الرئيس الأسد يمنح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة لعالم الآثار الإيطالي باولو ماتييه مكتشف إيبلا

الخبير السوري:

قلدت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية العربية السورية عالم الآثار الدكتور باولو ماتييه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي منحه السيد الرئيس بشار الأسد للدكتور ماتييه، تقديراً لإنجازاته المهمة في مجال التنقيب الأثري في مملكة إيبلا طوال 59 عاماً من العمل الأثري والبحثي، حيث سخر جزءاً كبيراً من حياته في العمل لصالح الآثار السورية، وكان له دور كبير في تعريف الشعوب الأوروبية بالآثار والهوية السورية وأهميتها.

تقليد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة للدكتور باولو ماتييه جاء خلال انعقاد أعمال اليوم الثاني للمؤتمر الدولي “آخر نتائج الأبحاث الأثرية السورية وتداعيات الزلزال” الذي تقيمه وزارة الثقافة- المديرية العامة للآثار والمتاحف، بالتعاون مع وزارة السياحة، وذلك في المتحف الوطني بدمشق، وبمشاركة مجموعة من الباحثين السوريين  والأجانب من إيطاليا وبولندا وهنغاريا والتشيك وألمانيا.

وقالت الدكتورة نجاح العطار في كلمة لها خلال مراسم تقليد الوسام بالمتحف الوطني بدمشق: “لقاؤنا اليوم هو عيد مودات وإننا نقدر جميل فعالكم في مواقع الآثار، وما قدمتم وننزله من قلوبنا أرفع منزلة، ولقد عملتم بصمت ومن الصمت استنطقتم الحجر وأعدتم إلى الوجود حياة طواها النسيان، وكنتم حفظة على الآثار والأوابد السورية، شواهد حضارات كانت بلادنا ملقى لها، وجهدتم في التنقيب عنها، من باطن الأرض، ومن بين الأطلال أدلة تاريخية وقيم باقيات ورموز علمية وجمالية وإبداعية”.

وتابعت الدكتورة العطار: “وقد آمنا نحن وأنتم أن الحضارة كنز معرفي وأنها هي التي تعطي بلدنا ما في عصرنا بل وفي العصور التي سبقتنا قيمته التاريخية وعراقته الثقافية ومجده العلمي الذي يتناول كل معطيات الفكر والعقل البشري، ونحن في سورية نؤمن بأن أكرم خصال المرء وأدعاها إلى النبل أن نعترف للآخر بجميل فعله، وهذا ليس من تقاليدنا العربية فقط بل من شعورنا بالواجب أيضاً”.

وأضافت الدكتورة العطار: “نحن وأنتم في إيطاليا متوسطيون يجمعنا من زرقة المتوسط وشاح فكري أزرق، بعضه عطاء وبعضه أخذ، وقد أخذنا جميعا في التبادل الحضاري والثقافي وأعطينا، وفي التاريخ شواهد على هذا التبادل الخلاق، لذلك علي اليوم أن أعترف بالحق من منطلق الموضوعية بأن مملكة إيبلا في أرضنا السورية المحلقة  في الأعجوبة والعائمة كما الخيال على بحر من الحضارات الأكثر قدما في سحيق الأزمنة قد اكتشفها بالعمل الدؤوب والجهد المضني ووضع في أيدينا مفاتيحها العالم الإيطالي الكبير الدكتور باولو ماتييه الذي تدوي شهرته في أربع جهات الأرض”.

وأوضحت أنه كان رائعا أن يكتشف أيضا وعبر الرقم التي زاد عددها على سبعة عشر ألف رقيم أن مجتمع إيبلا كان فعلا مجتمعا علمانيا، يسوده نوع من العدالة الاجتماعية غير المعروفة في ممالك أخرى مكتشفة، وكان مهما أن نعرف أن البعثة الإيطالية برئاسته كانت تجاهد أيضا في سعيها لاكتشاف أرشيف معاصر للإمبراطورية البابلية  في عهد حمورابي، وخاصة بعد أن اكتشفت في أرشيف إيبلا الضخم مجموعة من الآثار المهمة العائدة لذلك العصر.

وقالت الدكتورة العطار: “لقد صنع لنا الدكتور ماتييه مفاجأة علمية كبيرة دوى صداها العالم باكتشافه حضارة عريقة تتساوى وحضارة وادي النيل وتتوازى مع حضارة ما بين النهرين، سواء في القدم أو في المكانة التي تحتلها ما قبل التاريخ المكتوب، بحيث أحدثت ضجة في الأوساط العلمية وتغييرات في الكتب الأكاديمية وجعلت الدارسين والباحثين يعيدون النظر في أمور كانت في المسلمات، وباتت الآن في المستجدات وقدمت لنا معلومات جديدة سيكون لها أثر بالغ القيمة والخطورة في سعينا الأثري لاكتشاف كل الحضارات القديمة التي تزخر بها أرضنا وتعمر بها تربتنا، ويمكننا القول: إن تلالنا في كل بقاع بلدنا هي مستودعات أثرية في جوفها كنوز مرصودة ما زالت تنتظر من يفك عنها الرصد، ويكشف اللغز ويخرج إلى النور ما كان في غياهب الأديم”.

وبينت الدكتورة العطار أن منح الرئيس الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة  للدكتور باولو ماتييه تكريما لاكتشافاته، وتقديرا للرسالة التي حملها في علمه الأثري وفيما حققه في تعاونه المخلص مع سورية في كل ظروفها.

من جهتها، قالت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوح: “اليوم نكرم مسيرة علمية حافلة تجسد صدق الانتماء وتترك بصمة لا تمحوها الأيام ولا تذريها رياح النسيان، إنها مسيرة حياة العالم الجليل والأستاذ القدوة البروفيسور باولو ماتييه”.

وأوضحت وزيرة الثقافة أن الدكتور ماتييه أمضى نحو ٤٠ عاما من عمره ينقب عن آثار إيبلا، وظل رئيسا للبعثة الأثرية الإيطالية في تل مرديخ ومديرا لها منذ عام ١٩٦٣ وحتى عام ٢٠١١ حين توقفت الأعمال في الموقع بسبب الحرب على سورية، كما أسس بعثة أثرية في تل آفس وأخرى في تل طوقان.

وبينت أن غيابه القسري عن سورية آلمه، فهي وطنه الثاني كما كان يردد دائما، فلم يتردد بالعودة إليها، بالرغم من كل الموانع والضغوط  حتى عام ٢٠٢٢ حين أتاها مديرا علميا لبعثة إيطالية جديدة والبارحة  في افتتاح المؤتمر، موضحا أنه نشر بين عامي ١٩٦٣ و٢٠١٩ ما يقارب ١٨٥ بحثا علميا عن سورية وحضارتها ومواقعها الأثرية وألف ٢٣ كتابا تعد من أهم المراجع العلمية عن الحضارات السورية القديمة ولا سيما عن موقع إيبلا الأثري.

ولفتت الدكتورة مشوح إلى أنه أسس عددا من المجلات العلمية المتخصصة في الدراسات عن إيبلا ومركزا لأرشيف إيبلا ونظم عشرات المعارض عن إيبلا وماري وأوغاريت، مبينة تعرضه لضغوط كبيرة، حيث اتهم أنه “لعبة في أيدي السوريين” وحاول فريق من الأساتذة الإيطاليين المتنفذين وقف تمويل البعثة الأثرية إلى إيبلا، وفي عام ٢٠١٦ زار سورية مع أعضاء فريقه فهوجموا وأوقف نشر كتبهم ووقعت عريضة ضدهم، وتكرر الأمر عندما أرسل فريق إيطالي يعمل بإشرافه نموذجا ثلاثي الأبعاد لنقش تدمر على يد تنظيم /داعش/ الإرهابي كيما يعرض في المتحف الوطني بدمشق، كما هوجم عام ٢٠١٩ لمشاركته أنشطة في مديرية الآثار بدمشق.

وختمت بالقول:  “ظل ماتييه وفيا لسورية أثناء الحرب كما قبلها، وأحبها في عسرها ويسرها، وقف إلى جانبها في سرائها وضرائها، وهي اليوم تبادله حبا بحب ووفاء بوفاء”.

وفي كلمة له أعرب الدكتور باولو ماتييه عن امتنانه لحصوله على أعلى درجة استحقاق لعمله كعالم آثار، مكرسا عمله لاكتشاف أقدم الآثار والحضارات، مضيفا: “إيبلا بلد حضارة مهمة جدا، وكانت الأهم في تاريخ الشرق القديم وقرون العصور الوسطى، وإن اكتشاف إيبلا لا يقدر من منظوره المحلي أو الإقليمي، فأهميتها تعود للعام 23 قبل الميلاد، وهذا مهم لكل التاريخ نظرا لظهور لغة وثقافة جديدة بعد اكتشاف قصر إيبلا، وبذلك عززت سورية من موقعها ومكانتها لتصبح على نفس حضارة النيل والرافدين.

وأضاف الدكتور ماتييه: “إن هذا الاكتشاف تم تقديره من قبل الرئيس  الراحل حافظ الأسد الذي كان مهتما جدا بعملنا واستمر الاهتمام من قبل الرئيس بشار الأسد والذي تمثل بتكرم السيدة الأولى أسماء الأسد بزيارة الموقع، كما قامت جامعة سبينزا الإيطالية بتقدم الدكتوراه الفخرية للسيدة أسماء الأسد لمشاركتها واهتمامها بالإرث الثقافي السوري”.

مدير عام المديرية العامة للآثار والمتاحف محمد نظير العوض قال: ” إن الدكتور ماتييه أنار ما تحت التراب لتبصره شعوب العالم  كلها التي عرفت بفضله تاريخ وحضارة سورية وموقعها المتفرد في قلب الحضارة الإنسانية وكانت له لغته الخاصة للتعريف بحضارة إيبلا وأقام فيها كأحد ملوكها وأعادها إلى الحياة وبادلته إيبلا المحبة والوفاء، وكشفت له أسرارها ومكنوناتها وملكته أدوات أوصلها إلى العالمية”.

وتابع: ” إن تكريم الدكتور ماتييه هو تكريم لجيل الرواد والأوائل في الكشف عن هويتنا والتعريف بحضارتنا، وهو تكريم للذين آمنوا بحضارة سورية وتراثها الثقافي، وبقوا على وفائهم وشحذت كلماتهم عزائمنا في معركة الدفاع عن هويتنا وتراثنا”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]