صفعة موجعة قد لا تتأخر لـ”أبطال الفساد”..ضرورات لا تقبل ترحيل الملف مجدداً..

ناظم عيد – الخبير السوري:

يبدو أن إصرار الدولة لم يفتر على المواجهة مع الفساد، فثمة متوالية تأكيدات على أولوية مثل هذا الملف المتداخل بأبعاده وتفاصيله ومكوّناته، تجري في أروقة مؤسسات قيادية.

إلّا أن تفاؤلنا بالنتائج التي ننتظرها، يجب ألّا يقلل من أهمية إدراك حساسية مقاربة ملف هو من أعقد الملفات التي تتصدّى لها الحكومات أو حتى الدول، وأن المهمة باتت غير عادية، بعد تحوّل هذا الداء إلى ثقافة مجتمعية، وعلينا أن نعترف بذلك أولاً قبل المضي في رحلة “الألف ميل” المضنية، وإن كابرنا ولم نفعل سيكون مشروعنا محفوفاً بمخاطر الفشل، وهذه ارتكاسة لا بد من توخي عدم الوقوع فيها، لأن نتائجها ستحوّل الظاهرة إلى حالة معنّدة، وهذا أخطر الاحتمالات.

من هنا علينا ألّا نعد أنفسنا بحصاد دسم في مضمار محاولة اجتثاث الفساد أو محاربته، إن لم نوفق ببلورة خطة معلنة، وتصوّرات واضحة تحمل إجابات دقيقة وبدائل أو خيارات لتجاوز كل عقبة يمكن أن تعترضنا- وسيعترضنا الكثير- فنحن أمام مهمة شاقة وليس مجرد “كرنفال” إعلامي لشتم الفساد والدعاء على الفاسدين..أو تخويفهم بعذاب النار والآخرة.

ولعله من الحكمة أن نحرص على تحديد الأولويات ونحن نقرر المستويات التي سنبدأ بتطهيرها، بعد أن نكون قد صغنا معايير واضحة لدلالات مفردة الفساد، وإحداثيات انتشارها، وهذا مهم جداً بعد أن تعدّى حضور الظاهرة الحالة التنفيذية، إلى الحالة الشعبية، ونقولها بعد تردد لكنها الحقيقة المرّة التي علينا البوح بها ولو على مضض!!.

بعد وقفة ما قبل الانطلاق هذه، من المتوقّع أن نصل إلى استنتاج غاية في الأهمية، يتعلّق بحتمية التكامل المطلق بين كافة الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية، و”قادة الرأي” في المجتمع الأهلي، لدى خوض جولات المواجهة مع الفساد وفق الأجندة المتفق عليها، وتفادي الوقوع في خطأ اجتزاء الحالات والانتقائية في التشخيص والعلاج، لما لذلك من انعكاسات سلبية تتبدّى على شكل “رضوض” اجتماعية، وتعزيز لارتكابات الهاربين من طريق عجلة المكافحة.

وثمة بعدٌ آخر للتكامل المطلوب، يملي ضرورة التزامن في الإقلاع على مساري معالجة ملفات الفساد، الأول النازل في الهرمية التنفيذية، والثاني الصاعد من القاعدة الشعبية الأفقية، بما أننا اتفقنا على أن الفساد لا يقتصر على أحد هذين المسارين، ومن الضروري هنا مواكبة البعد الإجرائي بآخر توعوي مكثف –ربما لم نفكر به بعد ونحن ندّعي الاستعداد لبدء حملة المكافحة– يبدأ من المدارس لمحاولة تنشئة جيل مناهض للفساد، وهذه مسألة غاية في الأهمية لا يجوز إغفالها أو إرجاؤها.

وسنختم باقتراح نراه ناجعاً وتحدّثنا عنه مراراً، ويخص تجربة “المواطن المُحلّف”، وهم أشخاص يجري انتقاؤهم بعناية وسريّة، في القرى والأحياء وفي المؤسسات العامة والخاصة، كمحلّفين ومسؤولين أمام هيئة مصغرة – لتكن في إطار مجلس الشعب – وتكون تقاريرهم موثّقة ويؤخذ بها كقرينة أساس في مساءلة المرتكبين.

هي تجربة أثبتت جدواها لدى من جرّبوا، وبالتأكيد أكثر فعالية بكثير من “العراضات” الرقابية المُخترقة، التي ستستقيم قبل سواها عندما يدرك عناصرها أو موظفوها أنهم يخضعون لرقابة غير مرئية.

إنها مستلزمات معركة ربما تلي في الأهمية المعركة مع الإرهاب، فإن لم نعدّ مثل هذه العدّة علينا مراجعة حساباتنا ولا بأس ببعض الوقت الإضافي نمنحه لأنفسنا قبل موعد ساعة الصفر.

و أغلب الظن أن التأجيل لن يكون ممكناً لأمدٍ طويل، لأن الحرب فعلت فعلها في ترسخ ثقافة الفساد وتوسيع دوائره، لأن “عائدات الارتكاب” باتت مغرية في زمن انشغال الدولة باستحقاقات مصيرية، لكن التأكيدات الراشحة من هنا وهناك، تؤكد أن الضربة القادمة ستكون موجعة لمن استسهلوا واستساغوا طعم “حصاد فسادهم”..ولعلها ضربة لن تتأخّر.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]