تنبؤات بنظام عالمي جديد بعد الجائحة الكبرى..

الخبير السوري:

في نظرية الفوضى تُحدث الفراشة أثرًا صغيرًا قد ينتج عنه عواقب هائلة لا يمكن التنبؤ بها، حشرة ترفرف بجناحيها وبعد أسابيع تتسبب في إعصار، يمثل فيروس كورونا هذا الأثر إلى حد كبير مع توابعه التي ستعيد تشكيل العالم باستمرار.

سوف يمر العالم في “ذروة الفيروس” في غضون الشهور الستة المقبلة، لكن الاقتصاد والحكومات والمؤسسات الاجتماعية ستستغرق سنوات للتعافي، وستذكرنا الأعوام الثلاث إلى الخمس المقبلة بأن كوفيد -19 كان البرق قبل الرعد.

إن السيناريو الأكثر وضوحًا هو أن السلالات المتعددة الموجودة من كوفيد-19 حول العالم ستستمر في تدمير المجتمعات ليصبح البحث عن لقاح أكثر صعوبة، وستكون بعض البلدان محصورة إلى أجل غير مسمى من التبادل المادي مع الآخرين، وستواجه محليًا خيارًا مؤلمًا بين إعادة فتح اقتصاداتها وتعريض سكانها لمزيد من العدوى.

علاوة على ذلك، تصل البطالة المحلية إلى مستوياتها العليا، وستحكم المدخرات الاحترازية والاستهلاك الخفيف قرارات الإنفاق الأسري، وسيتراجع الاستثمار التجاري، أما بالنسبة للحكومات والشركات، ستتصاعد الديون وتنهار عديد من الشركات الكبيرة أو يتم توحيدها، وستعاني الصناعات من عمليات إغلاق في مباني المكاتب ومراكز التسوق وشركات الطيران والمطارات.

الانهيار التام للدولة ليس سيناريو مستبعدًا لدول البترول، سوف تتفاقم المجاعة في فنزويلا بفعل انخفاض أسعار النفط، وكما سرَّع هبوط النفط في الثمانينيات من تفكك الاتحاد السوفيتي، فإن انهيار أسعار النفط واحتمالية إلغاء الحج يزعزع أكبر مصدرين للإيرادات في المملكة العربية السعودية، في حين يشهد الواقع الحالي تضاعف معدل الإصابة بالفيروس في إيران بسبب قبضة العقوبات الأمريكية، وتوافد الدول البترولية والدول النامية على صندوق النقد الدولي للوصول إلى تسهيلات الإقراض الطارئ، وسحبت أيضًا احتياطاتها بالدولار الأمريكي لدعم تمويلها ودرء هروب رؤوس الأموال.

سيكون من الصعب على الصين ملء الفراغ نظرًا للصعوبات التي تواجهها مع شركات الزومبي والديون المرتفعة والتحول إلى حالات العجز، فقد امتنعت بكين عن تقديم الائتمان السخي للدول العميلة المعتادة مثل إيران وباكستان، مع تدهور التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وتسعى الصين لإعادة تسعير النفط إلى الرنمينبي، لذا فإن تجزئة النظام النقدي العالمي هو احتمال يجب على جميع البلدان الاستعداد له.

أزمة مهاجرين أخرى

إن التفتت الاقتصادي العالمي وتضاؤل شرايين الحياة الدولية كلها تضمن استمرار الناس في الفرار من الدول الفاشلة. أوضحت تركيا أنها لا تريد إيواء أربعة ملايين لاجئ سوري إلى الأبد، وقد يؤدي تضاؤل الدعم الخليجي لمصر والسودان إلى نزوح جماعي من تلك الدول أيضًا، وبالتالي يجب أن نتوقع عودة أزمة المهاجرين من أمريكا الوسطى إلى المكسيك والشرق الأوسط إلى أوروبا مرة أخرى.

لكن السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو إحياء المنظمات الإقليمية ولدى الاتحاد الأوروبي فرصة لتحقيق الاتحاد المالي الذي يحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى.

ما هي الاستثمارات التي يمكننا القيام بها أو تعميقها اليوم لتخفيف تأثير جائحة الفيروس وتوجيه المستقبل في اتجاه أكثر استقرارًا واستدامة؟

من الواضح أن زيادة الاستثمار في التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية هي أماكن للبدء، لكن لا يمكن تحقيق التوفير الشامل الفعال من حيث التكلفة إلا من خلال نموذج يركز على التطبيب عن بعد والعيادات المحلية ومراكز العلاج. قد يكون توجيه الجهود في هذا الاتجاه حتى في البلدان الفقيرة مثل الهند وإندونيسيا مفيدًا لمعظم دول العالم.

لقد أثبت فيروس كورونا أنه اختبار للقيادة أكبر من أحداث 11 سبتمبر والأزمة المالية معًا، وكان صدمة مروعة حطمت الافتراضات الراسخة بأن التقدم يتحرك دائمًا “إلى أعلى وإلى اليمين”، وأثبت أن التطور، سواء البيولوجي أو الحضاري، هو عملية عشوائية وغير محددة.

 ستظهر عواقب جائحة اليوم بوتيرة متسارعة، لكن باستخدام البصيرة يمكننا محاولة التخفيف منها، والاستفادة منها، وبناء نظام عالمي أكثر مرونة في هذه العملية…أنباء آسيا…رؤى خضور

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]