تركيا تملأ فراغ السعودية في لبنان ..والقادم….؟!!

الخبير السوري:

تُرِكَ الحبل على غاربه لأنقرة في الفترة الأخيرة، فتدخلت في سوريا والعراق وليبيا والسودان واليمن وأذربيجان وحتى إثيوبيا. راحت تصول وتجول في البحر المتوسط باحثة عن البترول والغاز. أردوغان يتحدّث علانية عن أطماعه باستعادة الخلافة العثمانية البائدة… ماذا بعد وماذا عن مشاريعه في لبنان وإلى أي مدى يمكن أن يمضي؟ هل سيكون قاعدة إنطلاقٍ جديدة للعثماني الجديد نحو سوريا أيضاً؟ النفوذ التركي يزداد في صفوف سياسيّ بيروت ومعهم تزداد التبعية و”الحنين” للعصملي. فادي وهيب عيد، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يُطلعنا على ما يحدث في لبنان والسياسيّون هناك بين عارفٍ وصامت وبين مؤيّدٍ وتابع.

الإختراق التركي لسوريا ولبنان

تخطى حجم النفوذ التركي في لبنان كافة مراحل الخطر. الأمر ليس وليد اليوم، فكما استطاع الأتراك اختراق سوريا “مُجدّداً” منذ أوائل القرن الحالي، بدأ اختراق لبنان منذ عام 2006. دخلت قوات عسكرية تركية ضمن قوات اليونيفيل وأوعز الأتراك لمنظمة  (TIKA) بالتحرّك في لبنان كما تحرّكت في سوريا، وهي إختصار لـ Turkish Cooperation and Coordination Agency أي وكالة التعاون والتنسيق التركية والتي تأسست عام 1992 وترتبط بالمخابرات التركية مباشرةً.

حسب وثيقة تأسيس المنظمة TIKA التركية فإنّ هدفها: (تنمية البلدان والمجتمعات التركية ضمن الدول الصديقة، وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والفني والاجتماعي والثقافي والتعليمي، والإنخراط في مشاريع وأنشطة إجتماعية وثقافية…). الأهداف واضحة لمن يريد أن يرى.

 

الأربعاء 24 تشرين الثاني 2010، زيارة تاريخية لأردوغان إلى منطقة عكّار شمال لبنان، وتحديداً بلدة الكواشرة حيث توجد أقلية تركمانية.

 كان سعد الحريري برفقته. في خطاب أردوغان ظهرت نواياه وخططه التوسعية العثمانية، لمن يستوعب ولا يُغمض عينيه… لكن تُرِكَ له العنان يصول ويجول ويظهر التأثير التركي في الشارع اللبناني. الأوتوستراد الرئيسي في البدّاوي والمنية وحتى الكواشرة، امتلأ بلافتات باللغة العربية والتركية وصور أردوغان:  (أهلا بحفيد السلطان عبد الحميد… أهلا بابن الخلافة العثمانية. رفعت رأسنا يا حفيد العثمانيين…).

دعونا نتذكر واقعة سقوط مجموعة من العناصر التركية تحمل جوازات سفر أوروبية مزورة في بيروت بيد الأمن اللبناني عام 2012. حسب صحيفة “الجمهورية” الرسمية وبتاريخ 28 كانون الأول 2012، نشرت أنّ الأمن العام اللبناني تمكّن خلال العام 2012 من كشف 467 جوازاً مزوّراً ضمن شبكة تمتدُ بين تركيا ولبنان وسوريا. العناصر التركية كانت مرتبطة بأحداث الحرب في سوريا، ولبنان كان المعبر… اليوم وبعد 8 سنوات على تلك الحادثة، لم يعد التواجد التركي في لبنان مجرّد مجموعة عناصر، بل تحوّل إلى مجموعة شبكات وكيانات وتيارات سياسية وتأييد في بعض الشوارع اللبنانية.

نعم أنت في لبنان

نعم أنت في لبنان!!

حادثة أخرى؛ أصدر وزير التربية إلياس بو صعب قراراً بتعطيل المدارس يوم الجمعة 23 نيسان 2015، بمناسبة مجازر تركيا بحق الأرمن، ماذا حصل؟ رفضت طرابلس هذا القرار لأنه يمس تركيا!! دار الإفتاء، جمعية العزم والسعادة التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، هيئة علماء المسلمين. هؤلاء دعوا إلى اعتصامات استنكاراً لقرار الوزير ودفاعاً عن تركيا.

استغل التركي انسحاب السعودي الذي أغلق بابه بوجه اللبنانيين، وبدأت تركيا بملء الفراغ بسرعة لتصبحَ قادرةً على تحريك الشارع السني، واضطرابات طرابلس ورفع العلم التركي وصور أردوغان خير دليل، ليصل الشارع إلى الوقوف ضد الجيش اللبناني وهو يحمل علم العثمانيين!. والقادم أسوأ…

زار السفير التركي لدى بيروت، هاكان تشاكيل، في منتصف تشرين الأول 2019 شمال لبنان، تجوّل في البداوي بمدينة طرابلس وعكار والمنية. استقبال رسمي وشعبي حافل وكأنه المهدي المنتظر. ألعابٌ نارية. هتافات لتركيا ورئيسها أردوغان. والسفير يُعلنها صراحةً: (نُحبُّ طرابلس وعكّار بشكل خاص ونولي اهتماماً خاصاً بتلك المنطقة).

النفوذ التركي يشمل كامل لبنان

  • بعد الإنقلاب الفاشل ضد أردوغان تموز 2016، عمت المسيرات المؤيدة له كامل الأراضي اللبنانية، وليس فقط طرابلس.

  • بيروت. تجمع المئات أمام مبنى السفارة التركية في منطقة الرابية. أطلقوا هتافات تأييد لأردوغان. وفد كبير من وجهاء ومخاتير منطقة برج البراجنة زار السفارة.

  • صيدا. نظمت الجماعة الإسلامية وقفة تضامنية أمام المشفى التركي في المدينة، بمشاركة رئيس بلدية صيدا محمد السعودي، والمسؤول السياسي للجماعة الإسلامية بسام حمود وعشرات الشيوخ والمسؤولين. هنا ظهر علم الإخوان المسلمين مع العلم التركي.

نعم أنت في لبنان!!

  • طرابلس. مسيرات مؤيدة في ساحة النور، ثم صلاة الفجر في الساحة، خُتمت بدعاء للشيخ أحمد أيوب لنصرة تركيا وزعيمها، والأعلام التركية مرفوعة.

  • البقاع. بلدة مجدل عنجر. وقفة تضامنية مع الشعب التركي والرئيس أردوغان مرفقةً بالعلم التركي وصوره. رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد حسين ديب ياسين، وإمام البلدة الشيخ محمد عبد الرحمن، وأعضاء المجلس البلدي والمخاتير بين المشاركين. بالإضافة لمسيرات تأييد في مدن وبلدات أخرى: الكواشرة. منطقة الدريب. الجديدة. سعدنايل… الجديد هنا هو الأناشيد الحماسية باللغة التركية!!.

يُمنع الحديث عن إرهاب العثمانيين في لبنان

بتاريخ 31.08.2019 الرئيس اللبناني ميشيل عون وفي كلمته بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس دولة لبنان الكبير، تحدّثَ عن بعض الأحداث التاريخية التي واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، وعملية التتريك وإرهاب الدولة الذي مارسته الدولة العثمانية. هنا ثارت ثائرة الجماعة الإسلامية وجمعية الصداقة اللبنانية التركية وطبعاً هيئة علماء المسلمين، ومعهم الشارع التابع لأنقرة في لبنان. هؤلاء التابعون، بمن فيهم هيئة علماء المسلمين، تحدّثوا عن (تزييف الحقائق… خطاب عون شعبوي غير مسؤول يسيء إلى الحقيقة والشعب… خطاب كراهية. لقد حوّل ميشيل عون الحكم العثماني الإسلامي إلى احتلال، بينما الحقيقة تقول: تميّزت الفترة العثمانية بالاستقرار والعدالة والتسامح!!). تطاول الجميع على الرئيس اللبناني بما في ذلك الخارجية التركية وتم وصفهُ بالمختل! (هنا يظهر الموقف المختل من المحتل… يظهر حال الفصام السياسي المريب…).

ثم جاءت تصريحات الإعلامي اللبناني نيشان ديرهاروتيونيان، تموز 2020، وانتقاده رجب طيب أردوغان على خلفية تحويل كنيسة آيا صوفيا إلى مسجد، واصفاً إيّاهُ بـ”الخبيث”، وما جرى بعد هذه التصريحات، لتؤكد ما ذكرناه. حيثُ أحالت النيابة العامة في بيروت الإعلامي نيشان إلى المحاكمة في 8 تشرين الأول القادم، والتهمة “الإساءة بشكل مُتعمّد لتركيا وشعبها ورئيسها أردوغان”!!

ذكر العثمانيين ومجازرهم وإرهابهم بات من المُحرّمات في لبنان!!

بعد ما أسميناهُ في مركز فيريل للدراسات “التكوّر السعودي”، خرج تيار المستقبل ومعه  قيادات 14 آذار من تحت العباءة السعودية إلى تحت الباب العالي، فظهروا في استنبول بزيارات سرية لم يفصح عنها.

كما كانت السعودية حاضرة في لبنان عبر سعد الحريري، كذلك تركيا اليوم عبر شقيقه بهاء، فبهاء الحريري كان بين قوسين وأدنى من أن يكون وريث سلطة رفيق الحريري خلال محطات عديدة طوال العقد ونصف الماضي، بداية بظهوره الأول بعد مقتل والده، مروراً بافتتاح مكتبه الخاص المستقل عن عائلته في حزيران 2010، وصولا للفرصة الأكبر عندما احتجزت السعودية شقيقه سعد بفندق الريتز كارلتون 2017، ومارست ضغطها على عمته بهية الحريري وزوجة والده نازك الحريري لمبايعة بهاء، وهو الأمر الذى تم إجهاضه بعد رفض الرئيس ميشال عون لكل هذا العبث السعودي.

لم يكن بهاء بحكم رعونته في حسابات أيّ من الدول التي كانت تبحث وقتها عن بديل لسعد سوى السعودية، والآن تقول الساحة أن بهاء عاد من جديد ولكن ليس من البوابة السعودية، بعد أن ركبَ موجة إنتفاضة 17تشرين الماضي.

انطلق بهاء ليؤسس لنفسه قاعدة شعبية، فذهب إلى خصوم شقيقه، واستقطب كلّ من وقع من حسابات تيار المستقبل بالمال، إلى أن وجد بهاء ضالته بمحامٍ مشبوه اسمه نبيل الحلبي، فصار هذا الحلبي ذراع بهاء الأول إن لم يكن بهاء هو من صار ذراعاً لمخططات الحلبي، وسرعان ما تواصل نبيل الحلبي مع أعضاء سابقين في تيار المستقبل، ونسّق مع الجماعة الإسلامية (إخوان لبنان)، ومع كل من لديه مشاكل مع شقيقه سعد، حاول التواصل مع حزب الله لكنه فشل وانقلب ضده مطالباً بنزع سلاحه. باختصار؛ تواصل مع كل لبناني شارك في الحرب ضد دمشق.

مَن هو المحامي نبيل الحلبي؟

لمَن لا يعرف مَن هو المحامي نبيل الحلبي؛ عام 2011 التقى الحلبي مع “عمر إدلبي” عضو المجلس الوطني السوري ونشر صورة لقائه به، في شقة الأخير الممنوحة من تيار المستقبل والتي حولها إلى غرفة عمليات لوجستية تُشرفُ على تمرير السلاح إلى حمص عبر عرسال ووادي خالد. أسس الحلبي ما يسمى (تنسيقية لبنان لدعم الثورة السورية) بتمويل من سعد، ثم (المؤسسة اللبنانية للديموقراطية وحقوق الإنسان). نسّق مع المدعو عقاب صقر. نبيل الحلبي هو الذي نشر عن قصة زينب الحصني… تعرفون القصة؟ وكّل نفسه مُدافعاً عنها بعد أن عذبتها وقتلتها المخابرات السورية حسب زعمه، لتظهر زينب على التلفزيون السوري ويتبين أنها حية ترزق وأن صور الجثة التي نشرها الحلبي ليست لها…

اتهامات كثيرة طالت نبيل الحلبي منها اتصالات مع ضباط الموساد لتجنيد سوريين ونقلهم إلى تركيا لتدريبهم على التجسس وجمع المعلومات تحت اسم نشطاء إعلاميين وإعلاميين حربيين…

جاءت أحداث عرسال آب 2014، فظهر الحلبي  يصول ويجول بين إرهابيي “جبهة النصرة” التي اختطفت 20 جندياً لبنانياً. ثم بصحبة وفد “هيئة العلماء المسلمين” (سلفيو لبنان) بحجة التفاوض مع داعش وجبهة النصرة لإطلاق سراح الجنود، وهو المشهد الذي يظهر دور تيار المستقبل كوسيط بين تلك التنظيمات الإرهابية ومن يمولها في قطر وتركيا.

اليوم نبيل الحلبي هو مايسترو مظاهرات العنف في لبنان، فعشرات الدراجات النارية تتحرك بعد منتصف الليل وتحرق الممتلكات الخاصة والعامة في بيروت، ثم تختفي كما تظهر فجأة لدعم أية مظاهرات تدخل في اشتباكات مع الجيش بالزجاجات الحارقة، وهي الدراجات التي تحمل أرقاماً مزورة، ومنها من يتخذ أصحابها عناوين سكنية لهم بين البسطا الفوقا وتحويطة الغدير.

خلاف الحلبي مع سعد الحريري ظهر علانية في بداية العام الحالي عندما قال بتاريخ 15 شباط 2020: “قادة تيار المستقبل صنعوا فجوة بينهم وبين جمهورهم ولا يخبرونهم بالحقيقة، نتمنى أن يتحرر الجمهور من هذه المنظومة السياسية.”

هل تعلمون أين هو نبيل الحلبي الآن؟ موجود في تركيا… الحجة؛ إنتشار الكورونا في لبنان وكأنّ تركيا خالية من الفيروس!

اتخذ بهاء الحريري من المحامي نبيل الحلبي مستشاراً سياسياً، ومن  دانيال الغوش المعروف بإسم “جيري ماهر” مستشاراً إعلامياً، وهما المرتبطان بأجهزة مخابرات خارجية دون شك… بعد كلّ هذا، ماذا يريد بهاء الحريري من حرق بيروت وعرقلة حكومة حسان دياب؟!

الإخوان المسلمون من مصر إلى سوريا ولبنان

ما بين الإخوان المسلمين وتيار المستقبل علينا أن نعرفَ معلومات سريعة وباختصار؛ ضمن مخطط حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول لنشر فكر الجماعة خارج مصر، أسّسَ (قسم الاتصال بالعالم الإسلامي)، فأنشأ فروعاً وتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكاره. هنا بدأت شبكة الإخوان تتوسع في كافة دول العالم. 05 آب 1935 أرسل إلى سوريا ولبنان عبد الرحمن ساعاتي ومعهُ محمد أسعد الحكيم لنشر الدعوة. ثم جاء التغلغل عبر تدريس الشريعة الإسلامية والفلسفة بكلية المقاصد الخيرية في بيروت، من قِبَل المحامي الإخواني محمد الهادي عطية.

مع توسع نشاطات الإخوان؛ عقدوا مؤتمراً واسعاً لممثليهم وأعضاء الجماعة في سوريا ولبنان في مدينة حمص تشرين الأول 1943، ثم حلب.

طريقة الإخوان التغلغل الخبيثة، والتي حذرنا منها مراتٍ في مركز فيريل للدراسات، في الوصول إلى الشارع ثم السلطة، ليست حديثة لمَن يقرأ… “تمسكن لتتمكّن”. أسس الإخوان في سوريا ولبنان عام 1943 منظمة السرايا والفتوة! المنظمتان تعتنيان بالشباب من الناحية الرياضية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية والقضايا الإسلامية والعربية العامة.

عام 1952 فرّ الدكتور مصطفى السباعي (المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا) إلى لبنان هرباً من العقيد أديب الشيشكلي. قبلها بعامين أي 1950 أسّسَ محمد عمر الداعوق جماعة “عبّاد الرحمن” في طرابلس، فانضم إليهم وبرز بينهم النائب المعروف “فتحي يكن”. ثم نشأت حركات؛ الحركة الإسلامية. المركز الثقافي الإسلامي. الجماعة الإسلامية. جماعة الشباب المسلم… وكلها تدور في فلك الإخوان المسلمين.

على مدى أربع سنوات، تقدم الإخوان المسلمون في لبنان إلى الحكومة اللبنانية للحصول على ترخيص رسمي لمنظماتهم… طلبهم قُوبل بالرفض عدة مرات.

عام 1964 كمال جنبلاط يصبحُ وزيراً للداخلية في لبنان. أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يتقدمون بطلب الترخيص للمرة الثامنة. الأمن العام يرفض طلبهم. يلتفّ الإخوان وهم: زهير العبيدي وفتحي يكن ومحمد كريمة وإبراهيم المصري وفايز إيعالي ومحمد دريعي، ويقدمون الطلب إلى كمال جنبلاط مباشرة، فيوقع عليه دون الأخذ بعين الاعتبار رفض الأمن العام! هنا أصبحت جماعة الإخوان المسلمين مُرخّصة رسمياً في لبنان، وكانت الإنطلاقة الحقيقية لها.

الإخوان المسلمون وتيار المستقبل

وصل الإخوان المسلمون في لبنان إلى مجلس النواب والمجالس البلدية والنقابات في عدة مناطق لبنانية تحت اسم “الجماعة الإسلامية”. عام 1992 وصل ثلاثة نواب إلى مجلس النواب اللبناني في عهد رئيس الوزراء رفيق الحريري، هم الأمين العام للإخوان فتحي يكن عن طرابلس، المحامي أسعد هرموش عن قضاء الضنّية و الدكتور زهير العبيدي عن بيروت. فيما بعد ومع تأسيس تيار المستقبل 1995، ظهر جلياً التحالف بين الجماعة والتيار ثم مع تحالف 14 آذار.

تحرّك غازي كنعان  رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية في لبنان، فتراجعت شعبية الإخوان وخسروا إنتخابات عام 2000. تعاظم دور تيار المستقبل مقابل تراجع الجماعة التي عادت عام 2009 إلى مجلس النواب بمقعد وحيد للدكتور عماد الحوت.

بدءاً من عام 2011، عاد الإخوان المسلمون إلى الساحة بقوة، خاصة مع تسلّم محمد مرسي لكرسي الحكم في مصر ودعم أردوغان لهم. فعادت الشراكة والتحالف والتنسيق مع تيار المستقبل وجماعة 14 آذار. دعم إخوان لبنان احتلال تركيا للأراضي السورية والعمليات العسكرية التركية شمال سوريا. كما هاجمت الجماعة الإسلامية الخارجية اللبنانية بسبب إدانتها لعملية “نبع السلام” التركية، معتبرين أنّه لتركيا الحق في احتلال الااضي السورية تحت مزعم “الأمن القومي“. رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الدكتور عماد الحوت تعجب من موقف وزارة الخارجية الذي أدان عملية “نبع السلام” المستمرة شمالي سوريا ضد الوحدات الكردية وحزب العمال الكردستاني.

ترتبطُ الجماعة الاسلامية في لبنان بعلاقات قوية مع نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتجري اجتماعات مكثّفة بين قياديين منها ومسؤولين في حزب العدالة التركي، وتُشكل الحلقة الأهم في المشروع العثماني تحت شعار “الخلافة الإسلامية”.

إذاً؛ تراجع دور تيار المستقبل المدعوم من السعودية مقابل تعاظم دور الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا. وهذه هي الخطة التركية الواضحة في كافة الدول التي تفتحُ أبوابها للتغلغل العثماني بقصد أو بغباء… تصنعُ شارعاً مؤيّداً للخلافة العثمانية باستغلال الدين وتصوّر تركيا وأردوغان بصورة “نصير المستضعفين” وحامي الحمى وبأنه الخليفة المنتظر الذي سيعيد الخلافة الإسلامية. تدعمُ الإسلام السياسي إلى أن يُسيطر على الشارع ثم تمتدُ السيطرة لأجهزة الدولة. تدخلُ من الإبواب الثقافية أيضاً لتصل إلى الاقتصاد… هنا يأتي دور الإسلام السياسي “المُبطن” في تأمين صفقات اقتصادية كبيرة للشركات التركية. في لبنان أحد مقاصد أردوغان هو غاز المتوسط بالتنسيق مع تل أبيب.

ما الذي يتمّ تحضيرهُ في طرابلس لبنان؟

السبت 27 حزيران 2020، حاجز شنشار جنوب حمص، الجيش السوري يحتجز شاحنة محمّلة بقاذفات RPG-7 وبنادق ومسدسات كانت متوجهة إلى القصير في طريقها نحو طرابلس. كما سبق وأوقف الجيش اللبناني سيارة تحمل نفس الأسلحة في طرابلس.

في اليوم التالي أي 28 حزيران، الجيش اللبناني يعتقل ثلاثة مقاتلين سوريين قادمين من إدلب ووجهتهم طرابلس. المعلومات تقول أنه تمّ تدريبهم على يد الجيش التركي وكانوا في مهمة تدريبية نحو شمال لبنان منطقة عكار حيث تُقام معسكرات تدريب للخلايا النائمة.

في نفس اليوم أيضاً أي 27 حزيران، اعتقل 40 شخصاً يحملون جنسيات لبنانية وعربية بتهمة التخطيط لعمليات تخريب في بيروت. هذا ما تم احتجازهُ، فكم شاحنة مرت وكم طائرة حطّت وكم سفينة رست وعلى متنها أسلحة وأموال وعناصر مُدرّبة؟ أعتقد ما زلتم تذكرون ما نشرناه عن الطائرة المجهولة التي حطت في مطار حامات “وجه الحجر” شمال بيروت بحوالي 50 كلم في لبنان عدة مرات على موقع مركز فيريل للدراسات خلال 2018.

السبت 4 تموز 2020، وزير الداخلية اللبناني محمد فهمي يؤكد وجود تدخل خارجي تركي لزيادة توتر الوضع في لبنان، مع توارد تعليمات من أنقرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي  لبعض أطراف الحراك الشعبي. وزير الداخلية أكد أيضاً أنّ  الأمن اللبناني أوقف 4 أشخاص على متن طائرة خاصة تركية، بحوزتهم أربعة ملايين دولار كانت متوجهة لعناصر شمال لبنان.

قضية دخول الدولارات إلى لبنان من تركيا تفاعلت ليتبين أنها أكبر مما تمّ التصريح به. فقد حطت بمطار بيروت طائرة خاصة قادمة من تركيا فيها شخصان يحملان الجنسية التركية، يحملان 5 ملايين دولار، أظهرا وثيقة أنّ الأموال تعود لشركة صرافة لبنانية، سُلّمت الأموال حسب زعمهما وغادر الشخصان مباشرة.

في اليوم التالي عادت الطائرة التركية الخاصة ومع الشخصين مبلغ أربعة ملايين و530 ألف دولار، لم يُصرّحا عنها ولم يُثبتا مصدر هذه الأموال. فقامت السلطات الأمنية بتفتيش الحقائب لتجد المبلغ الذي سُلّم للمخابرات اللبنانية، بينما اكتشف الأمن أنّ قصة تسليم الأموال في اليوم السابق لشركة الصرافة كاذبة، وأنّ الذي تسلّمها هو شخص يحمل الجنسية السورية. اعتقل التركيان ومعهم السوري. تمت “لفلفة” القضية والملاحظ أنّ وسائل إعلام مملوكة لسياسييّن لبنانيين تابعين لتركيا ذكرت أنّ الأموال هي تجارة خاصة مشروعة نافية أية علاقة للمخابرات التركية بالموضوع!!

  • ما يتمّ تحضيرهُ شمال لبنان لن ينحصرَ هناك، بل سيمتدُّ شمالاً وشرقاً نحو طرطوس وحمص، مبدئياً

أيام عصيبة قادمة على لبنان

نعود لبهاء الحريري؛ ما الذي يُخطّطُ له ومَن معه؟ جرّ حزب الله لصراع داخلي لتأليب الرأي العام اللبناني عليه وتشتيته على جبهات إضافية أخرى غير جنوب لبنان وسوريا؟ أم حرق بيروت إنتقاماً ممَن انتزع الخلافة منه؛ شقيقه سعد؟ هل يُنفّذُ بهاء أوامر تركية بعد أن انقطعت هواتف السعودية؟ ربما هناك ما هو أكثر…

المؤكد أن سعد الحريري صار “كرتاً” محروقاً لدى كافة الأطراف في الداخل والخارج اللبناني، ولن تُجدي محاولة إعادة تدويره، الخوف أن يُصبحَ لبنان نفسه مثل سعد محروقاً وممزقاً بسبب سياسيّه وأولهم  بهاء الدين الحريري.

عاش لبنان لعقود تحت شريعة “اتفاق الطائف” الطائفي. الآن يستعد لطائف جديد ولكن بصياغة عثمانية بعد حرق لبنان كما حُرقت سوريا ويبقى حزب الله المستهدف الأساسي، وما كان مشهد إعلان النيابة العامة في بيروت بدء محاكمة الإعلامي “نيشان” بتهمة الإساءة إلى تركيا يوم 8 تشرين الأول إلا دلالة جديدة لحجم النفوذ التركي في لبنان.

سعت السعودية لتقديم بهاء وتلميع صورته عندما كانت تحتجز أخاه في الرياض، وفشلت. فانتقل التلميعُ إلى خصوم السعودية (قطر وتركيا) ليصبحا المحرك الأساسي لكلّ ما يجري في لبنان.

تسير تركيا في مخططها بالسيطرة على شمال لبنان ومِنْ ثَمَّ ربطه شرقاً وشمالاً نحو حمص وطرطوس، وهو أمر يتم بالتنسيق بين المخابرات التركية والموساد.

يبقى لبنان ترمومتر الشرق الأوسط، الذي الذي يتقلّبُ على صفيح ساخن من ليبيا غرباً إلى إيران شرقاً. مصر وفرنسا تحاولان التدخل ضد الحلف التركي. القاهرة أرسلت للرئيس اللبناني ميشيل عون رسالة دعم، أكدت حرص مصر على استقرار لبنان والاستعداد لبذل كل جهد يمكن أن يسهم في رفعة الشعب اللبناني الشقيق واستعادته لعافيته، وعن أمله في أن تسفر المفاوضات التي يجريها لبنان مع المؤسسات المالية عن نجاح يقلل الأضرار الواقعة على الإقتصاد اللبناني أحد الأبواب التي تدخلُ منها تركيا.

فادي عيد وهيب؛ باحث ومحلل سياسي في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، القاهرة. مصر. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات. برلين. الدكتور جميل م. شاهين. ..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]