الإشكاليات القديمة تمنع الدخل المحدود من الاقتراض !

الخبير السوري:

مع كل إعلان عن منح القروض الجديدة، يلاحظ أنه يواجه باعتراض سريع من قبل فئات مجتمعية متنوعة تكشفها المتابعات الدائمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ رغم تنوع القروض وشروطها وسقوفها تأتي معظم التفاعلات سلبية ، إن كان لجهة الشروط بما يخص الكفلاء أو الضمانات المطلوبة وبطء إنجاز المعاملة، أو لجهة ارتفاع القسط الشهري اللازم مقارنة بالدخل المتواضع للعاملين في الدولة، وكذلك نسب الفائدة المطبقة، لتشي سرعة الانتقادات – سواء كانت محقة أم لا – للوهلة الأولى بفقدان عامل الثقة بين المواطنين، وما يصدر عن الجهات الحكومية وقدرتها على اجتراح حلول كفيلة بتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، أو لجهة أداء أو ترجمة الجهات المعنية لقرارات صائبة دون أن تعرقل مسارها بتعليمات تنفيذية تخفي الكثير من التعقيد.

وعلى الرغم من تأكيد المصارف على ارتفاع نسب المستفيدين من القروض الحالية وارتفاع مؤشر التوظيفات في المصارف – ففي التجاري السوري بلغ عدد المستفيدين من القرض الشخصي عشرة آلاف مقترض بمبلغ إجمالي 38 مليار، وبلغ عددهم في التسليف الشعبي 220 ألف، وأرصدة قروضهم الممنوحة نحو 80 مليار – إلا أنها لا تزال تشكل نسبة ضئيلة قياساً لحجم الفئات المستهدفة أو عدد العاملين في الدولة والذي يقدر بمليون ونصف دون أن يشمل عدد العسكريين، أو الفئات ذو الدخل المنخفض من أصحاب العمل الحر.

حاولنا رصد ما يقوض جهود المصارف في انتشار قروضهم علّها تكون خطوة في بناء صيغة تفاهمية مبسطة تفيد الطرفين وتلغي المعيقات ليبنى عليها شروط الإقراض ما لم تعارض الفكر المصرفي، ففي القروض المطروحة من التسليف الشعبي مؤخراً –رغم أهميتها – والتي تنص على فتح السقوف، إلا أن معظمهم قابلوا تطور قروض التسليف الشعبي من سقف مليوني ليرة إلى سقف تحدده نسبة الـ40% من رواتبهم باعتراض واسع، لأن القرار أعاد إشكالية الكفلاء بطلبه لكفيلين لقرض بمبلغ يفوق ثلاثة ملايين ليرة، وذلك بعدما تم اعتماد كفيل واحد لقرض المليونين، واعتبارها عرقلة جديدة سيما وأن تأمين الكفلاء قضية شائكة أمام المقترضين فالجميع يرغب بالقرض وما يبقى من راتبه قد لا يغطي بالحد الأعلى سوى كفالة واحدة والقرار يشترط أن تغطي ما نسبته 40% من رواتبهم قيمة القسط الشهري مع الفائدة ويعاملون معاملة المقترض وهم كفلاء، وفي هذا السياق بين مدير عام مصرف التسليف الدكتور نضال العربيد أن ارتفاع قيمة القرض يرافقها زيادة في المخاطر لذلك أقر بوجود كفيلين بدلاً من كفيل، لكنه نوه إلى أن الفترة الحالية تعتبر “فترة تجريبية” سيتم رصد أية إشكاليات تحد من انتشار القروض ويتم معالجتها لاحقاً بقرارات مجلس الإدارة.

وينسحب الأمر على القرض الشخصي للمصرف التجاري، رغم سهولة شروطه وحرص المصرف على تسريع وتيرة العمل به وارتفاع سقف لغاية الخمسة ملايين بكفالة الموظفين وعشرون مليون بضمانة عقارية، إلا أن شريحة من الراغبين بالتمويل بينوا أن نسبة الفائدة المطبقة 12% على قرض بثلاثة ملايين ليرة هي نسبة عالية لذوي الدخل المحدود، سيما وأن القروض المقدمة من التسليف الشعبي لهم تمنح بفائدة 7% فقط، وبحساب بسيط ستكون الفائدة على قرض بسقف ثلاثة ملايين تقريباً 360 ألف ليرة، وسيواجهون مشكلة أخرى إذ سيبلغ القسط الشهري 56 ألف ليرة، أي سيبقى للمقترض نحو  44 ألف ليرة من راتب بقيمة 100 ألف ليرة يتابع بها تكاليف معيشته، وهي معضلة جديدة إن لم تكن الغاية من القرض استثمارية “ديون أو مستحقات مستعجلة” لصالح مشروع متناهي الصغر ويوفق في إنجازه، وبالتالي تظهر إشكالية أخرى أمام المقترض هي عدم كفاية القرض لمشروع مولد للدخل ليتغلب بموجبه على هزالة ما تبقى له من راتبه.

كما حاولنا رصد قبول قروض التمويل الأصغر والتي تقدم قروض بسقف يصل إلى 30 مليون ليرة حسب ترويجهم، إلا أن واقع الأمر هو أن المشاريع المنزلية التي يمكن أن تكون ضمانة أو سبب للمنح ستحظى بقرض قيمته لا تتجاوز المليوني ليرة وعلى دفعات وهناك مصارف تعطي أقل من هذا السقف، أما السقف المعلن عنه يتطلب مشروع قائم -إذ لا يمولوا الفكرة- وشبه جاهز بفواتير نظامية ورخص رسمية ومكان عمل وإلى ما هنالك من أوراق ليست في حوزة محدودي الدخل، وبالتالي فكرة التمويل الصغير مازالت قائمة على أن يكون المصرف شريك عمل وليس ممول لأصحاب المهارات التي تحفز أصحابها بتحويل مشاريعهم إلى واقع، ما يتنافى مع واقعهم وتطلعاتهم، والنتيجة ما يتاح لموظفي الدولة هي قروض بسقوف لا تتجاوز 3 ملايين بكفيل واحد، غير كافية لمشاريع إنتاجية وتسبب عبء مادي ثقيل لتلك الشرائح على رواتبهم المتهالكة لذلك تقابل أحياناً بالإعراض عنها.

البعث

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]