تحدي معنوي بطعم اقتصادي من العيار الثقيل أمام الحكومة…إعادة بلورة الطبقة الوسطى هاجس بعد تأمل؟!

 

 

 

كانت قد وصلت نسبتها إلى نحو 80% قبل الأزمة، بهذه المعلومة التي أعلنها الرفيق محمد شعبان عزوز عضو القيادة القطرية – رئيس مكتب العمال القطري، خلال انعقاد مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال أيار الماضي، كان قد فُتح ملف الطبقة الوسطى في سورية، كيف كان حجمها ودورها وأين أصبحا بعد أربع سنوات من عمر الأزمة، لكن للأسف لم يتم تسليط الضوء على هذا الملف المهم والخطير في دلالته وأبعاده وآثاره من الإعلام ولا حتى من معدّي الاستراتيجيات وأصحاب القرار الاقتصادي والاجتماعي.

ولعل عدم الخوض في هذا الملف مردّه إلى ما تشكّله الطبقة الوسطى من ثقل في توازن المجتمع، انطلاقاً من تعدّدها وتنوّعها حيث تعدّ القاعدة الصلبة الأساس لأي مجتمع وفقاً لخبراء الاقتصاد والسياسة والاجتماع.

كما يؤكد المختصون أنه كلما كانت الطبقة الوسطى هي الأكثر عدداً بين طبقات المجتمع، فإن المستقبل سيكون واعداً وقادراً على بناء الإنسان وخلق تنمية متوازنة، تجعل من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أكثر استقراراً وصلابة.

انطلاقاً مما تقدّم، نفتح هذا الملف الشائك انطلاقاً من أن إعادة الإعمار وعلى خلاف ما يفهمه الكثيرون أو لا يريدون أن يفهموا أنه ليس فقط إعادة ما دمّر من آلة وحجر وزرع وشجر، وإنما البناء الحق يبدأ من إعمار البشر والعلاقات الطبقية الاقتصادية بين شرائح المجتمع، على أساس التكامل لا التناقض أو الإلغاء.

إعادة للحساب..

وبفتحنا هذا الملف نتطرّق –من باب الإشارة– أولاً إلى تساؤل يجب طرحه، ويمثل نوعاً من المراجعة السريعة، وهو: ما دام للطبقة الوسطى هذا الأثر والتأثير الكبيران في توازن واستقرار المجتمع على الصعد والمستويات كافة، فلماذا لم يكن لهذه الطبقة فعلها الحامي ممّا تعرّضنا له؟! لا شك أنه كان هناك خلل كبير لعل أحد تجليّاته أن ما تتصف به الطبقة الوسطى لم يكن حقيقياً وفاعلاً، وإنما شيء آخر من العلاقات التي توحي بوجودها شكلاً لا مضموناً.

هذه القضية باعتقادنا يجب أن تحظى باهتمام حكومي وغير حكومي بالغ وواسع يشترك في دراستها وتحليلها وإعداد ما يلزم ويطلب من الآن وليس بعد أن تهدأ الأمور، كما نرى أنها قضية تستحق مكانة الأولوية في خططنا واستراتيجياتنا الاقتصادية والاجتماعية، إذا ما أردنا لإعادة الإعمار أن تكون سليمة وصحية.

التعريف التقليدي للطبقة الوسطى هو أنها الطبقة التي تقع بين الطبقتين العليا والدنيا أي في أواسط الهرم الاجتماعي، فحسب عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، الطبقة المتوسطة هي الطبقة التي تأتي اقتصادياً واجتماعياً بين الطبقة العاملة والطبقة العليا.

 

تباين واتفاق

أحد أساتذة الاقتصاد السوري رأى، عند سؤالنا له عن الموضوع، أن مصطلح الطبقة الوسطى هو مصطلح “رجراج”، ما يعني أن هناك اختلافاً في وجهات النظر لما لهذه الطبقة من خصوصية تبدأ من التعريف وكيفية قياسها ومدلولات ديناميكياتها، بالإضافة إلى كونها الطبقة التي يشير تناميها واتساعها إلى مدى نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية في تحقيق العدالة في توزيع الدخل وتنمية المجتمع كله.

ووفقاً لرأي مختصين، تنقسم الطبقة الوسطى إلى طبقة وسطى عليا وطبقة وسطى متوسطة وطبقة وسطى دنيا، ويفرّق بينها مستوى الدخل والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية، ومع ذلك يوجد قاسم مشترك بين مختلف فصائل الطبقة الوسطى، هو أنها جميعها تكسب دخلها بعرق جبينها، فهي الطبقة التي يفترض أن تنتج معظم السلع والخدمات؛ أي الناتج المحلي الإجمالي، في الاقتصاد.

وبذلك تكون لها أهمية اقتصادية كبيرة لكونها المحرّك الاقتصادي الأساس في الإنتاج والاستهلاك، وخاصة أن الفئة الدنيا من الطبقة المتوسطة قريبة من خط الفقر، وتؤثر فيها القرارات الاقتصادية كإزالة الدعم أو رفع الرسوم والضرائب فتنتقل بكل سهولة وبشكل مؤلم من الطبقة الوسطى إلى الفقيرة، وهو أمر له مردودات خطيرة وخاصة في ظل ما نشهده من تحوّلات صعبة، في ظل تدنّي النمو في الدخل وتنامي البطالة وغير ذلك، وما يؤكد ذلك مؤشر الدخل الاسمي أو المقاس بالليرة وبأسعار السوق.

ثم إن التضخم الناتج في كلف الإنتاج بسبب زيادة أسعار المدخلات كأسعار المحروقات وارتفاع أسعار المواصلات وأسعار الطاقة والكهرباء، يقلل من القيمة الحقيقية للدخل، بينما تقلل الضرائب والرسوم من الدخل المتاح (مستوى الدخل المتبقي بعد الضرائب والرسوم).

 

مؤشرات للتأهب

مؤشرات لا شك أنها يجب أن ترفع حالة التأهّب لتكون هناك حلول للعمل على إعادة ترميم ما لحق بالطبقة الوسطى من تشوّهات كبيرة، لذلك نرى ضرورة قصوى لإعداد برامج قادرة وفاعلة تعيد إلى ذلك المفصل الميزان دوره وتأثيره، قطعاً للطريق على أية محاولة من شأنها التسبّب بما لا تُحمد عقباه.

مؤشرات توجب على راسمي القرار عندنا الحفاظ على طبقتنا المتوسطة، التي تآكلت كثيراً نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء وتدني الرواتب، واقع يفرض على الحكومة تبني الأعمال والأفكار الإصلاحية والإنمائية وفق مشاريع محورها الطبقات الوسطى ورفع مستوى الطبقات الفقيرة لكي يتحقق الأمن والاستقرار المجتمعي.

 

حان الوقت..

أعتقد أنه يتوجب على مؤسساتنا الرسمية والشعبية تقديم خطط عملية تتوافق مع المرحلة الراهنة، والمسارعة إلى العمل معاً لوقف تآكل الطبقة الوسطى، وفق برامج مؤثرة تعيد بناء المجتمع وفق سياسة اقتصادية متوازنة تتمكّن من الترميم وتساعد على تكوين قاعدة أساس صلبة للمجتمع.

الأكيد أنه كلما كانت الطبقة الوسطى هي الأكثر عدداً بين طبقات المجتمع، فإن المستقبل سيكون واعداً وقادراً على بناء الإنسان وخلق تنمية متوازنة، تجعل من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية أكثر استقراراً وصلابة، ويكاد يجمع كل الباحثين على أن الطبقة الوسطى تاريخياً، هي بمنزلة صمّام الأمان لأي مجتمع بشري، وكلما زاد عدد هذه الطبقة وحجمها، شكّلت مصدراً مهمّاً للاعتدال والأمن والأمان المجتمعي، لأنها مرتكز رئيسي في الحراك المجتمعي لارتفاعها عن حال العوز، ما يمنحها الاستقلالية وثبات المواقف، والشراكة في مسؤولية بناء الدولة ومحاسبة الحكومات.

الخبير السوري – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]