لعله من البدهي أن يتهكم المواطن بكل مفردات حياته ويسخر ويتندر، خصوصاً في بلد كسورية أشتهر أهله باجتراح النكتة وروح الدعابة مهما أحلكت الظروف.
هو حق للمواطن لايملك أحد مصادرته، فالتندر خاصيّة إبداعية للمواطن هنا في سورية، ودليل عافية معنوية ورشاقة ذهنية، فلا بأس ببعض الترويح على طريقة “نفخ عليها تنجلي”.
وكان لبطاقة الخدمات الالكترونية “البطاقة الذكية” نصيبها من الغمز الفكاهي على وسائل التواصل الاجتماعي وحتى اللوحات الدراميّة، وكان حتى القائمون على الشركة المشغلة للبطاقة، من جملة المعجبين با “النكات” التي تم تداولها على البطاقة ذاتها..
الآن دعونا من الهرج والمرج، لنتحدث بشيء من الواقعية حول هذه البطاقة التي كانت عبارة عن خيار إستراتيجي لإدارة النقص الكبير في المواد الأساسية، و ضبط أو تقليص حجم الفساد الهائل الذي اعترى آليات التوزيع..
بالتالي كان جزءاً غير قليل من عديد من تعمدوا خلط الأوراق ورشق بطاقة الخدمات الإلكترونية بالحجارة، إما فاسد تضررت مصالحه، أو مأزوم بعدم كفاية مايحصل عليه من احتياجات ..فنحى باللائمة على البطاقة التي لا يملك من محسوسات الوضع الجديد إلا بطاقة صغيرة في جيبه علق عليها كل غيظه من أزمته.
إلا أن كل ذلك لايخفي حقيقة بالغة الأهمية، وهي أن مشكلتنا جميعاً في وضع معقد بكل معنى الكلمة، أدى إلى مراكمة التحديات الاستهلاكية أمام المواطن، في سياق قلة المعروض السلعي المنتج محلياً والمستورد، وبالتالي نشوء سوق سوداء واحتكار لتحقيق علاوات ربحية، خصوصاً عبر سلة السلع المدعومة، ونعلم جميعاً أن أي مادة استهلاكية تطرح بسعرين مدعوم و حرّ، سوف تكون عرضة للاحتكار والمتاجرة في أسواق الظل.. وفي مثل هذه الحالة لا يمكن ضبط السوق إلا عبر الخيار التقني، لأن التقنية لا تعترف بالعواطف، والبطاقة الذكية هي الورقة الفاعلة التي دفعت بها الدولة لضبط السوق والتوزيع الأفقي العادل لكافة المواد الأساسية التي زج بها هواة جني الأرباح السريعة في سوق المضاربة..حيث لا فرق بين” البصل والدولار” بما أن في الحكاية “لحسة إصبع” وفق التعبير الدارج بين “شقيعة السوق”..
مشكلتنا ليست في بطاقة الكترونية، بل في مقدمات عنوانها التخطيط للإنتاج وإمداد السوق باحتياجاته وموازنة العرض والطلب، وعندما لا نخطط ونوقع أنفسنا في اختناقات مخجلة، سنضطر للاستعانة بالبطاقة الذكية لإنقاذ المواطن من دوامات التلاعب والاحتكار..نعم البصل والمتة، وقد يكون لاحقاً الثوم والبطاطا والحمص والعدس والفريكة، وقائمة طويلة من السلع الاستهلاكية التي هي حاجة و حق للمواطن ولا يمكن أن يضمنه إلا التقنية الدقيقة، بما أنه ثبت أن لا تعويل على صحوة الضمائر كثيراً في زمن الأزمات..والبطاقة الذكية هي التجلي التقني الوحيد بين أيدينا نحن السوريين اليوم، فلا نظن أنه من الحكمة شتيمة ما يخلصنا من الفساد ونسيان الفاسد ذاته، رغم أن البطاقة الذكية لا “تحرد” ولا تُحبط ولا تزعل من الشتيمة، لكن الجحود ليست خصلة محببة لا في مجتمعنا ولا سواه..