الهوّة كبيرة بين الأجور والأسعار والتسعير الطبي.. والتأمين لا يغطي المرض مرة واحدة

موظفون يطالبون بإعادة النظر حول مبالغ تأمينهم الصحي

الخبير السوري

فرق أجور “كشفية” الطبيب أو فرق أجور المخبر، دواء غير مغطى تأمينياً، مصطلحات باتت مألوفة لسامعها المؤمّن عليه من شركات باتت تتنصّل ما استطاعت من عمليات وفحوصات وأدوية، بسبب الهوّة الكبيرة بين الأجور والأسعار والتسعيرة.. فمثلاً يبين أحد الأطباء أن قيمة الكشفية قبل ٢٠١١ ( ٥٠٠ ) ليرة، وإذا قسنا ذلك على اليوم فيجب أن نأخذ ٧٥ ألف ليرة ، لتعادل القوة الشرائية نفسها لمبلغ الـ٥٠٠ ليرة حينها، والواقع اليوم أن الكشفية بين ١٥ و ٣٠ ألف ليرة.
التأمين الصحي لم يعد له من اسمه نصيب، حيث تعاني هذه الخدمة من مزاجية الأطباء المتعاقدين مع التأمين إلى حدّ بات غير مقبول، ومن إساءة استخدام المؤمّن، إضافة إلى ما يعانيه من معوقات في آلية العمل في شركات التأمين، إلى الغياب الواضح لدور وزارة الصحة في الرقابة على القطاع التأميني، فبات المؤمّن عليه بلا غطاء يقيه نار أسعار الخدمات الطبية في المشافي والمخابر والصيدليات، وأصبح السوق الطبي سوقاً حرّاً من دون رقابة.

عُرف طبي
عندما تبرز بطاقة التأمين تكفهّر وجوه الأطباء والمخبريين والصيادلة، بهذا الوصف عبّر أحد الموظفين في القطاع التعليمي عندما سألناه عن التأمين الصحي، مردفاً: الراتب كاملاً لا يكفي للمرض لمرة واحدة والجميع، من الطبيب إلى الصيدلاني وما بينهما، يتهربون من التأمين، وتعددت مشكلات التأمين في السويداء من سوء استخدام المؤمّن، إلى طلب الأطباء والمخبريين مبلغاً مادياً، إضافة إلى تسجيله زيارة على بطاقة التأمين، علماً أن أجور المعاينة الطبية ارتفعت مؤخراً إلى ١٢ ألف ليرة على تسعيرة النقابة، بينما في الواقع تتراوح بين ١٦ و٣٠ ألف ليرة، وهذا الرقم أصبح عرفاً بين الأطباء أنفسهم.
أسعار المخابر تشتعل
وتماشياً مع أسعار الصرف وانقطاع بعض الأصناف والمستلزمات التي تحتاجها المخابر وطرحها في السوق السوداء، بات التحليل يحتاج إلى ميزانية خاصة، وحال التأمين في المخابر كبقية أحوال القطاعات الطبية والصحية، وبعض المخبريين يخيّرون المريض بين دفع مبلغ من المال أو يعتذرون عن قبول التأمين ويسوّقون أسباباً كثيرة، تبدأ بغلاء المواد الأولية المستخدمة في التحاليل وتسعيرها على سعر صرف السوق السوداء وتشغيل مولدات الكهرباء وأسعار الورق وطباعة التقارير وأجور الموظفين.

عن ذلك تحدث الدكتور كميل أبو العلا رئيس هيئة مخابر التحاليل الطبية في السويداء، وأكد أن الهيئة ليست الجهة المعنية بتلقي الشكاوى، بل شركات التأمين، وخاصة فيما يخصّ تقاضي المخابر مبالغ إضافية زيادة على التأمين، مشيراً إلى أنه يجب على المريض التوجه إلى شركة التأمين وإعلامها بأي تجاوز يتم من المخبر، وهذه التجاوزات تبقى حالات فردية.
وأشار أبو العلا إلى أن نسبة التحمل التي يدفعها المؤمّن لقاء أجور التحاليل ٢٥% بقرار شركات التأمين، وهذه النسبة تختلف بين شركة وأخرى بأجزاء بسيطة من المئة، والوحدة الطبية من المريض تعادل ٢٥٠٠ ليرة، بينما عن طريق التأمين فهي ١٥٠٠ يحسم منها ١٥% ويبقى تقريباً ١٢٥٠ ليرة، وهذا المبلغ لا يعادل تكاليف ورقة التحليل المطبوعة و«الكرت»، لافتاً إلى أن شركات التأمين ترسل للمريض على رقمه الخاص رسالة تبين له المقدار الذي سيدفعه للمخبر، وأي زيادة على المبلغ المذكور في الرسالة هي مخالفة للتسعيرة تستوجب من المريض تقديم شكوى بذلك.

التقت عدداً من الموظفين من قطاعات مختلفة، ممن يعتمدون على عقود التأمين في حصولهم على الخدمات الطبية من معاينة وتحاليل وأشعة وأدوية موصوفة إلى أدوية الأمراض المزمنة. إذ أكدوا أن المبالغ المتعاقد عليها لم تعد تغطي التكاليف سواء من معاينة الطبيب أو التحاليل أو الأشعة، والأهم منها جميعها الدواء في ظل ارتفاع أسعاره، مشيرين إلى ضرورة إعادة النظر بخدمات التأمين الصحي للعاملين في الدولة التي لم تكن مرضية بالأصل منذ البداية، كما أشار عدد كبير من العاملين إلى عدم تجاوب بعض الأطباء معهم ورفضهم التعامل بالبطاقة تحت ذرائع مختلفة، أبرزها ضعف الإنترنت إضافة إلى عدم قدرة التأمين على تغطية أجور المعاينات التي ارتفعت مؤخراً.
الأطباء غير راضين عن تعرفة التأمين
الأطباء أيضاً غير راضين عن خدمات التأمين، فبعضهم كشفوا أن الإشكالية ليست بشركات التأمين التي رفعت قيمة المعاينات إلى ٨ آلاف وصولاً إلى ١٠ آلاف ليرة لكثير من أطباء الاختصاص، وإنما الإشكالية لدى نقابة الأطباء التي ما زالت تحاسب الطبيب على تسعيرة عام 2004 واحتساب الوحدة الطبية ٤ آلاف ليرة، وهو السبب الذي أدى بكثير من الأطباء إلى رفض المعاينة على بطاقات التأمين لأنها دون المطلوب وغير منصفة، مشيرين إلى أنه من المفترض على نقابة الأطباء رفع التسعيرة ليتمكن كل طبيب من تقديم المعاينة لمرضاه على بطاقات التأمين.

نقيب أطباء السويداء الدكتور إحسان جودية أوضح أن التعرفة الطبية تحدد على أساس الوحدة الطبية وسعر الوحدة يصدر عن وزارة الصحة، مؤكداً أن قيمة التعرفة الطبية المعمول بها حالياً لا تزال نفسها منذ عام 2004 لعقود التأمين مع القطاع العام وهي لم تعد مجدية، وحالياً يتم العمل على التعديل من خلال لجنة مشتركة موسعة لإصدار التعرفة الجديدة، تتناسب مع الواقع الاقتصادي الحالي وتراعي مصلحة المريض والطبيب.
وأضاف جودية: بالنسبة لشركات التأمين هناك عدد كبير من الشركات للقطاع الخاص والإداري وشركات التأمين رفعت أجرة المعاينة بداية الشهر الحالي بين ١٢ و١٥ ألف ليرة ، وسمحت منذ فترة بتحميل المريض مبلغ ٤ آلاف ليرة، مشيراً إلى أن التأمين الصحي له ضوابط كثيرة، وأي استخدام خاطئ أو استغلال للتأمين يوجب على المريض تقديم شكوى، لافتاً إلى وجود دراسة لرفع تسعيرة الوحدة الطبية بما يتناسب مع الواقع الحالي، ويبقى القرار لوزارة الصحة، علماً أن رفع تسعيرة الوحدة الطبية يضمن تحديد تسعيرة موحدة لدى جميع الأطباء، لافتاً إلى أن تسعيرة الوحدة الطبية الحالية هي ٤ آلاف ليرة.
ارتفاع أسعار الأدوية فاقم المشكلات
ارتفاع أسعار الأدوية ومشكلات قطاع الدواء، وخاصة انقطاع بعض الأصناف الدوائية، زاد الأمور سوءاً، وباتت شركات التأمين تحاول إلغاء التغطية عن بعض الأصناف ذات الأسعار المرتفعة.
يقول نقيب الصيادلة في السويداء الدكتور أسد الأشقر: إنّ شركات التأمين هي شركات تبحث عن الربح فقط، وبهذا تكون انتقائية في اختيار الأدوية التي تغطيها حسب السعر والطلب، ويجب إعادة النظر في العقود المبرمة مع هذه الشركات على أسس جديدة، لأن هناك إجحافاً بحق المستفيد من التأمين وبحق الصيادلة المتعاقدين مع هذه الشركات، ولهذا السبب يعتذر الكثير من الصيادلة عن التعاقد مع هذه الشركات.
وأضاف: بات التأمين في ظل انقطاع الكثير من الأصناف الدوائية عبئاً على الصيدلاني، وعدم توفر بعض الأصناف الدوائية يسبب مشكلة ويحتاج الصيدلاني إلى تغيير الوصفة من الطبيب، كما أن وصفات التأمين تصرف وتدفع قيمتها بشكل آجل حتى يتم تنظيمها من الصيدلي، وينتظر الشركة حتى تنظر في الموضوع وتدفع عندما تتوفر السيولة، ما يشكل عبئاً مادياً على الصيدلاني.
وأشار الأشقر إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية كارثة على الصيدلاني المتعاقد مع التأمين، أولاً وكذلك على الشركة، والتواصل مع شركات التأمين محصور فقط مع النقابة المركزية بدمشق، والحل النهائي هو إعادة النظر في شروط العقود المبرمة، بحيث تضمن حقوق جميع الأطراف.
كما أشار كثير من المواطنين إلى أن رفع أسعار الدواء أدى إلى عدم قدرتهم على صرف وصفات الأدوية بسبب عجز التأمين عن تغطية قيمة تلك الوصفات.
ومن اللافت عند محاولة معرفة أسباب الفوضى الحاصلة في سوق التأمين في السويداء رفض الكثير من الأطباء الحديث عن الموضوع، ومنهم مندوبون لشركات تأمين، ما يطرح الكثير من إشارات الاستفهام والمؤشرات على تردي وإساءة استخدام التأمين من بعض المرضى وبعض الأطباء.

المصدر: تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]