قرارات اقتصادية “جراحية” لا بدّ منها.. خبراء متفائلون بمستقبل الأداء الاقتصادي السوري.. والانفتاح عنوان عائد إلى الواجهة بقوّة

الخبير السوري:

ما قبل القرار ليس كما بعده، لعلها الرؤية الأكثر تداولاً في الأوساط الاقتصادية، التي طغت عليها حالة من القلق وعدم الرضا عن آلية العمل ضمن الأسواق، والتي لا تزال حتى اللحظة تعاني تُخمة بالعرض وضعفاً بالطلب، ليأتي قانون السماح باستيراد البضائع ذات المنشأ السعودي بمثابة الحلقة المُتمِّمة لقانون تحرير الأسعار، الذي بات رهن التجريب وانتظار النتائج الإيجابية منه من المواطن نفسه.

مابين السطور

وفي خضم هذه التحوُّلات السريعة ضمن ميادين الاقتصاد، والتي حملت معها الكثير من التعديلات في سياسة طرح المادة ومن ثم تسعيرها وبيعها، لا تزال قناعة البعض بجدِّية الوصول لصيغة عمل تُرضي الأطراف ضعيفة بعض الشيء، فيما وجد الخبراء ممن قرؤوا ما تحويه سطور هذه القرارات من مؤشرات لحزمة من الحلول، التي ستُنقِذ الواقع الاقتصادي حسب تأكيدات الخبير الاقتصادي “عامر شهدا”، الذي أكد أن قرار تحرير الأسعار هو خطوة بالاتجاه الصحيح، حيث إن الأسواق باتت مكشوفة، ما يستدعي الخروج من الحالة الأبويَّة التي لازمت الحكومة لفترة طويلة، وذلك بعدم تحكمها وتبنيها للأسعار، لكونها أصبحت حُرَّة قياساً بآليَّة العمل في أسواق الدول المجاورة.

  • قرار تحرير الأسعار هو خطوة بالاتجاه الصحيح لأن الأسواق باتت مكشوفة ما يستدعي الخروج من الحالة الأبويَّة التي لازمت الحكومة فترة طويلةالدول المجاورة

فما عاشه اقتصادنا من حالة خاصة واستقلالية عن اقتصادات الدول الأخرى لم يعد مُمكناً العمل به برأي شهدا، واليوم الجميع يسير بوتيرة واحدة وأي حالة شذوذ ستؤدي لنتائج سيئة للاقتصاد، ما دفع لتصحيح مسار الاقتصاد السوري بما يتلاءم مع مسارات الاقتصاد في الدول الأخرى.

تساؤلات مشروعة

إلّا أن ما يستدعي الوقوف عنده في موازاة العمل ضمن مبدأ فتح باب الاستيراد والسماح للمُنتج السعودي بدخول السوق السورية، الذي فتح باب الكثير من الأسئلة التي تشوب المشهد العام، والتي انحصرت في الفروقات الكبيرة بين الأجور والرواتب في سورية قياساً بدول الجوار، والذي عدّه شهدا أحد التوجهات المستقبلية للحكومة، والتي من دون النظر إليها والعمل على زيادتها لا يمكن الاستمرار والنجاح بهذه القرارات، متوقعاً وجود تحسُّن ملموس في كتلة الرواتب والأجور في المدى القريب، متسائلاً بالوقت نفسه.. ما فائدة استيراد البضائع إلى سورية من دون ضمان قدرة المستهلك على شرائها واقتنائها؟ فالزيادة ستكون تحصيل حاصل، والتي ستساعد على توازن السوق في هذا الظرف الصعب، وبالتالي نجاح قرار تحرير الأسعار.

فما سيتم العمل به ضمن هذا المنظور، يخلق الارتباط بين قرار تحرير الأسعار وقرار الاستيراد برأيه، الذي لابدّ أن يؤخذ بالحسبان أثناء تطبيقه بين أسعار المواد المستوردة والمطروحة في السوق السعودية، وبين المستوردة والمطروحة في السوق السورية، فاليوم لا يوجد تسعير في السعودية، بل تخضع لقانون العرض والطلب، كما أن الاستيراد يؤدي لتوافر المواد في سورية والتوازن بين العرض والطلب، ليؤكد شهدا مجدداً أهمية الدور الذي ستلعبه التجارة الداخلية في تطبيق هذا القرار، لجهة منع ومحاربة الاحتكار الذي لا يخدم قانون تحرير الأسعار، والسماح للمنافسة التي ستخرج الجميع من آفة الاحتكار.

تفسير خاطئ

لعلّ أكثر ما يربك أي قرار هو الفهم الخاطئ له، واليوم لا يزال الكثير من متابعي تطورات الشأن الاقتصادي يعدون اللجوء لمبدأ تحرير الأسعار من منظور تراجع الدولة عن دورها وتدخلها الإيجابي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية حسب توصيف أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور عابد فضلية للواقع، مشدداً على أهمية دور الرقابة بصفتها نوعاً من التدخل الايجابي المشروط بتنظيم وضبط السوق وتوفير المناخ للمنافسة ودعم أسعار بعض أنواع السلع التي تراها ضرورية لحماية الشرائح الضعيفة وذوي الدخل المحدود.

  • توقعات بوجود تحسُّن ملموس في كتلة الرواتب والأجور في المدى القريب

كما أن للتدخل الحكومي في تسعير السلع مبرراته برأي فضلية، في حال كانت هذه السلع أو مدخلات إنتاجها مستوردة من القطاع العام، وعدا عن ذلك فإنه لن يسفر عن فرض أسعار إدارية على منتجات القطاع الخاص إلّا مزيد من الإرباك في السوق.

في حين لا تزال فكرة اللجوء لتحرير أسعار المواد تستوجب العديد من الشروط برأي الخبير في الشأن الاقتصادي حازم عوض، وعلى رأسها فتح الأسواق للجميع و بالآلية نفسها وبشكل متساوٍ.

حلقة مكملة

لا شك في أن ما تقوم عليه إجراءات منح الاستيراد يتضمن بصورة خاصة بضائع ذات منشأ سعودي، والذي يؤكد حسب رؤية شهدا لما سيتم العمل به على السماح لأي تاجر سوري موجود في السعودية ومرخص لشركة استيراد أي من المواد في العالم، ومن ثم تصديرها كبضائع إلى سورية، والذي بدوره سيعكس انخفاضاً بالتكاليف وتسهيلاً لانسياب المواد التي تحقق متطلبات السوق الحقيقية، لذا فالتركيز على المنشأ السعودي سيُنتِج حالة تتناسب وترتبط بالورقة السياسية، المرتبطة أصولاً بالشحن الدولي.

  • لا يزال الكثير من متابعي تطورات الشأن الاقتصادي يعدّون اللجوء إلى مبدأ تحرير الأسعار من منظور تراجع الدولة عن دورها وتدخلها الإيجابي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية

فالجميع يعلم بالحدود البريَّة لسورية، وخطوط النقل الدولية العابرة من تركيا مروراً بسورية إلى الأردن والسعودية، لذا فخروج البضائع من السعودية لأوروبا أو تركيا براً، سيجعل من خروجها بالواقع من السعودية- الأردن- سورية- تركيا، لذا فخريطة اليوم حسب توصيف شهدا لطريق التبادل بين السعودية وتركيا سيكون مروراً بالبحر الأحمر باتجاه قناة السويس ودخولاً بالبحر المتوسط وصولاً لميناء مرسين، وهو مكلف أكثر من الشحن البرِّي، لذا فالعمل على تفريد الطريق الدولية بين تركيا- سورية- الأردن- السعودية مرتبط بالمفاوضات السياسية الأخيرة بين سورية وتركيا.

  • خروج البضائع من السعودية إلى أوروبا أو تركيا براً سيجعل من خروجها في الواقع من السعودية- الأردن- سورية- تركيا

والنتائج اليوم رهن الورقة السياسية التي يتم العمل ضمنها اقتصادياً برأي الدكتور عابد فضلية، الذي أرجع أهمية توقيت قرار الاستيراد لارتباطه بقوة بما يتم العمل عليه لتأمين المناخ الإيجابي لعودة التبادل بين البلدين، فالاستيراد من السعودية من دون معوقات وقيود هو أكثر أهمية لقطاع الأعمال السوري، وأكثر فائدة أيضاً للجانب السعودي برأيه، باعتبار أن مستوردات السوريين من السعودية محدودة نسبياً، وعلى رأسها بعض المواد الخام مثل الحبيبات البلاستيكية من شركة “سابك”، أما صادراتهم إلى السعودية فهي كثيرة نسبياً ومتنوعة وعلى رأسها سلع غذائية ونسيجية.

عائد اقتصادي

وهنا ستبرز الأهمية الاقتصادية لقرار الاستيراد من السعودية بتحقيق موارد لخزينة الدولة من “الترانزيت”، وتسهيل عمليات الشحن وخفض التكاليف، والذي لابدّ أن يعكس مستقبلاً قرارات استيراد تخص تركيا أيضاً.

ولأن ما تقوم عليه فكرة العمل على استيراد البضائع من السعودية هو دفع عجلة الإنتاج والنهوض بقطاعات العمل كافة في البلاد، والتي تبنى بشكل رئيس على توفر مستلزماتها الأساسية، قدم الخبير في الشأن الاقتصادي حازم عوض رؤيته بالسماح للقطاع الخاص باستيراد المحروقات أو النفط، التي من الممكن الاستفادة من نقلها براً وبشكل أسهل وأسرع من السفن البحرية، الأمر الذي سيساعد القطاع الصناعي والإنتاجي على العمل في مواجهة العقبات الكبيرة التي تلامس هذين القطاعين بصورة خاصة.

ولكون الكهرباء لا تزال العصب الأول والمحرك الرئيس لكافة الأعمال، يجد عوض بأن لهذا القرار دوره في دعم فكرة توليد الكهرباء بالطريقة التقليدية عبر القطاع الخاص أيضاً، وبما يتماشى مع تعليمات المرسوم الصادر مؤخراً الخاص بقطاع الكهرباء.

فالاتجاه اليوم نحو السعودية يعد خطوة صحيحة برأي عوض، لأهمية هذه الدولة بما تحويه من غاز ونفط وصناعات كيماوية وبتروكيماوية.

انفتاح أكبر

كما أنه وفي النظر لمُعطيات الحِراك السياسي، سنجد بأن الهدف هو فتح الحدود مع تركيا برأي شهدا، التي بدورها ستُسهِّل عملية ربط الشحن، فالتجارة يجب أن تأخذ مسارها بالرغم من تعقيدات المشهد السياسي، الذي سيصل لحل متوازن ينعكس على الواقع الاقتصادي، ما يقتضي وضع سيناريوهات لعدة حلول جذرية من أطراف خارج إطار الحكومة برأيه، والذي تشير إليه مُجريات الأمور والتطورات الأخيرة في الساحة.

  • الاستيراد من السعودية من دون معوقات وقيود هو أكثر أهمية لقطاع الأعمال السوري وأكثر فائدة أيضاً للجانب السعودي

ولأن ما يتعلق بنجاح أي قرار يستلزم تأمين شروط نجاحه، طالب شهدا بإلغاء مبدأ التمويل للمستوردات عبر المنصة، على اعتبار أن معظم التُجَّار السوريين ولاسيَّما المقيمين منهم لديهم حسابات في المصارف السعودية، وحاصلين على تسهيلات منها، بحيث يتم استيراد البضائع وإدخالها للمناطق الحرة في السعودية، ومن ثم تصديرها لسورية.

وفي إشارة من الخبير الاقتصادي عامر شهدا حول تداول احتمالات طرح الليرة السورية في السوق كنتيجة حتمية لارتفاع المستوردات، نفى هذا الاحتمال باعتباره غير دقيق، ولكون الكتلة النقدية التي يتم تدويرها في السوق تخضع لقانون الدوران كما أنها مُراقبة ومضبوطة من المصرف المركزي نفسه، فلن تحصل الزيادة إلّا في حال الإصدار من المركزي، وهو صاحب القرار بذلك.

فالمستوردات ستُحفز المواطنين لطرح أموالهم المكتنزة في المنازل برأي شهدا، فالتساؤل هنا غير منطقي وحلوله موجودة إن حدث، وفي موازاة ما تم الحديث عنه يعود شهدا للتأكيد بأنه لنجاح قرار الاستيراد، لابدّ من دعم السوق بهجمة استهلاكية ترتقي لمستوى حجم الاستيراد وإلّا سيكون الفشل حليف أي قرار ممكن أن يُتخذ بهذا الاتجاه.

بارعة جمعة – تشرين

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]