فخ تكنولوجي ” مبكّل”… فلاتر مواقع التواصل الاجتماعي حكاية جمال زائف بلا حدود

الخبير السوري:

بات (السيلفي) أو أخذ صورة للوجه عبر كاميرا الهاتف من الأمور الاعتيادية، وجزءاً من الحياة اليومية لدى العديد من الناس يمارسونه في مختلف المناسبات والأوقات للاحتفاظ بلحظات لا تنسى، ومع انتشار استخدام الفلاتر وتطبيقات التجميل التي أطلقتها منصات اجتماعية عديدة، مثل «فيسبوك وسناب شات وتك توك» زاد تعلق الملايين بها، وباتت هوس الكثيرين بسبب قدرتها على تغيير ملامح الوجه وتفاصيله، والظهور بصورة أجمل من الحقيقة ما يجعل الشخص يعتاد شكله الجديد، ويستسيغ صورته بالفلتر بشكل مضاعف.

صورتها بالفلتر

ولعل ما يحدث مع (تسنيم) يثير الاستغراب، لكونها تعيش في عالم تعديل الصور، وتعتمد على هذه البرامج بشكل كبير، لتبدو أكثر جمالاً وتحصل على مقاييس الجمال المطلوبة في صورها، لدرجة جعلتها تصدق أن صورتها بالفلتر هي شكلها الحقيقي. وتتابع: أحب التقاط الصور كثيراً، وخاصة مع صديقاتي وأصبحت عادة أمارسها بشكل يومي، ووجود الفلتر أساسي بالنسبة لي في الصورة، وفور ضبطه أشعر بالارتياح، وأن هذا هو شكلي المطلوب والحقيقي، وأستمتع بالتعليقات الجميلة عندما أنشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي.

  • اختصاصية في التجميل: أغلبية من يزورون مراكز التجميل لديهم نظرة دونية لأنفسهم

الفلاتر خدعة

إلا أن للشباب رأياً مختلفاً تماماً، لأنهم يعتبرون الفلاتر خدعة تلجأ إليها الفتيات لتغيير أشكالهن، ومصيدة يقع في فخها الشاب في حال لفتت نظره ملامح فتاة من خلال صورة صممت عن طريق الفلتر، وهو ما تعرّض له (يوسف) عندما شعر بالإحراج، حينما تعرف إلى إحدى الفتيات عن طريق انستغرام، وطلب رؤيتها عن قرب، ليكون بداية لمشروع زواج، وكانت صدمته كبيرة عندما رأى الفتاة مختلفة تماماً عن تلك التي كان يرى صورها يومياً، ليكتشف أنها تستخدم الفلاتر التي تجعلها أجمل بمراحل، مضيفاً: أشعر بخيبة أمل كبيرة، فربما لو تعرفت إليها بشكلها الحقيقي لكنت أحببتها كما هي بصدقها وقناعتها، ولكنني الآن عندما تعرفت إلى واحدة، وفوجئت بأخرى من الصعب الاستمرار على الإطلاق.

دراسة

وحسب دراسات وأبحاث خاصة بعلم النفس، أن النساء تستخدم الفلاتر التجميلية أكثر من الرجال، وهو الأمر الذي يعده علماء النفس نتيجة تعرض النساء لتقييم أكبر من الرجال، بناءً على مظهرهن الخارجي، وتعرضهن لكثير من الضغوط الاجتماعية التي ترسخ مفاهيم معينة حول الجمال في عقولهن منذ الصغر.

كما أثبتت الدراسات أن هناك تأثيراً لفلاتر الوجه على الصحة النفسية والعقلية والبدنية للمستخدم، وخاصة في عمر المراهقة، وأن الإفراط في استخدامها يمكن أن يؤدي إلى ما يسمى التشوه الجسمي.

  • اختصاصية نفسية: فلاتر تحسين المظهر لها نتائج سلبية وتؤدي إلى أمراض نفسية

وبينت أن الاضطراب يندرج ضمن اضطرابات «الوسواس القهري» وفيه يشعر المصاب بقلق مفرط بسبب عيب في شكله ما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب ومحاولة الانتحار

أريد أن أصبح أجمل

بعد الانتشار الواسع لفئات كثيرة من المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة ممن يُطلق عليهم المؤثرون اجتماعياً، بات تأثيرهم يتخطى مضمون اختصاصهم، ليصبحوا أنموذجاً يتّبع في السلوك والمظهر، ويلجأ الكثيرون إلى عيادات التجميل للحصول على ملامح تشبه صور المشاهير المعدلة بالفلاتر أو تطبيقات التجميل.

وترى اختصاصية التجميل فاطمة حمزة أن أغلب الأشخاص الذين يزورون مركزها لديهم نظرة دونية لأنفسهم، وكثيرون منهم لا يشعرون بالرضا والقناعة بملامح وجوههم وأشكالهم، ولديهم آراء غير منطقية للشكل الذي يريدون الظهور به، اقتداء بشخصية معينة، ويقارنون أنفسهم بهؤلاء الأشخاص، رافضين أشكالهم الحقيقية، ومحاولين الحصول على ملامح تشبه الآخرين للشعور بالسعادة.

نظرة علم النفس

إن استخدام الفلتر لوقت طويل، لكونه يشغل حيزاً كبيراً من تفكير بعض الأشخاص، الذين يجدون صعوبة في التوقف عن استخدامه، يؤثر بشكل مباشر في حياتهم الاجتماعية والعملية، فقد يؤدي بهم إلى الإدمان، لأن المستخدم لديه قابلية نفسية لذلك.

وفي رأي الاختصاصية النفسية رولا معروف فإن فلاتر تحسين المظهر لها نتائج سلبية، تؤدي إلى أمراض نفسية، لاسيما في مرحلة المراهقة، وأن الفئة العمرية بين 15- 18 عاماً أكثر عرضة لتلك الضغوط النفسية، لأنها تسعى للتشبّه بالمشاهير، ومسابقات الجمال والإعلانات والمجلات كانت ومازالت أحد العوامل التي رسخت في أذهانهم معايير خاصة بالجمال.

وتوضح معروف أن أعراض هذا الاضطراب، تتمثل في تدني احترام الذات والعدوانية والعزلة الاجتماعية والشعور بالضيق، لأنه ليس بمقدورهم الظهور في الحياة الواقعية، كما هي على صفحات الإنترنت، والهوس بشكل الجسد وأنظمة الحمية الغذائية من أجل الوصول إلى الصورة المثالية، وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى حد إيذاء النفس ويعرّض ممارسيه إلى الإحراج أمام الآخرين وخيبة الأمل.

وتنوّه معروف بأنه لابد من التخلص من سيطرة هذه البرامج على العقل، ونشر الكثير من التوعية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، لتغيير هذه الفكرة وإسقاط الفلتر عن الصور، على أمل رؤية وجه أكثر قرباً للواقع وإظهار منصات التواصل أن الصور معدّلة كي لا ينخدع المتلقي بصور مزيفة.

ومن المهم أن نتذكّر أننا جميلون بفلاتر وبلا فلاتر، بألواننا وأحجامنا وأشكالنا، وأن لكل شخص صفات ومعايير جمال معينة يتمتع بها، وتميزه عن الآخرين، وألا ننقاد وراء جمال مزيف، وبالتعليقات الكاذبة التي تنتشر على مواقع التواصل وألا نقع في فخ الإدمان عليها.

تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]