قد لاتكون معلومات جديدة، بما أنها موضوع نقاش ..لكن الجديد أنها موثقة على عاتق خبراء ومراكز أبحاث..
إذ توصل بحث جديد أجراه خبراء في مدينة برشلونة الاسبانية، إلى أن الشعب الأكثر فقراً في العالم هو الأكثر سعادة أيضاً.
التقرير يتحدث عن سكان جزيرة نائية، لكنه يصلح ليشمل كل سكان الأرياف في هذا العالم، ويمكن أن نسأل أي معمر طاعن في السن، وسيكون الجواب بأن منذ عقود كانت معدلات السعادة أعلى وأفضل، رغم ظروف العيش الصعبة والحالة شبه البدائية التي كانت سائدة.
لعل السبب أن سكان الأرياف والمناطق النائية يعيشون ببساطة بعيدين عن منغصات التكنولوجيا .. ولا يسعون إلى الرفاهية والسباق مع الإنترنت….
هم يمارسون أنشطة بسيطة ولهم رفاهيتهم الخاصة..في الحقل عندما تقبل مواسم الخير، وفي المراعي عندما تلد الماشية ويزداد عدد القطيع..صحتهم أفضل ينعمون بالسكينة أكثر بكثير من الباحثين عن أوهام الرفاهية الكاذبة..
لم تتأزم أوضاع سكان الأرياف إلا بعد أن راحوا يقلدون سكان المدن في وسائل معيشتهم، لازراعة يزرعون ولا ماشية يربون ولا حظائر ولا حتى دجاج.
لم يكن سكان الأرياف يعانون من الفقر ولا ضغوطات نفسية، ولا توتر ولا الأمراض الناتجة عن ذلك وهي كثيرة .. حتى نسب الجرائم والانحرافات السلوكية أقل بكثير منها في المدن ..
أثبتت كافة الأبحاث العلمية، ثم التجارب الشخصية، أن اللجوء إلى الطبيعة والعيش ببساطة بعيداً عن التعقيدات، هي العلاج الأهم لضغوطهم وصعوبات الحياة..
الجيد بالنسبة لنا في سورية..هو العودة إلى الأرياف بعد إخفاقات الحياة في المدينة، ورغم أن بعضهم يعتبرها نكسة، إلا أنها الحل الأفضل للهروب من الضغط النفسي..وخصوصاً المتقاعدين الذين يجدون أنفسهم فجأة على هوامش الحياة..
كما أن العمل في الزراعة وتربية الحيوان بات مجدٍ .. أي يضمن حياة كريمة نوعاً ما أفضل من المدينة..
من جربوا العودة إلى الريف، لم يعودوا يفكروا بأسعار العملات والذهب، ولايعنيهم توزيع المناصب بالمال ولا بالسلطة ولاحتى بأسعار السيارات ولا بأسعار العقارات وسعر المتر المربع في هذا الحي أو ذاك.
الريفيون مؤهلون في بلدنا كما في باقي أرياف العالم، لتكون حياتهم مركزة على تلبية احتياجاتهم للسكن والغذاء والسلامة ، وتواصلهم الاجتماعي فيما بينهم يزيدهم أكثر سعادة واطمئنان، لايسعون إلى زيادة رؤوس أموالهم أو العمل في التجارة، يقتصر عملهم على الزراعة كمصدر عيش .. أمراضهم قليلة، طعامهم صحي، ليس لديهم جائحات وكوارث صحية كما في المدن الكبرى..
الفقر بمفهومه الجديد لم يعد عدم القدرة على امتلاك السيارات الفارهة، ولا العمارات ولا وسائل الرفاهية المصطنعة، بل الفقر هو رفاهية الجسد وعذاب الروح، الفقر ألا نعرف ماذا نأكل، وأن نأكل مانظنه غذاءً لكنه سماً..الفقر ألا نجد فسحة للتأمل والاسترخاء..هذا هو الفقر الحقيقي، كثيرون اكتشفوا ذلك وغيروا أنماط حياتهم، وآخرون بقوا يكافحون للوصول إلى السعادة المزيفة لكنهم لم يجدوها ولن يجدوها.