السوريون على المحك الحقيقي..امتحان التكيّف واجب يفرضه الظرف الصعب

الخبير السوري:

اقتصاد الندرة ليس بالمصطلح الجديد على العالم.. لكنه يبدو ملحّاً اليوم لدينا في سوريا تحت ضغط خصوصية الظرف لجهة تراجع الموارد الطبيعية، إضافة إلى تراكمات الإدارة الخاطئة المزمنة لموارد البلاد.

ولا نبدو أما خيار تجاهل حتميّة التعاطي بقدر كبير من الحذاقة مع الموارد اليوم، وليكن العنوان ” اقتصاد الندرة” أو إدارة الندرة، التي تتطلب قدراً عالياً من الكفاءة على المستوى الحكومي أولاً ومن ثم قطاع الأعمال، وصولاً إلى الاقتصاد الأسري.. وهذا الأخير يمكن أن يكون موضع تركيز كبير في هذا المجال، لا سيما لجهة التحوّل من الحالة الاستهلاكية إلى الواقع الإنتاجي وتحقيق قيم مضافة حقيقية.. فإلى أي حد نمتلك ما يلزم من دراية ووعي بأهميّة هذا النمط الحساس في التعاطي مع الموارد والاستحقاقات؟.

في سياق “العصف الذهني” بحثاً عن وصفات ناجعة في سياق “اقتصاد الندرة”.. يبدأ الخبير الاقتصادي أنس الفيومي سرد وجهة نظر هامة في سياق تطبيقات التماهي مع إملاءات ” اقتصاد الندرة”، بمثال وحديث مبسط.. وقال: يخطر ببالي قصة ذلك الرجل الذي دخل على زوجته قائلاً بغضب: لديك برغل وعدس وبصل وزيت، لماذا تقصرين معي ولا تصنعين لي بيتزا.

ويكمل الفيومي: لا أبالغ إن قلت أن المدرسة الأولى في إدارة الموارد مهما كانت نادرة، هي الأم السورية الأصيلة التي نراها سواء في الضيعة أو المدينة تقدم لأسرتها ما هو متاح وممكن مهما كانت موارد رب الأسرة قليلة، وهي من نطلق عليها اسم المدبرة .

  • مطلوب مكاشفة واقعية لكل ما هو متاح أو متوافر ليكون المواطن عوناً للحكومة لا عبء عليها

المشكلة الأساسية قبل البحث في ندرة الموارد هو تحديد الأولويات، وأمام الوضع الفوضوي الذي نعانيه تصبح كل وزارة أو جهة ما تعتبر أن تلبية متطلبات أداء مهامها في قمة الأولويات قبل أي جهة أخرى غيرها، لذا يجب علينا أن نقرّ بأن الأمر ليس سهلاً أمام الحكومة ويحتاج لتضافر جهود وتعاون.

يرى الخبير الفيومي في تصريح نقلته صحيفة الحريّة ” نهى علي”، أن الخطوة الأولى تتمثّل بالمكاشفة بدلاً من الوعود. ففي بداية عمل الحكومة وخاصة السابقة انطلقت حزمة من الوعود بتبدل الأوضاع رافقها بعض الوعود الخارجية، دون أن نتلمس شيئاً من تطبيقات هذه الوعود أو خطوات تنفيذها ما شكل ضغطاً غير مباشر على عمل الحكومة الحالية، ولاسيما في الجانب الاقتصادي والمالي، ما ساهم في زيادة عدم ثقة المواطن بأداء بعض المؤسسات، رغم كل الجهود المبذولة.

فإعادة هذه الثقة وتضافر الجهود يتطلب مكاشفة واقعية لكل ما هو متاح أو متوافر ليكون المواطن عوناً للحكومة لا عبئاً عليها، هذه المكاشفة – حسب الفيومي- ضرورية تماماً كمقولة ربة البيت اليوم ما في طبخ دبروا حالكم بخبزة وبصلة.

  • تكتسب التجربة السورية خصوصية في تقديم المعالجات المستقبلية والتي لا تتشابه مع تجارب أزمات الدول الأخرى

العقبة الأصعب

يتابع الفيومي: قلت عوناً للحكومة، يحضرني هنا مقاربة قرآنية لهذا العون في قصة ذي القرنين عندما بلغ بين السدين حين اشتكوا له من المفسدين في الأرض، أجابهم أن تمكينه كان بإرادة من الله، لكن المطلوب منهم والأهم هو تقديم العون وبقوة، فهل يمكننا تقديم العون إذا زادت مساحة الثقة بعمل الحكومة، لكن كيف صنع السد، بالنار والحديد.

لذلك من وجهة نظر الخبير الفيومي.. العقبة الكبيرة في أي ترتيب مقترح للأولويات هو موضوع الطاقة وحوامل الطاقة، ولاسيما تأمينها للمزارعين والصناعيين، ومنها يمكن الانطلاق إلى موضوع الترتيب وفق ما هو متاح وخاصة تحرير السيولة وضبط المستوردات وتبسيط إجراءات الاستثمار وغيرها.

خصوصيّة تجربة

في النهاية مؤكد ما شهدناه في وطننا من أحداث لأكثر من نصف قرن، مختلف بمجرياته وخسائره عما جرى في دول عديدة لذلك تكتسب التجربة السورية خصوصية في تقديم المعالجات المستقبلية والتي لا تتشابه مع تجارب أزمات الدول الأخرى، وهذا يتطلب وعياً وطنياً وتقديم مقترحات وحلول عملية من الخبراء كل في اختصاصه وهذا أقل ما يمكن فعله بدلاً من النواح على أطلال سوريا الماضي.

[ جديد الخبير ]