«المُمكنُ» صناعةٌ وليس فنّاً

الخبير السوري:

لم تعدْ السياسةُ مجرّدَ «فن المُمكن» بتلك البساطة التي حتّمتها وقائعُ الهيمنة والسطوة الأحاديّة، بل هي فنُ صناعة ذلك الممكن، إنْ أردنا لها ألا تكون أحد المرادفات المنمّقة لمصطلح «استسلام».

ولعلّ صناعة المُمكن هي التعريفُ الأكثرُ واقعيةً، بل وجرأةً، والذي يفرضُ نفسَه اليومَ على ما يشبهُ الجراحات العميقة الجارية في قوام العلاقات الدوليّة، وهي جراحاتٌ كان لابدّ من الشروع فيها، لأن ثمة قوى كبرى صامتةً ارتأت أن تقولَ كلمتَها الحاسمة بحزمٍ.

ويبدو فعلاً أن ثمةَ قراراً كبيراً – بحجم قارة – اتُخذ بفرض نظامٍ عالميّ مختلفٍ سينطوي على الكثير من المفاجآت غير المتوقّعة، وقد لا نجافي الصوابَ لو قلنا إنّ حادثةَ إخراج الرئيس الصينيّ السابق «هوجينتاو» من قاعة مؤتمر الحزب الحاكم في بكين منذ نحو الستة أشهر، كانت الرسالةَ البليغة الموجّهةَ مباشرةً إلى واشنطن، بأن القادمَ لن يكونَ كما سبق.

وهذا ما باتَ أكيداً بعد التغيّرات البنيويّة، بكلِّ معنى الكلمةِ، والتوافقات على «صناعة المُمكن» في منطقة «الشرق الأوسط»، وفي هذه المنطقةِ ما يكفي لقراءة تفاصيل المشهد العالميّ برمّته.. بتوازناته، ومُنازعاته، ولعبة المصالح فيه.

فأن يكون الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجيّة السّوري في الرياض، هذا حدثٌ بوقعٍ وتردّدات واسعةِ الطيف، وهو أحدُ ملامح ذلك المُمكن الذي تجري صناعتُه بحكمةٍ وهدوءٍ وجرأةٍ، وحلقةٌ محوريّةٌ في سلسلة إحكامِ طوق السيادة وحماية المصالح الحقيقيّة والطبيعيّة لشُركاء الدم و الجغرافيا والمصير أيضاً.

الحدثُ ليس تحوّلاً نافراً وغيرَ تقليديّ، بل هو تجلّ واضحٌ لإرادة تصحيح المسارات وخلق ارتساماتٍ جديدة لإرادة الانعتاق من سطوةٍ أميركيّة وغربيّة خلطت أوراقَ المنطقة، ودفعتْ بها إلى حافةِ الهاوية.

للرياض كما لدمشق حضورُهما العربيُّ والإقليميّ بمساحاتٍ أوسع وأرحب بكثيرٍ ممّا تحاولُ إملاءاتُ «المزاجيّاتِ» الدخيلة الماجِنة فرضَه .

لم تعدْ المنطقةُ منطقةَ نفوذٍ أميركيّ ولا غربيّ، بل منطقة نفوذٍ وسيادة لأصحابها وأهلها، بشبكةِ علاقاتٍ عنوانُها التفاهماتُ السياسيّة لا التبعيّة، والشراكاتُ التنمويّةُ بعيداً عن نزْعات القرصَنة، وفي هذا العالم شركاءٌ كبارٌ في معاني وتطبيقات بناء التفاهمات و تعزيز أسس التنمية وخلق مناخات السلام أيضاً.

المنطقةُ اليومَ أمام أفقٍ جديدٍ مختلفٍ جذريّاً عما كانت عليه الوقائعُ قبل حُزمة عقودٍ سابقة، أبعد من مجرّد العام ٢٠١١، و ربما تمتدُ إلى بدايات سبعينيّات القرن الماضي، فلدمشق والرياض القولُ الفصلُ عندما تكونُ المفرداتُ واحدةً موحّدةً.

عن صحيفة تشرين – ناظم عيد – رئيس التحرير

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]