خيارات طارئة فرضت ” الدواء المرّ”.. هذه هي المفاجآت التي حتّمت قرار رفع أسعار البنزين..

     * ظهور التهريب و” التجارة السوداء” حتم قراراً مستعجلاً بالمعالجة السعرية.

  • أين اختفت الأزمة في دمشق بعد زيادة الأسعار ..سؤال واجب الطرح بعد أن كنا نستغرب أين اختفى البنزين  ..؟؟

ناظم عيد – الخبير السوري:

لم يكن المهندس بسام طعمة وزير النفط والثروة المعدنية مجافياً للحقيقة و لوقائع وقناعات راسخة داخل مقصورة القرار، عندما جزم في حوار تلفزيوني  نافياً أية نيّة لرفع سعر البنزين..فالمعالجة على بند الأسعار لم تكن واردة بتاتاً خلال المدى المنظور..وقد لاحظنا أن قرار رفع الأسعار الأخير كان مسبوقاً بقرار رفع أسعار مادة البنزين أكتان 95 وليس سواه، وهو السعر الذي قد جرى تعديله مرة ثانية في القرار الأخير، ما يؤكد سلامة النيات الحكومية تجاه المدعوم والحر، ويؤكّد مصداقية السيد الوزير عندما نفى أية نيات لتحريك الأسعار، وهو المشهود له برصانته وموضوعيته في الطرح، وعدم الشغف بـ” التابلوهات الإعلامية” ، أي ليس من هواة الاستعراض الإعلامي على الإطلاق ..ومن يعرفه عن قرب يعلم أنه ليس من السهل على أحد أن يغريه بإطلاق تصريحات غير دقيقة.

إلا أن معطيات قد استجدّت فرضت معالجة السعر كخيار واحد ووحيد لحل المشكلة، بعد أن باءت كافة محاولات زيادة كميّات الضخ بالفشل، حتى فاقت الحدود التقليدية للاستهلاك على مستوى البلد ككل..

لقد كانت وزارة النفط بالغة الشفافية  في عرض تفاصيل ما لديها..وكانت معطياتها مادة دسمة لوسائل الإعلام بشكل يومي..وكانت التأكيدات واضحة  بأن الكميات التي يجري ضخها يومياً من بانياس فاقت الـ ” 2 مليون” لتر يومياً منذ 29 أيلول الماضي، وصولاً إلى العودة الكاملة للكميات..لكن مشكلة الازدحام كانت تزداد تفاقماً ..فما هو السبب؟؟

  • ظهر التهريب المنظّم والسوق السوداء كعوامل جديدة حتمت قرار رفع السعر كحل فني ناجع.

لا نظن أننا بحاجة إلى محللين إستراتيجيين لا في قطاع النفط ولا في مجال السياسات السعرية والسوقية، لنستنتج بأن ثمة لعبة ما و أصابع ذات بصمات سوداء عملت على زيادة المشكلة، ولم تكن تنوي الانكفاء إلا بطريق العلاج بالكي التي حصلت..فبمجرد رفع الأسعار انتهت مشكلة الازدحام..وهذا أمر يستحق الوقوف عنده مطولاً، وهذه مشاهد محطات الوقود فارغة وخاوية، أين اختفى الطلب على البنزين؟؟

هنا الوقائع تشير إلى نوعين من الأصابع التي عملت على خلط الأوراق..

الأول: هو النشاط التهريبي للمادة فعلى مستويي المدعوم والحر يبدو السعر مغرياً للتهريب، هذا من حيث الجدوى، وقد تم ضبط كميات كبيرة يجري تهريبها..أما من حيث الغايات البعيدة فإن للتهريب أهداف ليست مجرد ربحيّة على الإطلاق، وللكثيرين مصالح في أن تبقى الرضوض تعصف بهذا البلد، لإضعاف ثقة المواطن بدولته، وهذا الأمر يجري الاشتغال عليه باجتهاد لافت في هذه الأيام، من قبل أطراف كثيرة خارجية، ونعلم أن كل قوانين الحصار والمقاطعة ومنها ” قيصر” تسعى لهذه الغاية..

الثاني: الاتجار بالمادّة في السوق السوداء..وقد بدت أزمة البنزين فرصة دسمة لمنظومة فساد تعمل جهاراً نهاراً ..من سائق التكسي أو حائز سيارة خصوصي إلى صاحب محطة وقود..وطبعاً ما بين هذا وذاك سلسلة طويلة من المستفيدين من ضمنها القائمين على رقابة التوزيع و إدارته، أي حالة فساد لم يعد بإمكان أحد نفيها، فمشكلتنا مشكلة توزيع ولم تكن مشكلة إمداد منذ حوالي الشهر..

  • سوف تبقى محطات الوقود شبه عاطلة عن العمل – مبدئياً في دمشق – حتى انتهاء ” الاحتياطي المشبوه” في حوزة المتاجرين بالأزمة.

من المتوقع أن يشعر عمال محطات الوقود بالملل، لبضعة أيام بسبب عدم وجود زبائن كفاية، ريثما ينفد البنزين الذي بحوزة المكتنزين و في مستودعات تجار السوداء الذين وعدوا أنفسهم باستمرار الأزمة وبيع اللتر الواحد بـ 2500 ليرة للمضطر..هناك بالفعل كميات كبيرة مُدخرة لن يلجأ أصحابها إلى محطات الوقود حتى يستهلكوا ما لديهم..

ختاماً نظن أن توفر المادة بسعر مرتفع، هو أفضل بكثير كثير من عدم توفرها بسعر رخيص..فمشاهد الأزمة أحدثت شللاً في البلاد ، في الشوارع وفي دوائر الحل الرسمية، وخلّفت أجواء كئيبة حتى في بيوت السوريين، السوريون الذين باتوا يعانون من ” فوبيا الأزمات”..

كما يقال ” آخر الطب الكي”..وكان آخر علاج أزمة البنزين هو رفع الأسعار..بعد تجريب كل الخيارات، كان قرار الكي الجراحي وهو ما حصل وقد نجح.

  • هامش: لعله علينا أن نختار بين عدة أمور..أو استمرار أزمة البنزين والتهريب والتجارة بالمادة في السوق السوداء وبالتالي إرهاق البلد واستنزاف كل أمواله لتأمين البنزين للجوار والسوق السوداء..أم رفع السعر وحل الأزمة وتوفير ” أطنان” الأموال التي كانت ستذهب لإطفاء ” حرائق البنزين” التي لم يكن واضحاً أنها ستنطفئ بما أن مؤشرات التأزيم كانت آخذه في ازدياد..

  • هامش 2: سؤال أخير ..هل نحرق كل ما لدينا لتأمين البنزين لتجار الحرب ..أم نوفر أموالنا لشراء القمح والدواء و أساسيات أخرى بالغة الضرورة؟؟

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]