بدائل تحت الطلب ..رعاة البقر وإستراتيجيّة ” الأفعى العاصرة” ..

* عطاس السياسة أصاب الاقتصاد بالزكام..
الخبير السوري – فاديا مطر
– لم تعُد خيارات التمركز الأمريكي في المنطقة العربية مقتصرةً على التواجد العسكري و إشراكه باللعبة الجيوسياسية و جملة المصالح التي تلبي متطلبات تلك الإدارة أو شركائها في المنطقة ، بل تعدت مرحلتها الحالية تلك الخيارات العسكرية في سوريا و لبنان و العراق لتصل إلى تحويل ذلك التمركز إلى لعبة ” الإقتصاد المميت ” ، والذي يُلبي ماعجزت عنه العسكرة و الضغط السياسي في تلك البلدان ، فالشراكة الأمريكية مع أوروبا بالرغم من قوتها العسكرية إلا أنها فشلت في أهدافها عبر الدعم العسكري للتنظيمات الإرهابية و تعريف عناوين تلك التنظيمات بما يُسمى ” ثورات ” و حتى في التدخل العسكري المباشر ، لكن لعبة سياسة الإقتصاد المميت ترى فيها معسكرات الغرب الأمريكي بديلاً أنجع لعدم الدخول في الخيار العسكري الذي لم يستطع تغيير قواعد الإشتباك أو تعديلها بما يتطلب أمن الكيان الإسرائيلي حتى الآن ، فقد باتت مؤشرات تلك اللعبة تطفو على السطح منذ إعلان ما سُمي “صفقة القرن” و ما نتج عنه من توضح علاقات التطبيع بعد سقوط خيار الضغط العسكري على إيران في الخليج و سوريا و لبنان و العراق ، و تنامي قدرة محور المقاومة في تثبيت قواعد الإشتباك و القدرة الفعلية على تغييرها بعد حادثة إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية و الرد الإيراني على عملية إستشهاد الفريق سليماني في مطلع العام الحالي و غيرها  من متغيرات الساحة السورية و اللبنانية ، فلا أحد يُنكر أنها لعبة كسر إقتصادات قطبية دولية ، و لا أحد يُنكر أنها تتركز على إضعاف الحدائق الخلفية لروسيا و الصين في المنطقة العربية ، حيث أن واشنطن الباحثة عن حرب تجارية مع روسيا والصين تركز خطواتها في قانون عقوبات ” قيصر ” و ما يفعله من تحولات تؤثر في الإقتصادات النامية لسوريا و لبنان و العراق و التي تعاني و ماتزال من تأثيرات الحرب العسكرية التي أوجدتها واشنطن في تلك الجغرافيا لفرض قواعد إشتباك جديدة تحمي فيها تواجد ” إسرائيل ” كاقتصاد مركزي مرتبط باقتصادات الدول الخليجية النفطية التي تدور في فلكه بشكل صريح ، و هو ما يجعل جملة الضغوطات أقوى تأثيراً من أي تدخل عسكري جديد بعد التواجد العسكري الروسي في المتوسط و التنامي العسكري الإيراني رغم العقوبات و فرط عقد أي تسوية مع إيران بعد الإنسحاب الأمريكي من الإتفاق النووي في العام ٢٠١٨ ، فكيف سيكون شكل البديل الحربي في السياسة الاقتصادية ؟
هو ذات المطلب و لكن في شكل متجدد عبر الخواصر الرخوة اقتصادياً  لمحور المقاومة في شكل قوانين عقوبات متوالية تحاول فيها واشنطن محاصرة المقاومة اللبنانية في الشكل الذي تلعب به في الشارع اللبناني و التهييج الطائفي مجدداً الذي تسير به عدة قوى سياسية لبنانية معروفة ، و نقله بشكله الحالي إلى الساحة العراقية التي تستطيع واشنطن اللعب فيها باللعبة الاقتصادية عبر بعض القوى السياسية و التي تغذيها دول خليجية حتى اللحظة و تراهن بها واشنطن على تغيير خريطة التواجد الإيراني بتواجد ديموغرافي عراقي سياسي و إقتصادي يلبي مشاريع النفط و الغاز و جملة الاقتصاد المحلي العراقي كسلة لا تتأثر بالدعم الإيراني و لا تكون داعمة لسوريا و لبنان في محصلتها النهائية ، و هنا تكمن الساحة السورية كساحة مشتركة مركزية للحرب القطبية التي تُحضر لها واشنطن كبديل ضغط قوي لا يهدف في نهاية المطاف إلى تغيير قواعد الإشتباك في المنطقة ككل ، بل لتحسين شروط تلك القواعد بعد اقتطاع الشرق النفطي السوري بمليشيات ” قسد ” ، و الضغط التركي على الحدود الشمالية و محاولات تحريك المجموعات الأرهابية في الشمال الغربي و جعلها مؤثراً يعصف بإتفاق ” أستانة ” و الدور الروسي و الإيراني الإقتصادي في سوريا و عقدة الطرق الاقتصادية التي تربط الشمال السوري بجنوبه ، و إقرار قانون ” قيصر ” كحلقة إحكام كون سوريا هي عقدة طرق دعم المقاوم  اللبنانية و الساحة العراقية و نقطة تمركز الدور الروسي و الإيراني في حدود فلسطين المحتلة و الساحة الأبرز لتكون ضاغطة في الحرب القطبية التي تحيك واشنطن قُطبِها المخفية في العلاقات الإسرائيلية- الخليجية منذ توسع بقعة سيطرة الدولة السورية الجغرافية و الإعلان الروسي عن الدعم المباشر للدولة السورية بعد تحرير المساحة الأكبر من الجغرافيا السورية بنسبة أكثر من ٩٠% بحسب إعلان وزارة الدفاع الروسية في العام ٢٠١٩ ، فالمشهد الذي تحاول التركيز فيه واشنطن ببديل الحرب في المنطقة تحده من جهاته الأربع قوانين العقوبات و الضغط الإقتصادي و إنتزاع تسوية مقبولة لدى واشنطن لقواعد اللعبة في الشرق الآسيوي تجلب معها إبقاء ” شعرة معاوية ” في العلاقة الأوروبية مع طهران و موسكو و بكين قُبيل الإنتخابات الأمريكية و ما يعانيه الداخل الأمريكي من تخبط سياسي و إجتماعي و تهالك بالعلاقات الدولية مع إدارة ترامب خصوصاً بعد كسر حاجز العقوبات الاقتصادية على فنزويلا في شحنة خمس ناقلات نفط إيرانية أكدت فيها طهران القدرة على كسر أي عقوبات أمريكية حتى في أمريكا اللاتينية ، و القدرة على حمايتها في حديقة واشنطن الخلفية ، وهو ما جعل الفكرة الأمريكية في تحسين قواعد الاشتباك بالاقتصاد ” المميت ”  تتفضل على غيرها من خيارات السياسة و الحرب التي أبرزت فشلها الساحة السورية و متغيراتها و لعبت فيها اقتصادات و دواعم الدول المناوئة لواشنطن الدور الذي يكشف ضعف القدرة العسكرية و السياسية في إنتزاع مشروع ترامب – كوشنير متطلبات أمن ” تل ابيب ” التي تدور في عمق كل ما يجري في المنطقة ، فحرب الناقلات التي أدارتها واشنطن في الخليج العام المنصرم ردت عليها طهران في العمق الذي أضاف أمن مضيق ” هرمز ” إلى معادلة الاقتصاد العالمي وقدرة التحكم في سوق الطاقة ، و كذلك ستكون مشاريع الحصار الإقتصادي الأمريكي في دول المقاومة بذات النتيجة التي حصدتها واشنطن سابقاً ، فحرب البدائل عن الحروب ستكون محكومة بتطورات دولية قادمة أبرزها الدور الأوروبي السياسي و الاقتصادي بعد إدارة ترامب و اللعبة الدولية بعد جائحة كورونا و الإنكماش الاقتصادي الذي تعاني منه دول نفطية داعمة بالمطلق للدور الصهيوني في المنطقة و ما تحمله فكرة ربط الإقتصادات في شرق آسيا و خطة طريق الحرير التي ربما تحوّل طريقها لتمر عبر شرق المتوسط في معادلة إقتصادية جديدة تنزع من الدور الأمريكي و الأوروبي مفاتيح اللعب بالمنطقة بعد مرحلة الحروب ، وتكون لاعباً دولياً يُعطي الدور الروسي و الصيني الأفضلية القادرة على قيادة مفاعيل قوانين العقوبات الغربية الى مجرد حركات سياسية و إقتصادية لا تؤدي الدور الطلوب منها في خريطة المنطقة .

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]