هنا المفترق الأكثر حساسية على بوابات خروج سورية من أزمتها..

ناظم عيد – خاص – الخبير السوري:

هل نصل إلى حالة سباق افتراضية نحو الفعل والمساهمة الحقيقية في التنمية، بين رجل الأعمال والدولة بمؤسساتها، بما أننا نتحدث دوماً عن البعد الوطني في الأداء، نلصق كلمة وطني بأية عبارة تتحدث عن أي فعل و عمل اقتصادي يجري داخل هذا البلد..؟؟

لكن رغم الأحاديث والعبارات التعبوية، مازالت كبيرة تلك المسافة الفاصلة بين إحداثيتي الاطمئنان والتوجّس بشأن الأداء الوطني لقطاع أعمالنا، ولعلها هي المسافة ذاتها بين ما توحي به التجارب السابقة، وواقع الاستحقاق الهائل الذي تمليه ضرورة ترميم الرضوض العميقة وآثار الظروف القاسية التي مرّت بها البلاد.

لكن ربما لم تكن المبادرات الرسمية عموماً، على غير صواب نحو المصافحة الدافئة مع رجالات الأعمال، وضخّ حزم من التسهيلات والملامح الاسترشادية في التوجّه إلى مضمار الفعل الاقتصادي الحقيقي، فمن المهم في مثل مفترقات التحوّل التي نشهدها اليوم، فتح صفحات جديدة في علاقة الدولة و الحكومة مع رجل الأعمال، وإتاحة فرص جديدة أمام الأخير لتسجيل بصمات واضحة له في الطريق المتجهة نحو المخارج الاقتصادية من الأزمة الراهنة.

إلّا أن تفاؤلنا بمطلق الدور الوطني للرساميل التقليدية الخاصة سيبقى حذراً، بل لا يخلو من الهواجس العائدة في منشئها، إلى تفاصيل كثيفة اعترت المسارات التي اختارها الكثير من المتموّلين في المشهد التنموي بتوضعاته التي سبقت اندلاع الحرب على سورية، وصولاً إلى الخيارات المشبوهة التي لاذوا بها في خضم الأزمة، ووصمة الهروب التي غرقت فيها بعض النخب الرأسمالية، وصدمتنا بتمويل الإرهاب من عائدات “الفرص الامتيازية” التي حازتها في زمن الاستقرار، وكانت مثار جدل على مرّ سنوات..

الآن علينا أن نصرّ على التفاؤل بنفحة وطنية جديدة يخبئها لنا من صمد وبقي بيننا من رجال المال والأعمال، فثمة قدر عالٍ من التعويل لابد أن نخصّهم به، لأن دورهم لم يعد حالة استثمارية انتقائية، بل واجب وطني ببعدين اقتصادي واجتماعي وربما إنساني أيضاً، وهذا هو الجديد الذي فرضته المتغيّرات “القاهرة” وعليهم أن يستوعبوه جيداً.

الواقع أن العلاقة بين قطاع الأعمال وأعماله تبدو بحاجة إلى نواظم جديدة لابد أن تنظر إليها الحكومة بعين الاهتمام والعناية البالغة، فالمسؤولية المجتمعية بكل مساراتها باتت لزاماً ولم تعد خياراً، وهذا ليس عبئاً تنموياً عاماً بقدر ما هو استثمار وتنمية خاصة، لكن في مطارح منظّمة ومحدّدة تضع إحداثياتها الدولة وتحدّد الحصص والمساهمات، ولا نعتقد أننا جهل التقديرات – ولو التقريبية – لملاءات رجال الأعمال، وعلى العموم لا تبدو تقديرات الملاءة المالية لرجل الأعمال مستحيلة أو حتى صعبة فيما لو أردنا التحرّي، فثمة أدوات متاحة لدى وزارات الاقتصاد والمالية والتجارة الداخلية ومديرية الجمارك، وأيضاً لدى اتحادات الغرف فيما لو أرادت الأخيرة.

لا نتحدّث هنا عن إجراءات غير واقعيّة، بل ربما هي استثنائيّة أو غير مسبوقة، لكن مقتضيات الظرف تحتم اللجوء إلى خيارات غير تقليديّة، وإن لم نفعل فلن نكون على ما يرام، لأننا أمسينا أمام حقيقة علينا ألّا نتجاهلها أو نتفادى الاصطدام بها، وهي أن نسبة كبيرة جداً من حجم الإصدار النقدي الكلّي باتت بحوزة قطاع الأعمال، لاسيما التجاري منه، ولم يعد سرّاً أننا لجأنا إلى خيار التمويل بالعجز، وبغض النظر عن قيم الإصدارات الجديدة، فمعظمها تم ضخّه في التداول، إن كان عبر قناة الرواتب والأجور أو مشتريات القطاع العام من السوق الداخلية، وفي كلا القناتين تبدو الفاتورة باهظة القيمة، وكانت من نصيب صناديق غير حكومية.

المهم أننا أمام أفق جديد ينتظر حضوراً مختلفاً لقطاع الأعمال، فبعد مسؤولية الصمود تأتي مسؤولية الإعمار، وهذه ليست مهمة حكومية خالصة، وإن فشلت المراهنة على مساهمة ” الخاص” كخيار، لا بد أن تكون بقرار، لأن مقولة الوطن للجميع تعني الجميع في “الغنم والغرم”.

2 تعليقات
  1. بسمة ابراهيم يقول

    سلمت يداك أ. ناظم…إن ضمانة نمو الاقتصاد وتنمية المجتمع هو التعاون بين الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، ويجب التأكيد على أهمية وجود شركات رابحة ومنتجة تعمل في ظل مناخ اقتصادي واجتماعي قوي مع قطاع عام ومنظمات مجتمع مدني فاعلة وحيوية، وتحسين الفهم المتبادل بين الحكومة ومؤسسات الأعمال وباقى الأطراف المعنية بطرق الترويج للعمل المجتمعي المسؤول .

  2. ادارة يقول

    بالتأكيد المسؤولية المجتمعية عموماً لا تُنجز إلّا بتناغم و إيقاع مشترك بين الجميع ..وإن لم يتحقق ذلك سنبقى ندور في مشكلة نتائجها باختصار هي التنمية “العرجاء” أو الجوفاء ..وستبقى الموازنة العامة للدولة هي وقود نشاط قطاع الأعمال الخاص بدلاً من أن يكون الأخير هو القائد والمبادر والداعم لخطط وبرامج الحكومة..

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]