الدكتور دريد درغام : الاقتصاد علم براغماتي لا يعرف المعجزات ..إذا أردت أن تعرف .. عليك أن تعرف ماذا يحصل في اليونان ؟ تركيا ومصر ولبنان .. وماذا حصل في اليونان

الخبير السوري:

منذ أزمة 2008 وصولاً إلى “موضة” كورونا عمدت الدول إلى توجهات مختلفة منها:

  • إنعاش منتجين متعثرين بشراء ديونهم وبتخفيض غير مسبوق للفائدة وديون ميسرة عموماً (أزمة 2008) واستلزم الأمر عدة سنوات لاستعادة القروض بأرباح أكبر (تجربة الولايات فاقعة بهذا المجال).

  • إنعاش المستهلكين بمخصصات غير مسبوقة من رواتب العاطلين عن العمل أو متمماتها ومساعدات مجانية جعلت الغرب في بعض الملامح أقرب إلى الاشتراكية مما هو موجود في البلدان الاشتراكية ذاتها.

  • بلورة رؤى وخطط خمسية مختلفة بالبحث عن تحالفات جديدة وتموضع اقتصادي مختلف مع التغيرات الجذرية بالظروف الإقليمية والدولية (البريكسيت مؤخراً والتحالفات الإقليمية والدولية التي نلحظها في الشرق الأوسط عموماً بما فيها الضغوط التي تتعرض لها دول عربية مختلفة)

  • الهروب إلى الأمام في الكثير من دول الغرب وبعض الدول البازغة من خلال برامج إعمار وبنية تحتية طموحة في مختلف المجالات (عودة حديثة إلى السياسات الكنزية) ولكن بانتظار معرفة وضوح التوجهات على المستوى الإنساني الكلي.

  • اعتقاد البعض وبالأخص تركيا بإمكانية تقليد نمور آسيا وخاصة الصين من خلال تشجيع التصدير لتنمية الاقتصاد وخلق فرص عمل. والبعض يشجع التصدير العشوائي وفي جميع الأحوال يجب الانتظار للتأكد من وضوح الرؤية حول القطاعات التي تستحق الدعم لتكون قاطرة لغيرها ومتى وإلى متى. • الاعتماد على الخارج بالمساعدات والديون والودائع لتمويل عجز تجاري مزمن أو تمويل مشاريع بنى تحتية وعقارات تحقق نمواً كاذباً إن لم تترافق ببنية أعمال سليمة ونشاط إنتاجي مستدام.

فيما يلي بعض الطروحات التي تستحق النقاش:

يوجد تناقض بين دول تعتمد سياسات إقراض رخيص مما يسبب في بعضها تقهقر سعر الصرف بينما في الأخرى يكون ثابتاً وفي بعضها تنخفض النفقات العامة للحكومة بينما تزيد في البعض الآخر؛ في بعضها لا تواكب الرواتب التضخم فتكون التنمية على حساب الجموع. وتشكك تقارير دولية باستمرارية الانتعاش المصري، وبعضها يعتبر السياسات التركية غير موفقة وتعاكس مسلمات الاقتصاد..

وفي الاقتصاد لا يجوز التسرع في الأحكام فكم من تجارب مرت وأكدت أن البعض نجحوا في سياسات غير تقليدية في نهضة شعوبهم. لذا لا يجوز التسرع بالحكم على نتائج سياسات الدول وهنا نأخذ بعض الأمثلة عن دول تتوافر بعض المعلومات عنها.

  • ففي مصر خدمة الدين ترهق موازنتها (30% منها لتسديد المديونية سنوياً حيث ارتفع الدين الداخلي إلى ما يقارب 70% من الناتج المحلي والدين الخارجي إلى حوالي 20%).

وقد يكون أحد أسباب انخفاض الاستثمارات الخاصة فيها عما كانت عليه قبل سنوات هو حقيقة كون فوائدها الحقيقية هي الأعلى مقارنة بدول مثل روسيا والبرازيل وتركيا والولايات المتحدة.

ورغم مخاطر سحب الودائع الدولارية إلا أنها تحافظ على ارتفاع مقبول نسبياً بالتضخم ومعظم مواردها بالعملة الأجنبية من الصادرات (40% من الحساب الجاري حيث نسبة ضئيلة منها للمنتجات النفطية أو الغازية) ومن تحويلات المصريين من الخارج (حوالي 20%). ويبقى التحدي المصري في إمكانية توفير تنمية اقتصادية تسمح سنوياً بتوفير العمل لمليون عامل جديد يدخل سوق العمل في مصر (أصبح سكان مصر أكثر من 100 مليون).

  • أما لبنان فقد تأثر نتيجة أزمته الاقتصادية حيث تعاني مليون عائلة من الفقر من أصل 1.2 مليون عائلة وتشير منظمة الإسكوا إلى أنه لو قامت الشريحة الغنية سنوياً بتخصيص 2% فقط من صافي ثروتها لاختفى الفقر من لبنان. وفي هذا البلد الذي تقدر مصادر التيار خسائر قطاعه المصرفي والمالي بحوالي 69 مليار دولار، نجد أن المشكلة من طبيعة خاصة أمام دين عام (داخلي وخارجي) من مرتبة 97 مليار دولار وأمام اقتصاد تهيمن عليه الخدمات (المصارف خصوصاً).

  • أما في تركيا فقد يكون تصنيفها بي بي سلبي مبدئياً، ولكن مع أنها صنفت كذلك في الأعوام 2005 و2007 و2009 لم يمنع ذلك نهوضها المعروف سابقاً. حالياً قد يقول البعض أن من يطرح عملته للعرض والطلب ويرى في انخفاضها تشجيعاً للتصدير (180 مليار دولار بالسنة: 28% من الناتج) وإنعاشاً للاقتصاد فإنه يتناقض مع نفسه عندما يتدخل بالسوق لرفع سعر عملته.

ومن لا يحبذ استقلالية المصرف المركزي ويغير ثلاث حكام له منذ تموز 2019 قد يكون عليه تعيين إدارة موحدة للمالية والمركزي كونها تقاد بالعقلية نفسها. وفي كل الأحوال قد تعطي تجربة اليونان في مديونتها أحلاما أكبر لتركيا بالمناورة على التحالفات الجديدة والجغرافيا والقدرة على المناورة. وقد يكون رفع الحد الأدنى للأجور قبل يومين بنسبة 50% قد خفف كثيراً من غضب الشارع التركي.

وإذا كانت اليونان قد انتهت مغامرتها قبل عشر سنوات وخضعت لجراحة أوروبية أدت إلى تخفيض ناتجها وحصة الفرد فيها أعادتها إلى مستويات تنموية تتلاءم مع إمكاناتها؛ يبدو أن بعض الدول تتصرف وأملها بحدوث معجزة لكن بالختام ومها طال الزمن ستخضع للجراحات التصويبية والعلاجية تعيدها إلى مستويات تناسبها.

يقول مختصون أن السياسة النقدية تخدم السياسات الاقتصادية بشكل غير مباشر وتدعم الاقتصاد ولكن في جميع الأحوال لا يمكنها أن تخلق اقتصاداً كما لا يمكن للعملة منخفضة القيمة أن تخلق صادرات وإلا لكانت زيمبابوي ومثلاتها أكبر الدول المصدرة بالعالم. تسعى كل الدول لتثبيت سعر الصرف والتضخم، وتحرير حركة الرساميل، والادعاء بأن المصرف المركزي فيها مستقل. ولكنها للأسف قد يتحقق واحد أو اثنان منها ولكنها لا تجتمع. وهي أهداف لا يمكن السعي لها أمام غياب أو ضبابية المعلومات. أما إذا لم يتحقق أي من هذه الأهداف، يتوقف الكلام في الاقتصاد والسياسة لأن الاقتصاد السياسي علم يتعامل بالتحليل والتخطيط السليم والمواظبة والتأكيد على المبادرات الفردية وعمل فرق عمل تؤمن بالمواطنة..سيرياستيبس

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]