إفساد وفساد بطريقة “حكِّلّي لَحكّلك” … كسر الأسعار يكسر بوابات الائتمان والثقة.. ويوسّع مساحات المال السائب..!!

 

 

 

خاص الخبير السوري:

في ظل غياب الناحية الرقابية الحقيقية لدى جهاتنا العامة، ومع تفشي حالة الفساد والإفساد لبعض اللجان المشكلة لتسلم المشاريع من المتعاقدين أو مراقبة تنفيذها، تبرز قضية كسر الأسعار المتبعة في المناقصات بنسب عالية كدليل إثبات قوي على وجود حالة فساد شبه معلنة تضعنا أمام إشكالية تشريعية من جهة وتطبيقية من جهة أخرى، حيث تثير مسألة كسر الأسعار في المناقصات التي تعتمد على اختيار عامل السعر الأقل المقدم من العارض فقط، تثير جدلاً واسعاً وهو ما لا نراه في النوع الآخر المتبع في العقود وهو طلب العروض وذلك بنسب متفاوتة، حيث تدخل في الأخير جوانب فنية تستدعي تقديم عرض فني وآخر مالي من العارض، ومن خلال تقسيم السعر على العلامة فتتم المفاضلة وانتقاء السعر الاقتصادي والعرض الأفضل، أما المناقصة كما هو معلوم تتم من جلسة واحدة والإرساء حتماً على السعر الأقل.

خطورة كسر السعر المبالغ فيه تتجلى أكثر في حالة المشاريع التنفيذية “الأشغال ” (كإنشاء مباني، جسور، طرق، صرف صحي …إلخ) بالنزول بالسعر يعني حتماً النزول في مستوى الجودة وهذا قد يكون له نتائج كارثية على المدى البعيد، وذلك كله على اعتبار أن المتعاقد لا يقبل بأي حال من الأحول أن يخسر ويدفع شيء من جيبه الخاص، أما في حالتي التوريد أو الخدمات على أهمية عدم تجاهل استنزافها للمال العام، فأضرارها محدودة يمكن تلافيها مع انتهاء العمر الافتراضي للمستوردات وخاصة إذا ما كانت تجهيزات وما شابه ذلك، وأيضاً بالنسبة للخدمات فهي ذات مدد قصيرة نسبياً.

 

خلل تشريعي

ثمة من يرى وجود خلل تشريعي في قانون العقود الموحد رقم 51 تجعل القائم على فض العروض في حالة المناقصة مجبراً على اختيار العرض الذي يقدم السعر الأقل على الرغم من يقينه المسبق من أنه سيكون على حساب الناحية الفنية “الجودة”، حيث رأت المهندسة سوزان بشير أن القانون لم يضع حداً أعلى لكسر الأسعار في كلتا حالتي عروض المشاريع التنفيذية “عروض الأسعار، الكشف التقديري”، حيث إنه في الحالة الأولى على الرغم من التزام المتقدم للإدارة بعرض محدّد دون زيادة أو نقصان (ممنوع الكسر أو الإضافة) وهنا تكون الإدارة قد وضعت رقماً سرياً للمشروع يقدمه مكتب هندسي مختص تابع لها ولا يعلم هذا الرقم سوى المدير المختص لديها، وعند فتح المغلفات يفوز السعر الأقل حتى لو كان هناك فرق كبير بين السعر الفائز والسعر السري، أي أقل منه ويتم اعتماده علماً أن السعر السري مدروس بدقة وفق أسعار السوق وبما يحقق الجودة من الناحية الفنية وبهامش ربح يتراوح بين 10و20% وهامش الربح هذا يتضمن الرسوم والضرائب المترتبة على العمل، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة، كيف ارتأى العارض تقديم سعر أقل من السعر السري، ما لم يكن تم تسريب السعر السري له؟ أم إنه فعلاً هناك مقاول يقبل أن يخسر مقابل أن يقدم خدمات ريعية لجهة عامة؟ إذاً لماذا هناك رقم سري بالأساس ففي الحالة الثانية أي “الكشف التقديري” أيضاً تتم دراسة واقع الأسعار الرائجة، وتبقي على هامش ربح (10-20%) وتقدمه الإدارة في مناقصة تعلن في الجرائد الرسمية وعند فض العروض يتم اختيار السعر الأقل بناءً على مسألة كسر السعر، وتشير م. بشير في هذا المنحى إلى أنه غالباً ما تتم المبالغة في كسر السعر وبفارق كبير للأسعار الواردة في الكشف، وبالتالي سيؤدي حتماً إلى تدني الناحية الفنية وسيفتح باباً جديداً لإفساد ورشوة اللجنة القائمة على الإشراف ولجنة الاستلام.

إذاً هل تحل هذه المعضلة بتحديد سقف لكسر السعر لا يمكن تجاوزه وإعطاء صلاحيات للقائم على فض العروض باستبعاد الكسر المبالغ فيه؟ أم إن هناك مبالغة في الأسعار السرية والكشوف التقديرية التي تصدر عن الإدارة كما سنرى من خلال وجهة النظر القانونية؟.

 

وجهة نظر قانونية

ويرى أساتذة القانون الإداري أن المشكلة لا تتعلق بعدم تحديد المشرع سقفاً معيناً لكسر السعر، ولا يرون لذلك مبرراً لأسباب عدة، أولاً لأنه أحياناً قد يكون هناك مبالغة في الأسعار التقديرية التي تضعها الإدارة وبالتالي حرمان الإدارة من عرض جيد، والسبب الآخر هو أن الإدارة بيدها الوسائل التي تمكنها من تنفيذ العقد بالشكل الأمثل من خلال لجنة الإشراف وهي في عقود الأشغال تواكب عملية التنفيذ بكامل مراحلها، ولجنة الاستلام الأولي التي تتحقق من أن التنفيذ قد تم وفق الشروط المحددة في العقد، ولجنة استلام نهائي بعد مرور سنة أي بعد انتهاء مدة الضمان، حيث يمكن من خلالها التحقق من سلامة التنفيذ، كما أن الذهاب إلى تحديد سقف معين لكسر الأسعار يعني بالضرورة مسبقاً افتراض خسارة الإدارة لعرض جيد من ناحية السعر، وبما أننا نفترض جدلاً أن المتعاقد يحاول دائماً تحقيق أكبر ربحية ممكنة مع غياب الجهات الرقابية الفاعلة والجدية فهذا يعني أنه سيقوم بالتلاعب بالمواصفات سواء تم التحديد أم لم يتم، إذاً العملية مرتبطة بالجهات الرقابية. كما ويشير أحدهم إلى مسألة قانونية تتعارض مع إمكانية تحديد سقف لكسر الأسعار وهي كيف ستتعامل الإدارة في حال تقدم أكثر من عارض بقيمة السقف المحدد للكسر من الإدارة.

موضحاً أن الإدارة تمتلك الوسائل الكفيلة بضبط عملية التنفيذ منها وسائل عقابية مثل سحب التعهد من المتعاقد وحرمانه من التعاقد مع الجهات الحكومية لفترات قد تصل إلى 5 سنوات مبيناً أن المشكلة في هذا المنحى هي مشكلة نفوس لا مشكلة نصوص.

 

أخيراً

إذا كانت المشكلة مشكلة نفوس لا نصوص فكيف السبيل إذا كانت النفوس مريضة والنصوص فضفاضة؟ هل يعني ذلك أن نبقي أبواب مؤسساتنا مشرّعة أمام رياح الفساد العاتية من خلال قوانين صيغت على عجالة أو تعمد معدّوها تضمينها بعض الثغرات التي لا تظهر إلا بالتطبيق؟ أليس من الأولى أن نضيق عليها المنافذ من خلال مبادرات خلاقة؟ وهذا لا يكون –حسب رأي المهندسة سوزان بشير- إلا من خلال تحديث القوانين المتبعة في عقود المناقصات بما يمكن اللجان المختصة من إعطاء الناحية الفنية للعمل الدرجة الأولى، وإعطاء بعض الصلاحيات للجنة فض العروض لاستبعاد العروض المبالغ فيها التي تثير الريبة والشك، وإلزام القطاع العام بتنفيذ 70% من الأعمال المكلف بها عن طريق كوادره وخبراته الذاتية، وهذا يفيد في رفع السوية الفنية لهذه الكوادر ويشجع المبادرات الذاتية ويحد من البطالة المقنعة في المؤسسات العامة.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]