الحكومة على محكّ تفعيل التمويل الصغير..الظرف حكم والحاجة أم الاختراع

 

 

 

دمشق – الخبير السوري:

لا يختلف اثنان على أن التمويل الصغير هو المطلب الأكثر إلحاحاً في هذه الظروف، لأنه الوسيلة الأوفر حظاً لإشراك متدنّي الدخل في الدورة الاقتصادية من جهة، ويساهم بعملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، وقد أثبتت التجارب أنه في المناطق التي تتسم بقلة الموارد تميل المجتمعات إلى تحقيق نموّ اقتصادي بخُطا أسرع عند توفر خدمات مالية خاصة بالفقراء مقارنة مع المجتمعات التي تنعدم فيها مثل هذه الخدمات.

لعل الاستراتيجية الأنسب لردم الفجوة بين مستوى دخل الفرد والتضخم الناجم عن ارتفاع سعر الصرف، تتمثل بتفعيل هذا النوع من التمويل، وهنا لابد أن تضطلع سلطتنا التنفيذية بهذا الأمر وتتبنّاه، عبر المصارف العامة والخاصة المتخمة بالسيولة، ولاسيما أن مخاطر هذا النوع من التمويل ليست كبيرة، لا بل يمكن أن تتناهى هذه المخاطر إلى مستويات شبه معدومة في حال استهدفت بالفعل الشريحة المطلوبة والخاضعة لبرامج التأهيل والتدريب التي تقدّمها الهيئة العامة لتشغيل وتنمية المشروعات.

 

محاكاة

يرى بعض الخبراء أن كثيراً من طالبي التمويل الصغير يلجؤون – عادة في مجتمعنا- إلى الجمعيات الشهرية التي تحاكي بشكل أو بآخر عمليات الإقراض المصرفي وخاصة الاستهلاكية منها ولكن دون فوائد، وتلعب هذه الجمعيات دوراً مهمّاً في سدّ الحاجات الاستهلاكية والخدمية وما ينجم عن ذلك من انتعاش الحركة الاقتصادية والتجارية ولو بالحدود الدنيا، وتشكل هذه الجمعيات نشاطاً اقتصادياً غير منظم ذا طابع اجتماعي قوامه العلاقات الخاصة، وتحكمه العادات والأعراف، وهنا يبيّن الاقتصادي الدكتور علي الحسن أن التمويل الصغير أسلوب حضاري يمكن الاستعاضة به عن هذه الجمعيات، مشيراً إلى أن المدّخرات الشعبية بالعموم والجمعيات الشهرية بالخصوص مرتبطة بحاجات المستهلك، لذلك فهي تتجه بشقها الكبير نحو الاستهلاك أكثر من الاستثمار، كما أنها ردّة فعل طبيعية على نقص السيولة ولاسيما في الجانب الاستهلاكي، وتلبّي الطلب الفعّال للسلع والخدمات المدعوم بالقوة الشرائية، وخاصة أن الاقتصاد السوري الآن يعاني في أحد جوانبه من الركود المرافق للطلب غير الفعّال، ومثل هذه المدّخرات يمكن أن تكون وسيلة لتحريك الركود في الطلب، وهي بالنهاية شكل مصغّر من عمليات الإقراض التي تضطلع بها المصارف وإن كان بشكل غير اقتصادي وغير متعارف عليه في الأدبيات الاقتصادية، لذلك فإن التمويل الصغير يمكن أن يحلّ محل هذه الجمعيات ويقوننها، ولكن شريطة ألا يتوخى الربح من هذا التمويل إلا بالحدود الدنيا حتى تتسنى الاستفادة القصوى منه.

 

قيمة زمنية

وأضاف الحسن: في الاقتصاد مصطلح كثير التداول يسمّى مفهوم القيمة الزمنية للنقود ويقسم إلى شقين الأول يتعلق بالقيمة المستقبلية للنقود، والثاني يتعلق بالقيمة الحالية للنقود، وعند تقييم استثمار ما لابدّ من أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار لأنه على جانب كبير من الأهمية، موضحاً أن وحدة النقد تختلف قيمتها تبعاً للزمن الموجودة فيه، فالقيمة الحقيقية الآنية لمبلغ من المال تختلف عن قيمة هذا المبلغ بعد شهر كما تختلف عن قيمته بعد عام..وهكذا، لذلك ينبغي أن يولي متخذ القرار أهمية بالغة للمبلغ الذي في حوزته عندما يأخذ هذا البعد بعين الاعتبار، فعند تقييم مشروع معيّن يجب العمل على إعادة القيم المستقبلية للمبالغ التي سيتم الحصول عليها أي أن قيمة 10 آلاف ليرة سورية في الوقت الراهن قد تساوي بعد فترة من الزمن 6 أو 7 آلاف ليرة، وما يتم شراؤه الآن بسعر 6 آلاف ليرة قد يصبح بعد سنوات أو أشهر بـ10 آلاف، فهذا هو الأساس الفكري لما يسمّى القيمة الزمنية للنقود.

 

ارتحال..!

فالنقود وقيمتها في حال ارتحال دائم وقد تزداد سرعة هذا الارتحال أو تنقص تبعاً لوضع البلد الذي توجد فيه، وهذه قاعدة عامة لا يكاد ينفك عنها أحد، لكن ما يميّز ويصبغ القيمة الزمنية للنقود في كل بلد من البلدان هو الوضع الاقتصادي العام والحاضن والحامل لهذه العملة، فالقيمة الزمنية للنقود قد تتدهور بشكل كبير في البلد وتخسر الكثير من قيمتها خلال فترة زمنية قصيرة، بينما قد تخسر في بلد آخر مقداراً أقل وعلى فترة زمنية أطول.

 

تنوّع

وفي السياق ذاته نشير إلى أن توسع عمل مؤسسات التمويل الصغير -في حال تم تفعيلها كما يجب- يجب ألا يقتصر على البعد الجغرافي فحسب، بل لابد أن يتعداه إلى تنوّع في المنتجات والخدمات التمويلية المقدمة، بحيث تتنوع أنواع وأحجام القروض مع التركيز بشكل أساسي على القروض الاجتماعية والقروض التجارية وقروض العمل، وذلك بهدف مواكبة تنوّع الحاجات التمويلية للسكان المحليين في مختلف المناطق والبيئات، على أن تغطي القروض الاجتماعية الحاجات المعيشية الأساسية لسكان المجتمع المحلي، وتتنوّع بين قروض السكن والتعليم والصحة وغيرها، وأن تخدّم قروض السكن عمليات ترميم المنازل أو شراء الأثاث أو المساعدة في بناء البيوت.

 

آخر القول

يذكر أن رئاسة الحكومة ومنذ نحو أربع سنوات أصدرت قراراً بتشكيل لجنة مهمّتها دراسة المسوّدة النهائية لاستراتيجية التمويل الصغير المعدّة من هيئة التخطيط والتعاون الدولي، ومهمّة اللجنة إدخال التعديلات المطلوبة في ضوء التغيّرات التي طرأت على واقع الاقتصاد السوري تمهيداً لإطلاقها ووضعها موضع التنفيذ واعتبارها مدخلاً أساسياً لدراسة مضمون مقترح استراتيجية تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إضافة إلى وضع مسودة قانون تراخيص المشاريع المتناهية الصغر في سورية، لكن هذا القرار لم يكن له أي صدى على أرض الواقع..!.

عن” البعث” – حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]