مهنة منقرضة تعود إلى بيوت السوريين..الحاجة أم الاختراع

الخبير السوري:

تنهمك الخياطة سعاد الخليل ساعات طويلة يومياً في إصلاح المئات من قطع الملابس الممزقة أو القديمة، التي تتراكم فيما يشبه التلة داخل محلها الصغير في مدينة دمشق

وفي خطوات سريعة، تسعى سعاد لإنجاز عملها قبل انقطاع الكهرباء التي تصل للخمس ساعات يوميا، وإلا فإن أكوام الملابس ستحاصرها وستضطر للمبيت في ورشتها الصغيرة حتى يحصل الزبائن على ملابسهم في صباح اليوم التالي.

تحاول سيدة المهمات المنقذة كما يطلق عليها زبائنها أن تخفي باحترافية عيوب الملابس التي تصلحها، ليجنب من سيرتديها أي حرج ويمنحها مظهرا جديدا.

ولتحقيق ذلك ربما تغير ملامح الثياب أو تبتكر تصميما جديدا لها، فثقب في قميص سيتحول إلى وردة مزركشة أو إلى حروف محبوكة بعناية، وحقائب الأطفال الممزقة ستحظى بقطع قماش تتناثر على ثقوبها وتمنحها ألوانا جديدة.

80% يتردد لورشات الخياطة …

تقول سعاد لوكالة أنباء آسيا إن إصلاح عيوب الملابس القديمة ليس بالأمر السهل، ويتطلب تركيزا حتى تستطيع العمل به.

ارتفع إقبال السوريين على إصلاح الملابس خلال الأشهر القليلة الماضية بنسبة تصل إلى 80% عما كان عليه الحال في السابق حيث لجأت الكثير من العائلات إلى تصليح وتضييق ألبستهم القديمة، وفق الخياطة

ويرجع ذلك بحسب سعاد إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع وعدم مقدرة الفقراء على شراء ملابس جديدة، حيث تحتاج إلى مبلغ كبير من المال فيما لا تزيد تكلفة إصلاح الثياب البالية عن الألف ليرة سورية، مبينة أنه لم يعد اللجوء للخياطين لتفصيل الملابس مثل أيام زمان بل للإصلاح فقط.

أقدم خياط في دمشق …

وبينما كان السوري محمود السايس ” 40 عاماً ” يراقب سعاد تحيك بنطال طفلته المدرسي، يقول لوكالة أنباء آسيا انا أحد الأشخاص الذين يترددون لورشة سعاد بعد ارتفاع أسعار الملابس الشتوية للأضعاف

محمود الذي يعمل مدرس لغة فرنسية في إحدى مدارس منطقة المزة بدمشق لا يكفي راتبه إلا لتوفير الطعام ومستلزمات المنزل الأساسية، ولا يستطيع شراء ملابس جديدة لأطفاله كلما تمزقت القديمة فيضطر لإصلاحها مقابل مبلغ زهيد من المال.

ويضيف محمود “كنت أشتري ملابس جديدة لأطفالي كل شهر، لكن الظروف تغيرت ودخلي لا يتجاوز 60 ألف لذلك علينا أن نتدبر أمورنا علة الأمور تصبح أفضل في المستقبل.

جورج العلوي (أبو عهد) أقدم خياط في دمشق ما زال يعمل في المهنة ويحاول أن يتأقلم مع التغيرات التي حصلت على مهنته، فيقول لوكالة أنباء آسيا أعمل في هذه المهنة منذ خمسين عاما، ولكن في السنوات الأخيرة تغير الوضع معنا كثيرا، لذلك حاولت أن أتأقلم مع الوضع وأسست ورشة بسيطة نصنع فيها بنطلونات وقمصانا رجالية وغيرها ونبيعها بسعر مقبول، مع إبقائي على ماكينة الخياطة، حيث أستقبل الزبائن حيث تكثر طلبات التصليح والترميم خلال الفترة الراهنة

ارتفاع الأسعار للضعف …

بالمقابل تشهد أسواق دمشق ارتفاعاً كبيراً في أسعار الألبسة الشتوية مقارنة بما كانت عليه أسعار البضائع على اختلاف أنواعها في العام الماضي، رغم أن معظم البضائع المعروضة ذات منشأ محلي حيث أكد رئيس القطاع النسيجي مهند دعدوش ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية أربعة أضعاف بسبب ارتفاع جميع مستلزمات إنتاجها من المازوت الصناعي واليد العاملة والضرائب.

مضيفاً: إن تأثير رفع سعر المازوت يختلف بين منتج وآخر، فبعض المنتجات يساهم المازوت بـ 60% منها، وأخرى لا تتجاوز مساهمته فيها 10%، إلا أن الاستغلال من بعضهم سيكون عاماً على مختلف المنتجات.

وتابع دعدوش، الباعة ومن خلال رفعهم للأسعار يحاولون التعويض عن خسارات سابقة أو لاحقة، فخلال فصل الصيف تم رفع أسعار الغزول مرتين متتاليتين وهذا له تأثير سلبي على صناعة الملابس.

عكس التوقعات …

أصبح المواطن ينظر إلى شراء الملابس الشتوية على أنه من “مكملات الحياة” والبعض الآخر يقوم بشرائها من الأسواق الشعبية بينما يرفض البعض شراء ملابس جديدة ويكتفي بما لديه من ملابس شتوية خلال الأعوام الماضية.

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور سنان  علي ديب ، تعاني المعامل والمنشآت من انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة، وبالتالي تلجأ إلى الطاقة البديلة عبر المولدات مما يرفع تكاليف الإنتاج مباشرةً كما أن ارتفاع المواد الأولية المحلي منها والمستورد بسبب ارتفاع سعر الصرف انعكس على أسعار الملابس الجاهزة.

وأضاف علي ديب، المتابعون لمهنة الخياطة كانوا يرون أن هذه المهنة ستنقرض حتما في السنوات القادمة، فمن بقي يعمل بها هم من كبار السن فقط، كما أن الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته سورية، بعد عام 2000، وافتتاح فروع لأهم ماركات الألبسة العالمية، ووجود معاهد حديثة تعلم تصميم الألبسة والموديلات، وانتشار عروض الأزياء بشكل دائم، والتي تقدم الجديد في عالم الأزياء، وانتشار موجات التخفيضات على الألبسة، فأصبح الجميع يستطيع الشراء من محلات بيع الألبسة الجاهزة الراقية والشعبية كل ذلك جعل الناس تتخلى عن الخياطين والخياطات التقليديين في تلك الفترة، ولكن جميع هذه التوقعات كانت خاطئة ضمن الظروف الراهنة حيث ازدهرت مهنة الخياطة من جانب واحد وهي تصليح وترقيع الملابس إضافة لازدياد عددهم في العديد من المناطق والأحياء الشعبية في سورية …وكالة آسيا – نور ملحم

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]