وجدواه في خفض تكاليف إنتاج الخضار من خلال الإنتاج في نفس مكان الاستهلاك والحصول على منتج نظيف بدون استخدام مبيدات أو مواد كيميائية، إضافة لمساهمته في توفير المياه خاصة أن سورية تصنف من الدول شبه الجافة، فضلا عن استغلال الأسطح وتحويلها إلى مناطق منتجة وخضراء تساعد على تنقية الهواء، وتعطي مظهرا جماليا للبناء وتطيل عمره وتتضمن تكاليف الزراعة الحضرية وفقا للتصميمين الجديدين كلفا ثابتة متعلقة بثمن الأنابيب البلاستيكية والأصص الصغيرة التي ستستخدم في الزراعة، وأخرى متغيرة تشمل تكاليف المحلول المغذي والشتول والمكافحة. وانطلاقا من تلك الفوائد يجب زيادة الاهتمام بالزراعة الحضرية وإصدار التشريعات الناظمة لها في سورية وبدء تطبيقها على المباني الحكومية والمدارس، والتعاون مع نقابة المهندسين لوضع مواصفات ومعايير العمارة الخضراء، والتعاون بين الوزارات المسؤولة لتعميم هذه التجربة.

لقد تم طرح هذه الفكرة في عدد من المبادرات الشبابية كمبادرة Green Roofs التي تناولت هذه المفاهيم، ضمن فعالية كن واثقاً والتي تقوم على أساس الاستفادة من الأسطح التي تشكل مساحة كبيرة جداً وإدخالها في المجال الزراعي خصوصاً في ظل النقص الحاد للإنتاج بسبب خروج أغلب المناطق الزراعية من الإنتاج. وهدفت  المبادرة إلى نشر ثقافة الزراعة بدون تربة على الأسطح وتطبيقها على أرض الواقع في سورية.

لفت انتباه

في سياق الحديث عن الإعمار نجد من الأهمية بمكان طرح مثل هذه الأفكار الزراعية، وبالتالي لا بد من لفت انتباه القائمين على تخطيط إعادة الإعمار إلى الوجه الزراعي الذي يبحث عن رسم له في المستقبل المعمر، وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التعاون بين وزارات عدة في هذا المجال كالبيئة والزراعة والإدارة المحلية وحتى الشركات الهندسية لتصميم مباني إعادة الاعمار لخدمة الزراعة المتطورة والتقنيات الأخرى كالطاقة الشمسية التي توفر أيضا مبالغ هائلة على المواطن وتساهم في تخفيف الطلب على النفط. ونعتقد أن ما سبق يستدعي بالضرورة تعميم الزراعة الحضرية على مستوى واسع وشامل، والبدء بإدخال مفهوم جديد إلى الأسرة السورية داخل المدن عن أهمية استثمار المناطق حول بيتك الريفي أو في المدينة وبالتالي إدخال الصبغة البيئة على المدن، ومن ثم العمل الزراعي للمواطن، فعندما طبقت هذه  الزراعة في دول أخرى كان الهدف منه  المحافظة على الرقعة الخضراء ضمن المدن بطرقة فنية وانطلقت لتشكل مشاريع مولدة للدخل.

نيرمين فرح

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]