يقظة متأخرة للحكومة على مليارات وفر السخان الشمسي …”أن تأتي متأخراً” على محك التوبة وليس التسويف؟!!

 

 

يبدو أن حال الحكومة كحالي، فرغم النصيحة الدائمة الترديد على مسامعي بأن أشتري “بطاريات وليدات” لتأمين الطاقة الكهربائية خلال فترات تقنينها أو انقطاعها، لكنني لا أصغي لتلك النصيحة علماً أنها خيار في محله مالياً وفنياً، ومع ذلك من حيث المبدأ أنا لست معه، ولكن المفحم لي والذي جعلني آخذ بالنصيحة مجبراً، يكمن بالعبء المالي المترتب على شرائي كل أسبوعين كيساً من الشمع بسعر وصل إلى أكثر من 750 ليرة سورية.

وقبل الولوج لما نريد طرحه في هذه المادة، نوضح أن سبب تمنّعنا عن استخدام البطاريات والليدات وخلاف ذلك مما يعمل على الشحن، مردّه أولاً: عدم الثقة بجودة تلك الأشياء المستوردة وبالعملة الصعبة، حيث لا يحكمها -أي الجودة- أية اشتراطات أو مواصفات بشكل عملي، الأمر الذي ينعكس على تدني عمرها الاستثماري، ناهيكم عن أن تلك التجهيزات بما تحويه من مواد كيميائية تشكل ملوّثات شديدة الخطورة على البيئة، وخاصة إن لم يكن هناك معالجة لأعدادها الكثيرة التي ترمى بعد انتهاء عمرها القصير وهذا ما يحصل حالياً.

أما السبب الثاني فمردّه إلى التكلفة المالية التي سندفعها مباشرة ثمناً لاستخدام تلك التقنية التي هي في أقل تقدير تحتاج إلى أكثر من 12 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل ثلث راتبي الشهري المقطوع، وتحقيق ذلك لا يزال عائقاً في ضوء استعصاء معادلة “الدخل والإنفاق” عن الحل وتوفير ذلك المبلغ.

المشكلة الدائمة

وبالعودة إلى ما بدأنا به “حال الحكومة كحالنا”، سنبيّن تقاطعنا في خطأنا المرتكب، الذي يرجع السبب الرئيس فيه إلى مشكلة التكلفة وبالتالي التمويل، وهذا على ما يبدو معضلة أو بالأصح حجة لي كي أتأخر عدة سنوات في تركيب ما نُصحت باستخدامه. أما بالنسبة للحكومة فكان خطؤها (ليس بعدم استخدام البطاريات والليدات..)، بل في تأخرها في تطبيق مشروع نشر السخان الشمسي سنوات طويلة، ما كلفها الكثير مما كانت ستوفره لو تم توطين المشروع، وللعلم كانت الحكومة نفسها قد أعلنت معترفة أن تطبيقه سيؤدّي إلى تخفيض كبير في استهلاك المازوت والكهرباء من جهة، وإلى خفضٍ أكبر في المليارات التي تذهب لدعم المحروقات من جهة أخرى.

عودة حليمة

واليوم ها هي رئاسة مجلس الوزراء تطلب من وزارة الصناعة تشكيل لجنة برئاسة وزير الصناعة وعضوية ممثلين عن وزارات (الكهرباء – الصناعة – الاقتصاد والتجارة الخارجية) مهمّتها دراسة موضوع دعم وتوطين صناعة السخان الشمسي، بغرض الإنتاج المحلي (عام خاص) والاستهلاك بما يحقق الجدوى الاقتصادية واقتراح الآليات لذلك والتعديلات التشريعية المطلوبة ورفع الموضوع بمذكرة متكاملة للعرض مجدداً على اللجنة الاقتصادية للنظر وإقرار ما يلزم بهذا الخصوص.

الجدير بالذكر أن طلب رئيس مجلس الوزراء جاء وفقاً لتوصية اللجنة الاقتصادية رقم 44 وذلك بعد دراسة حيثيات الموضوع خلال الجلسة المذكورة وتأكيد أهمية توطين هذه الصناعة.

سنوات على الكلام!

بدورنا وقبل أن نطلب نسأل السؤال ذاته الذي طرحناه منذ سنوات، هل الحكومة جادة هذه المرّة بتعميم السخانات الشمسيّة؟.

نسأل لأنه سبق للحكومة أن تبنّت في عام 2007 مشروع تمويل تركيب مليون سخان شمسي، لكن سرعان ما غضّت النظر عن هذا المشروع ووضعته في أدراجها بذريعة عدم وجود مصادر لتمويل تركيب مليون سخان شمسي، علماً أن هذه الذريعة لم تكن دقيقة إن لم نقل غير صحيحة آنذاك.

كما أن الحكومة كانت وبعد خمسة أعوام في 10/10/2012 وافقت على إحداث صندوق لدعم السخانات الشمسيّة بناء على الدراسة الفنيّة والجدوى الاقتصادية لوزارة الكهرباء، وأعلنت يومها أنها ستقدّم بموجبها منحة بقيمة 50% من سعر السخان الشمسي المستخدم في المنازل على ألا تتجاوز قيمتها 20 ألف ليرة سورية.

بالحساب

آنذاك بدا أن الحكومة جادة بدليل أنها كانت قد رصدت مبلغ 2 مليار ليرة لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع المتضمّنة دعم 100 ألف سخان وكان يفترض توزيعها خلال عامي 2013- 2014؛ ويومها تساءلنا: هل يكفي مبلغ ملياري ليرة لإطلاق مشروع اقتصادي موفر مهم للطاقة وصديق للبيئة؟.

المبلغ الذي رُصد لم يكن يكفي يومها سوى لتركيب 50 ألف سخان وخلال عامين، على اعتبار أن متوسط سعر السخان الشمسي 40 ألف ليرة، ما يعني أن الحكومة عازمة على إطلاق مشروع دائم لتركيب سخانات شمسية مجانية إلزامية أو بأسعار رمزية، انطلاقاً من حجم الوفر المالي الذي يصل إلى 3 مليارات ليرة من تركيب 100 ألف سخان وفق أسعار الطاقة قبل الأزمة.

وأيضاً يعني أن الحكومة ليست بحاجة إلى رصد اعتمادات جديدة في موازناتها العامة لدعم تركيب السخانات الشمسيّة بنسبة 50% من ثمنها، وحينذاك وحسب وزارة الكهرباء كان بمقدور الحكومة أن تقوم بتركيب 75 ألف سخان شمسي مجاناً سنوياً دون تحميل خزينة الدولة قرشاً واحداً.

أما حالياً فسيكون عذر الحكومة كما فعلت عام 2007: “لا يوجد لدينا مصادر لتمويل مثل هذا المشروع”، تمويل لا شك أن حجمه تضاعف كثيراً بسبب الأزمة، الأمر الذي يفترض من الحكومة البحث عن مخارج تمويلية تستند إلى قاعدة “ما دام الكل سيستفيد فيجب على الكل أن يشارك”.

عقدة التمويل

وعليه فإن كان التمويل هو العقدة التي تحول دون تنفيذ هذا المشروع الوطني، بعد أن استكمل قانونه بتعليماته التنفيذية، وانطلاقاً من أنه مشروع يصبّ في مصلحة جميع الأطراف، فإننا نطرح إنشاء مؤسسة أو شركة مساهمة تستثمر في صناعة السخانات الشمسية ويكون تمويلها من خلال المواطنين أنفسهم على أن تكون تحت إشراف إدارة حكومية، ما يعني أن عقدة التمويل ستسقط، وبعبارة أخرى العمل على التمويل الذاتي من المواطن وإلى المواطن، مع أهمية أن يكون للحكومة دور وحصة قادرة من خلالها على التدخل لدعم السخان الشمسي، دعم وفق مفهوم التمويل المطروح يقلّص كثيراً ما يترتب على الحكومة من أعباء مالية بحكم ظروف الأزمة.

الخبير السوري – البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]