الوصمة السورية وثقافة ” الهروب ثلثي المرجلة”..

الخبير السوري:

هل سنخرج من دوامة اللقب و الشهرة و ” الباسبورت” الممهور باسم العائلة، للنفاذ إلى مضمار  الاقتصاد في هذا البلد المحاصر..

ومتى سنخرج ؟؟..أما السؤال الأهم فهو أين ألقاب العائلات الشهيرة من حتمية الإنقاذ التي تبدو بالغة الإلحاح منذ بدء سنوات الحرب وحتى الآن..بل الآن تبدو أكثر إلحاحاً بكثير، أي أما نكون أولا نكون..وقد كان ” درس الحرائق” الدليل والبرهان إلى أننا وصلنا في سورية إلى تطبيقات قاسية لقاعدة ” ما حكّ جلدك مثل ظفرك” ..ونعود للتساؤل أين الألقاب الطنّانة والرنّانة لرجال الأعمال، الذين كان لدينا منهم الكثير والكثير جداً قبيل الأزمة حين تكاثروا حول ” موازنات واعتمادات المؤسسات الحكومية” كما الذباب حول العسل..أين هم الآن وبلدهم يحترق..أين الصناعيين و البورجوازية السورية التقليدية..أم أنهم مجرّد ” رجال موائد لا رجال شدائد”؟؟

الواقع أننا وجدنا أنفسنا كاقتصاد سوري أمام قلّة قليلة من رجال الأعمال الوطنيين، الذين أثبتوا أنهم وطنيين بامتياز خلال سنوات المحنة وما زالوا..رغم أنهم لم يتأبطوا شهادات النسب ليبرزوها في وجه كل من لا يقيم لهم مراسم الاستقبال والتشريفات اللائقة..؟؟

بالفعل أين آلاف رجال الأعمال السوريين من حرائق تلتهم بلدهم كلّها وليس مجرد الغابات وأشجار الزيتون؟؟

 قد تكون حمّى الطلب على المكاسب والامتيازات ، أو لعلّه الشغف بالاعتبار المعنوي  ونزعة ” البريستيج ” المستحكمة فينا ، حتى بين فاقدي الأهليّة والمؤهلات ، أو كلا الاحتمالين معاً ، هي ما أنتج لدينا – قبيل الحرب على سورية – هذا الكمّ المخيف من “متسوّلي” الألقاب وبأي وسيلة من طراز الوسائل الذي تبرره الغايات.

الظاهرة تجاوزت في الواقع طيف المستنصبين داخل المنظومة التنفيذية ، إلى مضمار قطاع الأعمال الذي كان قبيل أزمتنا الراهنة متخماً حتى “التجشؤ والاستفراغ ” بحاملي لقب رجل أعمال ، ويالهول الصدمة التي سيُصفع بها كل من يسأل عما بحوزتنا من هذه “النمر” لو حظي بإجابة ، و إن كان من يتحرّى ضيفاً وافداً فسيفترض أن بلدنا كان قوة اقتصادية عاتية في هذا العالم ، لأن رجل الأعمال بات من أهم المكونات والركائز الاقتصادية ومقومات الحراك التنموي .

إلّا أن ثمة واقعاً مختلفاً لدينا يقوم على مفارقة – صدمة  بين ما كان وما يجب ، بالتالي سيكون التساؤل الملحّ .. أين رجال أعمالنا ؟!!

الحقيقة يبدو أن قطاع أعمالنا كان مبتلٍ بطوابير غير قليلة من منتحلي صفة رجل أعمال ، وربما لا نملك أن نبرئ غرف التجارة والصناعة والسياحة ، خصوصاً غرف التجارة فلهذه حكايتها التي تطول وتطول !.

انتحال الصفة فعل يعاقب عليه القانون ، أما انتحال الألقاب فيحظى بمباركة مريبة في مجتمعنا بمنظماته الأهليّة وحتى بأروقته التنفيذية ، والنتيجة ” ركام “من رجال أعمال يملؤون الدنيا ضجيجاً وابتزازاً للحكومة وللمواطن في أوقات الرخاء ، و يتبخروا في أوقات الشدّة .

نحن بارعون في تصنيع رجال الأعمال ..فشلنا التقليدي في الصناعة من الإبرة حتى السيارة والطائرة ، لكن حققنا أرقاماً قياسيّة في إنتاج ” أطنان” رجال الأعمال ، إلّا أنهم – أو أكثرهم – بمستويات الجودة ذاتها التي أبقت إنتاجنا السلعي متأخراً و مهزوماً أمام مثيله الوافد استيراداً أو تهريباً !؟؟

لقد غالت حكوماتنا المتعاقبة على الرواق التنفيذي في محاباة من قدّموا أنفسهم وادعوا “رجولة الأعمال” ونفخت فيهم على حساب البلاد والعباد ، وكان للتجار الحصة الأكبر من الكعكة الدسمة ، من أكبرهم حتى تاجر الشنطة من ذلك النوع المستعد لخوض معركة من أجل تذكرة طائرة ، حتى أن تاجراً تزعم اتحاد غرف الصناعة يوماً ، وحزم حقائبه و أمواله وهرب مع أول طلقة رصاص تطلق في هذه الحرب القذرة على سورية.

لن نسترسل طويلاً ، لكن الأزمة كانت درساً باهظ الثمن ، حسبنا أن نستفيد منه ، ونعيد فرز وتصنيف  “مقامات” رجال أعمالنا ، على أساس القاعدة التي تؤكد أن “لكل مقام مقال” ، ونكف عن تقديم تاجر الشنطة في قاعات التشريفات التي ستشرع قريباً ، على أسماء معروفة في عالم البزنس.

أنتصرنا ومن انتصر ظفر … ومن ادعى “رجولة الأعمال” واختبأ في رحلة ثبات مديدة ، ليس كرجل أعمال ضحّى ونافح ، ويستحق أن تُشرع له قاعات التشريفات فعلاً.

نحن أمام استحقاق ملحّ لتصنيف حمَلة لقب رجل أعمال ، تصنيف معلن وفق معايير  الدور الوطني والحضور الاقتصادي ، فليس كل من “صف الصواني صار حلواني”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]