انعطافة غير مسبوقة في أداء ” درع وقاية ” الاقتصاد السوري..مدير شاب يُحدث العلامة الفارقة المنتظرة

الخبير السوري:

أما وأن المعروض السلعي من المواد المهرّبة قد انحسر إلى حدود غير مسبوقة – بل وشبه معدومة – فإن الموضوعية تقتضي توجيه الثناءات إلى جهاز الجمارك..ثناء لم يسبق أن تجرأ أحد على طلبه لمرفق كان دوماً موضع اتهام، لأن لا أحداً يقبل أن يتلبّس تهمة محامي الشيطان ..وهذه هي تقليد الشرق – بل غريزته – التي فعلت فعلها تجاه كل المبادرات الإيجابيّة، وأدّت إلى إحباطها على طريقتنا الكئيبة ” الجميلة والقبيحة ستضيع معاً في دهاليز تشتت مزاج مجتمعات لم تعد تجيد فرز الصالح من الطالح”.

المهم جماركنا اليوم – وهي الجهاز الأقل تصريحات على الإطلاق – تثبت بالفعل وليس بالقول أنها أنجزت ما لم يُنجز من قبل..بعد أن باتت ” متراس الواجهة” في مواجهة صعبة للغاية مع حيتان معلنون للتهريب، وآخرون غير معلنين يتنكّرون بعباءات ناصعة وياقات بيضاء..وربما يفاخرون بانتمائهم إلى مجتمع المال والأعمال ذوي الكلمة النافذة والرغبات النفّاذة.

لذا بدت مهمة إدارة الجمارك العامة بالغة الصعوبة، في أسواق كأسواقنا وفي ظروف صعبة كظروفنا..وهذه حقائق لا يعرفها إلّا كلّ مطّلع على التفاصيل..وقد أتيح لنا حضور عدّة اجتماعات احتضنها مبنى رئاسة مجلس الوزراء، مع إدارة المديرية العامّة للجمارك..ونعترف أن حجم المفاجأة كان كبيراً..لصراحة الطروحات أولاً..ثم للعهود التي قطعها الحضور بالتحالف التام مع برامج الحكومة الهادفة لقطع دابر التهريب.

واللافت أكثر كان السرد المقنع والممنهج الذي اتسم به طرح رأس الهرم في هذا الجهاز العملاق..مدير عام الجمارك فواز الأسعد..الذي يفضي إلى استنتاج يثلج الصدر..فالرجل حاذق بما فيه الكفاية كإداري ..وحاسم أكثر كرئيس جهاز تتعدد مهامه في سياق واحد، هو حماية الاقتصاد الوطني..

المدير الشابّ لا يأبه كثيراً لصعوبات هائلة تعتري أداء مديريته مترامية الانتشار..وما لمسناه من إصرار على المعالجات الجراحية للكثير من المسائل المعقّدة، لم يكن مجرّد تهويل..بل وعود وجدت طريقها سريعاً إلى ساحة النفاذ..وها هي أسواقنا اليوم شبه فارغة من المهرّبات..وهذه علامة فارقة في مؤسساتنا التنفيذية..الوعد والإصرار والتنفيذ..دون البحث عن شمّاعات وذرائع..بما أننا مجتمع ذرائعي وهي خصلة بغيضة..قلائل من أفلحوا في التخلّص منها، وكان من المهم جداً أن يكون مدير عام الجمارك أحدهم، وهو يستحقّ الثناء وانحناءة احترام، حتى ولو رأى بعضهم أن كونه ابن القطاع قد مكّنه من إنجاز ما أنجز..بالتالي لم يأت بما هو ” خارق”..

لن ندخل في إحصائيّة عدد القضايا المحققة..ولا قيم الأموال التي أعادتها الجمارك إلى الخزينة العامّة..فقط سنشير إلى النجاح في إيقاف تدفّق المهربات التركية إلى الأسواق السورية..وكانت قيمتها السنوية بحدود 2 مليار دولار.

الحقيقة المرّة التي لم تشكو منها الجمارك يوماً..هي أنه من الصعب ضبط الحدود المترامية مع الجوار..بما أن مهمة الجمارك تتركز على المعابر الرئيسة..ولا نظنّ أننا بحاجة إلى التذكير بعجز الولايات المتحدة – القوة العظمى – عن ضبط الجدود مع المكسيك، فكيف بالجمارك السورية ..التي كان فعلها أكبر بكثير من حجمها و إمكاناتها.

مدير عام الجمارك اتبع أساليب ” ناعمة” غير بوليسيّة في التعاطي مع الملفّ المزمن في سورية ” ملفّ التهريب” ..فخبرته تكفّلت بحلول هادئة دونما ضجيج واستعراض إنجازات..فغدت الجمارك السورية هي ” المؤسسة أو الجهاز” الأكثر فعلاً والأقل قولاً”.

بقي أن نقول للإنصاف وعلى عاتقنا: مهما ذهب أصحاب الرشق الكلامي والسرديات العشوائية غير المنضبطة في ” رجم ” كلّ من يعمل – وهذه حالة مقلقة تعتري مجتمعنا حالياً – فإن الوقائع تبقى هي الوقائع..والوقائع تؤكّد أنّ ما تنجزه الجمارك السورية حالياً، غير مسبوق في تاريخ هذا الجهاز الذي طالما كان قلقاً..ولعلّنا سنكون خلال مدى زمني لن يطول أمام ثقافة جديدة – شعبيّة – في النظرة إليه، كمكوّن من أهمّ المكوّنات الوطنيّة المُمأسسة في بلدنا…بما أن الحكمة وقواعد رأي العقلاء تنطلق دوماً من أن ” العبرة في النتائج”.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]