توجه حكومي زراعي غير تقليدي .. فمن أين نقطة الانطلاق ؟

الحبير السوري:

تتجّه بوصلة الاهتمام الحكومي هذه الأيام باتجاه منطقة الغاب وبالتحديد سهل الغاب، المعوّل عليه ليكون المضمار الرحب لتوطين أنموذج زراعي غير تقليدي، ينقل قطاع الزراعة في سورية إلى مرتبة متقدّمة لجهة مساهمته في الناتج المحلّي الإجمالي، والقيم المضافة التي يحقّقها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ويعكف المختصون في وزارة الزراعة حاليّاً، على إعداد برامج وخطط مكثّفة لإنعاش المنطقة بالتعاون والتشارك مع المجتمع الأهلي، الذي يبدو أنه سيكون صاحب مسؤولية في مهمّة إعادة ترتيب البنى الإنتاجيّة الحقيقيّة، وهي مهمّة لم تعد حكوميّة خالصة وفق ما رشح من أروقة التخطيط في الوزارة.
وتؤكّد مصادر في وزارة الزراعة أنّ منطقة الغاب ستكون نقطة الانطلاق الرئيسة في التوجّهات الجديدة لإنعاش مجمل القطاع الزراعي، بعدما لحق به من أضرار خلال السنوات الماضيّة، لما تشكّله هذه المنطقة من اعتبارات تتعلّق بكونها خزاناً زراعيّاً لغناها بالموارد الطبيعية والبشرية وموقعها الاقتصادي، وتمركز زراعة أهم المحاصيل الرئيسة فيها من قطن وشوندر سكري وقمح وتبغ، بالإضافة إلى الخضار بأنواعها، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ بعض الزراعات في سهل الغاب ترتبط بصناعاتها الرديفة.
وتشير تقارير الوزارة إلى أنّ الهدف الرئيس من برنامج تطوير وتنمية منطقة الغاب يتمثّل أولاً بالمساهمة في بناء الاقتصاد الإنتاجيّ القادر على الاستمرار والتطوّر للحدّ من الفقر الريفي وتعزيز الأمن الغذائي والزراعي والصناعي والبيئي، وثانياً بإعادة تنشيط سبل العيش المختلفة في المنطقة من خلال الاستثمار في إعادة تأهيل وصيانة البنى التحتية الاقتصاديّة والاجتماعيّة القادرة على التكيّف مع تغيّر المناخ، وثالثاً بإعادة بناء القدرات الإنتاجيّة والتكييفيّة للمجتمعات الريفيّة والمؤسسات العامّة.
أي الغاية الرئيسة تكمن أولاً بنظر الحكومة في إعادة ترتيب أوراق العملية الزراعيّة وتلافي أخطاء وعثرات الفترة الماضية، والشروع فوراً بإصلاحها وجعلها مواكبة لما ستكون عليه الدراسة التي تمّ إقرارها، والتي توضّح التقارير الإعلاميّة الصادرة عن المديريات المختصّة في الوزارة، أنّها خطة استراتيجية تنموية على مدى عشر سنوات، تمّ تقسيمها إلى مرحلتين، الأولى آنيّة تمّ رصد اعتماد لها بقيمة 5 مليارات ليرة لتنفذ هذا العام من خلال إعادة تأهيل وصيانة قنوات الري وتأمين الآليات الهندسية والتجهيزات اللازمة لذلك، إضافة إلى حفر بئرين داعمين لزيادة المساحة المروية وتأمين مياه الري للمحاصيل، ودعم الخدمات البيطرية لتوفيرها للثروة الحيوانية من خلال إعادة تأهيل مخبر الشريعة البيطري وغرفة التبريد الخاصة بحفظ اللقاحات، وتصنيع وتسويق الحليب من خلال إقامة 3 مراكز لتجميع مادة الحليب و4 وحدات لتصنيع الألبان والأجبان، ودعم المحاصيل الاقتصادية البديلة من خلال إحداث منافذ تسويق المحاصيل الطبية والعطرية والوردة الدمشقيّة (تنظيم زراعات تعاقدية مع المزارعين)، ومساندة ودعم العملية الإنتاجية من خلال تأمين التمويل وتقديم قروض ميسّرة للمنتجين الزراعيين.
ثم استكمال الأعمال التي تم البدء بها هذا العام وحتى نهاية العشر سنوات القادمة، وهي المرحلة الثانية، حيث من المقرّر أن تكون النتائج في نهاية فترة التنفيذ تحقيق محصّلتين رئيسيتين هما: بناء البنى التحتية المؤهّلة والقادرة على الصمود، وتحسين الإنتاجية الزراعية والصناعية والسياحية وسبل العيش المستدامة، وتتضمّن هذه المرحلة تأمين الآليات الهندسية اللازمة لإعادة تأهيل مشاريع الري من قنوات ومحطّات ضخ، وتركيب نظم ريّ بالطاقة الشمسية، وإقامة مشاريع بمجال التصنيع والتسويق الزراعي، وإعادة تأهيل منشآت تربية الثروة السمكية العامة والخاصة، وإعادة دراسة مشروع القرى النموذجية العشرة الذي تمّ إقامة البنية التحتية له خلال السنوات الماضية وخاصة قرى (نهر البارد ـــ عين الكروم ـــ شطحة ــ مرداش) والتي تحتاج إلى إعادة دراسة وتصميم في ضوء الواقع الراهن، كما تضمّنت الاستراتيجية الوطنية خطة لتأمين متطلبات القطاع الزراعي من سماد ومبيدات وتقنيات ري حديث ووقود وآليات زراعية، والاستمرار بترميم قطعان الثروة الحيوانية، وإنشاء وحدات تحلية وتكرير مياه ملحية للحدّ من هدر المياه بالصرف الصحي، إضافة لتسهيل منح القروض للإخوة الفلاحين والمنتجين وتقديم كلّ التسهيلات الداعمة لهم في استمرارية إنتاجهم.
ويبدو أنّ تركيز برامج الاستهداف التنموي لهذه المنطقة، على الزراعات الأسرية ومشروع المرأة الريفية والتربية الأسرية للدواجن والأسماك، لا يقلّ أهمية عن المنشآت الإنتاجية الضخمة، ويصبّ أيضاً في خانة الحفاظ على المجتمع الزراعي المحلّي ودعمه بمشاريع إنتاجية صغيرة تغذّي السوق بحاجاته الضرورية، والتخفيف من حدّة الفقر الريفي.
وتنطلق رؤية وزارة الزراعة في دعم هذه المشاريع من أنّ هذه البرامج قادرة على الوصول إلى الموارد والخدمات والفرص، ما يزيد مشاركتها في عملية التنمية المستدامة وتحقيق الأمن الغذائي من خلال تنفيذ مشروع الزراعات الأسرية، ففكرة مشروع المرأة الريفية تقوم على استثمار مساحة الأرض الملحقة بالمنزل وزراعتها بالخضار الصيفية والشتوية وتقديم كلّ مستلزمات الإنتاج والتدريب للأسرة مجاناً، إضافة إلى المساهمة في تسويق المنتج.
وتشير تقارير وإحصاءات الوزارة، إلى أن عدد الأسر المستفيدة من المشروع بلغ 45860 أسرة في1350 قرية باعتمادات مالية وصلت إلى مليار ليرة، والأمر ينطبق على برنامج التربية الأسرية للأسماك، حيث تمّ إنشاء أكثر من 800 مزرعة أسرية مع تزويدها بالإصبعيات مجاناً، وفي هذا العام من المخطط توزيع 100 ألف إصبعية مجاناً في معظم المحافظات، وقد لاقت هذه التجربة رواجاً ونجاحاً كبيرين، أما التربية الأسرية للدواجن، فقد وصل عدد الأسر المستفيدة منها إلى /7000/ أسرة، وبالتالي فإنّ هذه المشاريع وعلى صغر حجم إنتاجها إلا أنّها ستؤدّي غرضاً أساسيّاً في الحفاظ على المجتمع الريفي الزراعي، ودعم أفراده الذين يشكلون العماد الأساس لكل العملية الإنتاجية الزراعية.
في سياق متصل، أشارت مصادر في وزارة الموارد المائيّة، إلى أنه تمّ إعداد الأضابير الفنية للمشاريع وإرسالها إلى الهيئة العامة للموارد المائية حيث تتضمّن تنفيذ الربط الهيدروليكي بين سد سلحب وقناة الري الجنوبية بالغاب بكلفة تقديرية تبلغ 503 ملايين ليرة، وإعادة تأهيل جسر شطحة بتكلفة تقديرية تبلغ 200 مليون و 365 ألف ليرة، وصيانة طرق الخدمة على المصارف الرئيسة والثانوية بمنطقة الغاب بتكلفة تقديرية تبلغ 292 مليوناً و940 ألف ليرة، وصيانة أقنية الرّي ج1 و ج2 ضمن مشاريع الاستصلاح بالغاب بتكلفة تقديرية تبلغ 490 مليوناً و 750 ألف ليرة، وإعادة تأهيل بوابات الحاجز المائي على المصرف B ببلدة الشريعة بتكلفة تقديرية تبلغ 100 مليون ليرة، وأخيراً مشروع تعزيل جزء من المصرف الرئيس للعشارنة حتى جسر حورات عمورين بطول 7 كم بتكلفة تقديرية تصل لـ 210 ملايين ليرة سورية.
الهدف من تنفيذ هذه المشاريع الخدمية رفع كفاءة المنشآت المائيّة، وتوفير المقنّن المائي لاحتياجات الزراعة في المنطقة لزراعة كلّ شبر فيها ما يؤدّي إلى زيادة عدد الهكتارات لأكثر من 60 ألف هكتار تساعد في تحسين الحالة المعيشية للمنطقة، إضافة إلى توفير المنتجات الزراعيّة المتنوّعة.

المصدر : الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]