“سويسرا الشرق” الجديدة في عيدها الوطني الخمسين..سلطنة عُمان علامة فارقة في النهوض التنموي..

ناظم عيد – الخبير السوري:

لم يعد يوم الثامن عشر من تشرين الثاني مجرّد مناسبة العيد الوطني لسلطنة عُمان يحتفل به الشعب الطيب في بلد بات علامة فارقة في منطقة الشرق الأوسط أو الشرق عموماً.

سويسرا الشرق لقب تحاول الكثير من البلدان حيازته، وتجتهد بتصدير ملامح تؤهلها للفوز به..إلا أن حزمة الوقائع المتراكمة والمعطيات الراسخة تتجه ببوصلة الاختيار نحو سلطنة عُمان لتكون بامتياز ” سويسرا الشرق”..ودعونا نكون متصالحين مع الحقائق ونحن نطلق هذا اللقب على بلد يشهد نهضة اقتصادية تستحق الثناء..كما بات حمامة السلام في هذه المنطقة، بسياسات حياد إيجابي تجهد وتجتهد مسقط لإرساء أسس السلام والوئام في مضمار واسع الرقعة ابتلي بكم هائل من النزاعات..

من هنا قد يكون من الواقعية الافتراض بأن العيد الوطني لسلطنة عُمان، سيكون مناسبة لاحتفال الكثير من الدول الشقيقة والصديقة، عرفاناً بحضور السلطنة الطيب وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف الفاعلة واللاعبين المؤثرين في الإقليم ..وتبدو شبكة العلاقات المتينة والمرتكزة على أسس راسخة للسلطنة، هي القاعدة التي  ترجّح مثل هذا الافتراض في زمن غدا فيه السلام مفقوداً والتوتر  حالة شبه عامّة.

تحولات فوق العادة

سلطنة عمان

من اللافت والمطمئن أن سلطنة عمان كانت سبّاقة باتجاه توطين سياسات وتطبيقات لرؤية اقتصادية استشرفت أفقاً بعيداً..للخروج من إشكالية الاقتصاد الأحادي – النفطي – و الانطلاق في مضمار التنوّع الاقتصادي وتعديد مصادر التنمية وتعزيز موارد الاقتصاد بمختلف القطاعات، وهو توجه أعطى ثماراً سريعة كانت موضع مراقبة وترقب من قبل الكثير من مراصد التحليل الاقتصادي في هذا العالم.

وأكد تقرير جديد نشرته مؤسسة اتش.كي.تي.دي.سي للأبحاث ومقرها هونغ كونغ أن سلطنة عُمان تنفذ أنموذجاً ناجحاً للتنويع الاقتصادي، مشيدا بنهجها في تحرير تجارة السلع والخدمات.

ولفت التقرير إلى أن “السلطنة اتبعت بنشاط خطة تنموية تركز على التنويع والتصنيع والخصخصة بهدف التخفيض من مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي إلى 9 في المئة، وأضحت السياحة والصناعات القائمة على الغاز مكونات رئيسية من إستراتيجية التنويع الحكومية”.

وذكر أن السلطنة أظهرت بقوة، التزامها بتحرير التجارة من خلال عضويتها في منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف.

وأشار التقرير إلى أن الحكومة  العمانية اتخذت مبادرات لتحديث الاقتصاد كما أدت الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي والاستثمار الأجنبي المباشر إلى تطوير مجموعة واسعة من الصناعات غير النفطية.

وقال التقرير: إن المناطق الاقتصادية الخاصة في السلطنة ولاسيما في الدقم تسلط الضوء على التنفيذ الناجح للمناطق الاقتصادية الخاصة لتحفيز التحول الاقتصادي، من خلال الجمع بين الموقع الجغرافي الاستراتيجي خارج مضيق هرمز الذي يعمل على التخفيف من المخاطر المرتبطة ببؤرة التوتر العالمية البارزة، وبين الحوافز التنظيمية.

وأضاف أن الاستثمار في البنية الأساسية يستمر في التدفق على المناطق الاقتصادية الخاصة في صلالة والدقم وصحار والمزيونة، وتابع أن تطوير مناطق التجارة الحرة والمناطق الاقتصادية الخاصة يتماشى مع خطة التنمية الوطنية للبلاد التي تهدف إلى التقليل من مساهمة قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي.

 عمان4

ولفت التقرير إلى أن السلطنة اجتذبت مشاريع استثمارية كبيرة منذ عام 2017، معظمها موجه نحو العمليات الصناعية الموجهة للتصدير ومقرها في المناطق الاقتصادية الخاصة.

وأوضح أنه لا توجد قيود على معاملات الصرف الأجنبي في السلطنة ولا على التحويلات المالية.. مؤكدا أنه من حيث الاستثمار في المحفظة، لا توجد قيود على تدفق رأس المال وإعادة الأرباح، ويجوز للأجانب الاستثمار في سوق مسقط للأوراق المالية طالما أنهم يفعلون ذلك من خلال وسيط مرخص.

تقدم مذهل

حصلت سلطنة عُمان على المركز الرابع عربياً فى مؤشر جذب الاستثمارات الأجنبية لعام 2020.

وكشف تقرير حديث لمؤسسة الاستثمار الأجنبى المباشر “اف دي اي انتلجنس” اللندنية، أن سلطنة عُمان جذبت استثمارات قيمتها 3.5 مليار دولار العام الماضي.

وأوضح التقرير أن تقديرات منظمة “الأونكتاد” – مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية – ترجح تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم بنسبة ٤٠% هذا العام بسبب تأثير كورونا واتخاذ البلدان إجراءات احترازية.

وكانت سلطنة عُمان قد حصلت على المرتبة الـ 53 عالمياً والسادسة عربياً في تقرير التنافسية العالمي للعام 2019، والصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي.. كما أشادت عدة تقارير دولية حديثة بجهود تنويع الاقتصاد وتنمية موارده فى السلطنة، كان آخرها إشادة تقرير لمؤسسة «أكسفورد بيزنس جروب» للأبحاث الاقتصادية بالدعم الذي تقدمه حكومة السلطنة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة..

كما أعلنت منظمة التجارة العالمية مؤخراً أن سلطنة عُمان أوفت بمتطلبات اتفاقية تسهيل التجارة بنسبة 100%، وذلك من أجل السعي لتبني أفضل المعايير والممارسات العالمية لتطوير القطاع اللوجستي وتهيئة المناخ التجاري للاستثمار في مختلف المجالات الاقتصادية بالسلطنة، إلى جانب تحقيق طموحات الاستراتيجية الوطنية اللوجستية 2040، بجعل سلطنة عُمان مركزاً لوجيستياً عالمياً وتحسين تصنيفها في المؤشرات الاقتصادية الدولية.

وفى أوائل شهر يونيو الماضى أصدر السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، مرسوماً سلطانياً سامياً بإنشاء جهاز الاستثمار العُمانى، لتعزيز الاستثمار فى السلطنة وتنمية الموارد الاقتصادية بها

استدراك مرن

   تؤكد المعطيات والاستنتاجات التي تفضي إليها القراءة المتأنية لمجريات الإدارة الاقتصادية في سلطنة عمان،  قناعات متجددة باتت راسخة لدى الحكومة العُمانية بأن تسريع وتيرة الإصلاحات بات أمراً حتمياً لتأمين عائدات إضافية ترفد بها الخزينة العامة..إذ كثّفت السلطنة تحركاتها خلال السنوات الأخيرة لخدمة خططها الإستراتيجية لتنويع الاقتصاد ضمن رؤية 2040.

وتهدف الرؤية إلى تطوير كافة مناحي الحياة بتنويع مصادر الدخل والابتعاد تدريجيّا عن الاعتماد على صادرات الطاقة، مع تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد.

وتأمل مسقط عبر تلك الرؤية في الوصول إلى تحقيق نسبة نمو تقدّر بنحو 6 في المئة بحلول 2040 وأن تكون ضمن أفضل 20 دولة في العالم، وضمن العشر دول الأوائل تجارياً.

وفي هذا السياق ركزت الحكومة العُمانية على عدة قطاعات لتعزيز إسهاماتها في دفع الاقتصاد، من بينها تطوير قطاع التعدين، وذلك بهدف معالجة الاختلالات المالية وزيادة إيرادات الدولة من العملة الصعبة.

ووضعت مسقط قطاع المناجم والتعدين بين أهم أولويات خطتها الإستراتيجية “رؤية 2040”، التي تركز على توسيع نشاط القطاع من خلال استقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وتؤكد الحكومة أن الاستغلال الأمثل للثروات المعدنية وفق أفضل المعايير العالمية وتفعيل الشراكة المجتمعية سيحققان التنوع الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وتظهر البيانات الرسمية أن هيئة التعدين العُمانية منذ تأسيسها في سبتمبر 2014 منحت أكثر من 410 تراخيص تعدينية موزعة على محافظات البلاد.

وتشي تحركات الحكومة العُمانية في ظل سياسة السلطان هيثم بن طارق الذي خلف السلطان الراحل قابوس بن سعيد، بأن ثمة اجتهاد مكثّف باتجاه تسريع وتيرة الإصلاحات التي باتت أمراً محسوماً لتأمين عائدات إضافية ترفد بها الخزينة العامة.

قبلة سياحية واعدة

 

 

 

عمان5

تتقدم سلطنة عمان بشكل مضطرد ومتسارع على قائمة المقاصد السياحية المفضلة في منطقة الشرق الأوسط، لما تتمتَّع به ع من مناطق مُختلِفة تُبهِر الزائرين، كالأسواق، والمنازل القديمة، بالإضافة إلى العديد من الأماكن المصنَّفة ضمن مواقع التراث العالميّ (اليونسكو)، وفي عُمان يستطيع الزائر مُمارَسة رياضات مُختلِفة، مثل: الصَّيد، وركوب القوارب الشراعيّة، كما يُمكِن لمحبِّي البيئة الحيوانيّة مُشاهدة السلاحف النادرة، والدلافين، والسباحة معها، وفي ما يتعلَّق بالتجوال في مُدن سَلطَنة عُمان، فإنّه يمكن للزائر الاستمتاع بأُمسيات المقاهي، والمطاعم، بالإضافة إلى زيارة دار الأوبرا التي تُعتبَر الأولى في شبه الجزيرة العربيّة..

تُساهم السياحة بحوالي 3.3% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، حيث تتميّز السلطنة بسواحلها الجميلة، ومناظرها الجبليّة الرائعة، ومواقعها التاريخية المتعدّدة، ولذلك فإنّ البلاد تستقبل كلّ عام 1.96 مليون سائح، ويوفّر قطاع السياحة فرص عمل لنحو 37,000 شخص، ورغم هذا إلّا أنّ الصناعة تُعاني من ضعف البنية التحتية وعدم كفاية الاستثمار، ونتيجة لهذا زادت الحكومة استثماراتها في العديد من المشاريع، ومنها توسعة مطار مسقط الدوليّ، وتوسعة مطار صلالة الدوليّ.

وتتعدد مناطق الجذب السياحي وتتنوع في السلطنة..إلا أن أهمها و أبرزها:

الجبل الأخضر: ويقع في ولاية نزوى، وهو يتميز بتنوعه الزراعي، من زهور، وأشجار، مثل: أشجار اللوز، والجوز، والرمان، وكذلك الخوخ، والمشمش، عدا عن الورود التي لا تنمو في أي منطقة في الخليج العربي إلّا في الجبل الأخضر، ويصل ارتفاع هذا الجبل إلى 3000 متر، وهو ذو مناخ معتدِل في الصيف، وبارد في الشتاء.

شاطئ المغسيل: يتميز شاطئ المغسيل الواقع في ولاية صلالة، برماله الناعمة الفضِّية، والتي يستطيع الزائر رؤيتها من كهف المرنيف؛ حيث ترتفع نوافير الماء من أسفل الصخور، مصدرة صوت هدير مرتفع يمتع زواره عند زيارته.

سهل أتين: يقع سهل أتين في محافظة ظفار، وتحديداً في مدينة صلالة، وهو من الأماكن الجميلة التي يرتادها الزوّار في فصل الخريف للاسترخاء، والاستجمام نظراً لأجوائه الجميلة، ومروجه الخضراء الخلابة، وأشجاره الرائعة، كما توجد بالقرب من سهل أتين عين مهمة، وهي عين جرزيز التي تُعتبَر مصدراً للثروة المائيّة في ظفار.

بين دمشق ومسقط

تمتاز العلاقات بمختلف مساراتها بين دمشق ومسقط بالدفء ببعد إستراتيجي فاعل وفعّال، وهي مرشحة للمزيد..

ومنذ أيام قليلة استقبل الرئيس بشار الأسد سعادة السيد تركي بن محمود البوسعيدي لتقديم أوراق اعتماده سفيرًا مفوضًا ومقيمًا للسلطنة لدى سورية. ونقل سعادته خلال المقابلة تحيات حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وتمنياته للشعب السوري الشقيق التقدم والازدهار. و حمّل فخامة الرئيس السوري سعادة السفير خالص تحياته لجلالة السلطان، وتمنياته للشعب العُماني بالمزيد من الخير والرفعة، مؤكدًا حرص الحكومة السورية تسهيل مهام عمله ودعمه تجاه كل ما من شأنه تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين. جرى خلال المقابلة استعراض مجالات التعاون القائمة، وأهمية الدفع بها وتنمية المصالح المشتركة بين البلدين والشعبين الشقيقين.

كما استقبل رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس سعادة السفير البوسعيدي ، وتناول اللقاء تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

ودار الحديث خلال اللقاء حول تطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والصناعية والتجارية والصحية والعمل المشترك بين الفعاليات الاقتصادية في سورية وسلطنة عُمان بما يخدم مصلحة الشعبين والبلدين الشقيقين.

وأكد السفير البوسعيدي ع استمرار بلاده في نهجها القائم على الوقوف إلى جانب سورية واستعدادها لتقديم مختف أنواع الدعم لها، مشيراً إلى أهمية العمل لتعزيز التبادل التجاري وإعادة فتح أبواب التعاون بين رجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية في البلدين.

والواضح أن دبلوماسية السفير البوسعيدي ودماثته، ستتكفّل بالمساهمة في دفع علاقات البلدين نحو الأمام على كل المستويات..فالرجل يحظى بقبول واحترام بالغين في مختلف الأوساط السورية، وهو خير من يحمل رسائل الخير بين البلدين الشقيقين.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]