الخبير السوري:
ظاهرة التسول التي تجتاح المجتمع تثير تساؤلات حول ما إذا كانت ناتجة عن حاجة حقيقية بسبب ضيق العيش أم أنها تحولت إلى “مهنة” لكسب المال بسهولة. يعتقد البعض أن التسول هو وسيلة سهلة لجني الأموال دون الحاجة إلى مهارات أو تعليم أو حتى رأس مال لبدء مشروع صغير.
انتشار هذه الظاهرة يشير إلى وجود مشكلات أخلاقية واجتماعية واقتصادية في المجتمع، مما يترك انطباعًا سلبيًا عنه. ومع تفاقم التسول في مدينة حلب، التي تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا، ازدادت التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة.
المتسولون في حلب يختارون أماكن عملهم بعناية، مستهدفين المناطق الراقية، خاصة التجارية منها في الأحياء الشرقية مثل الفرقان والموكامبو. ويقوم مديرو شبكات التسول بتنسيق نشاطات المتسولين الصغار الذين يتوزعون وفق خرائط نفوذ محددة، مما يحقق لهم مكاسب مادية كبيرة.
وفقًا لمصادر من داخل تلك الشبكات، ظهرت ظاهرة جديدة وهي تأجير الأطفال للعمل كمتسولين. يتراوح “سعر” الطفل بين 30 ألف ليرة سورية يوميًا، إضافة إلى 25 ألف ليرة للطفل نفسه، في حين يحقق صاحب الشبكة الجديدة ربحًا صافياً بين 40 و60 ألف ليرة يوميًا، مما يعني أن الطفل قد يحقق دخلًا يصل إلى 100 ألف ليرة يوميًا، أي حوالي 3 ملايين ليرة شهريًا، وهو ما يفوق بكثير راتب الموظف الحكومي.
هذا الوضع دفع سكان الأحياء المتضررة إلى تقديم شكاوى متكررة للجهات المعنية، إلا أن هذه الشكاوى لم تلق استجابة كافية. ورغم وعود وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإصدار قانون جديد لمكافحة التسول، إلا أن هذه الوعود لم تُنفذ حتى الآن.
محمد، صاحب متجر في حي الفرقان، أكد أن المتسولين يتمركزون أمام البنوك وشركات تحويل الأموال والمطاعم، بالإضافة إلى المحال التجارية المزدهرة وإشارات المرور والمساجد، خاصة بعد صلاة الجمعة وفي المناسبات الدينية.
من جانبه، أوضح الباحث الاجتماعي إبراهيم دوش أن المتسولين يعتمدون على مظهرهم البائس واستخدام أساليب الاستعطاف والإحراج للحصول على المال. كما أشار إلى أن ظاهرة توظيف ذوي الإعاقة الجسدية في التسول باتت تزداد بشكل مقلق.
يرى دوش أن أسباب ازدهار التسول تعود إلى الفقر، وغلاء المعيشة، وتوارث هذه “المهنة” في بعض العائلات. ودعا إلى ضرورة تدخل الجهات المعنية، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والجمعيات المحلية، لتوفير فرص عمل مناسبة وتقديم الدعم المادي والنفسي للعائلات المتضررة. وأكد على أهمية إيجاد مأوى للمتسولين في حلب وتأهيلهم ليصبحوا أفراداً منتجين وفعالين في المجتمع.
صاحبة الجلالة