الاقتصاد السوري أمام أكبر محنة مدبّرة..استقطاب العقول والمهارات النادرة بلبوس “هجرة الحرب”

 

 

دمشق – الخبير السوري:

نحو نصف مليار دولار كلفة المهاجرين السوريين إلى أوروبا، والمعدل الوسطي الذي يسحبه المهاجر الواحد نحو 7 آلاف دولار، إحصائيات صادمة بثها وزير الاقتصاد همام الجزائري نهاية الأسبوع الفائت مستنداً إلى قيامهم ببيع ممتلكاتهم وبيوتهم وسياراتهم ومصاغهم ليشتروا دولارات لتسديد تكاليف الهجرة، وهذا بحدّ ذاته يعتبر نزيفاً لموارد الدولة، وكذلك نزيفاً للأدمغة والخبرات والكفاءات الشابة السورية التي تستقبلها دولة عجوز كألمانيا نسبة من هم فوق سن 65 سنة من سكانها تجاوزت 20% -حسب بيانات الحكومة الألمانية- لتصبح الوجهة الأولى لآلاف السوريين تليها السويد والنرويج، وبدأت المؤسسات التي تعاني من نقص في اليد العاملة تنظر بمزيد من الاهتمام إلى المرشحين للحصول على اللجوء، وتعتبرهم هبة ثمينة، طبعاً في بلدان تميل إلى الشيخوخة، كما أشرنا آنفاً.تغيير للمعطيات

ويعترف اتحاد أرباب العمل بأن ألمانيا التي تراجعت فيها البطالة إلى أدنى مستوياتها بين 5 إلى 6%، بحاجة إلى 140 ألف مهندس ومبرمج وتقني، مؤكداً أن قطاعات الحرف والصحة والفنادق تبحث أيضاً عن يد عاملة، ويمكن أن تبقى حوالي 40 ألف فرصة شاغرة خلال العام الجاري.

وقبل تدفّق المهاجرين السوريين توقعت مؤسسة بروغنوس الألمانية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية نقصاً يقدّر بـ 1.8 مليون شخص في 2020 في جميع القطاعات، و3.9 ملايين على مشارف 2040، إلا أن الخبير الاقتصادي اولريش غريللو أكد أن تدفق القوى العاملة الجديدة يمكن أن يغيّر المعطيات، لأن عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين ما زالوا شباناً وتتوافر لديهم فعلياً المؤهّلات الجيدة.

بدورها أوساط اقتصادية مهمة طالبت المشرّعين القانونيين بالانكباب على وضع إجراءات سريعة للاعتراف بشهادات وكفاءات الواصلين السوريين وتسجيلهم بأقصى سرعة، ورصد المزيد من الأموال لتعليمهم اللغة الأم للبلد.

استنزاف الطاقات

ويبدو أن تسابق المؤسسات الألمانية إلى توطين الكفاءات السورية واستيعاب أكبر عدد ممكن من المهاجرين، دفع وزارتي الخارجية في النرويج والسويد مؤخراً إلى فتح خط بحري بين لبنان والأردن وتركيا بحيث تقوم سفن ضخمة بنقل اللاجئين إليهما والموافقة ستكون بناءً على تقييم بعثة النرويج والسويد التي ستأتي إلى هذه الدول المجاورة لسورية لتسجيل أسماء أصحاب الشهادات والخبرات والوثائق والتأكد من الهويات الوطنية بأن اللاجئ سوري الجنسية، وبعدها سيبدأ بنقل اللاجئين خلال شهر وبشكل يومي إلى السويد والنرويج وذلك بعد ملء استمارة يتعهّد من خلالها اللاجئ بأنه لن يترك النرويج والسويد قبل عشر سنوات، وذلك لدمجه بمجتمعاتهم واستثمار طاقاته كاملة بغض النظر عما تكبّدته الحكومة السورية من تكاليف بمئات الملايين من الدولارات في تعليم وتأهيل هؤلاء المهاجرين المغرّر بهم من هذه الدول المتشوّقة إلى اليد العاملة.

مبادرة النرويج والسويد “البحرية” لتشجيع العمالة الكفؤة السورية وجذبها إلى أسواقها، أزعجت ألمانيا التي أسرعت للاتفاق مع شركة بحرية للسفن لنقل الركاب بالاعتماد على خط بيروت – ألمانيا، وخط ميناء العقبة في الأردن إلى ألمانيا، على أن تنقل هذه السفن في اليوم الواحد خمسة آلاف مهاجر سوري، حيث سيتم تشغيل 15 سفينة للركاب على هذين الخطين وقدّمت ألمانيا طلباً للحكومتين اللبنانية والأردنية بالسماح لها بنقل اللاجئين السوريين، حتى لو لم يكونوا يملكون جوازات سفر أو ثبوتيات تؤكد هويتهم السورية، وهذا تسهيل لم تستطع النرويج والسويد تقديمه، ما يكشف الأهمية الكبيرة التي توليها ألمانيا لمجال استقطاب الأيدي العاملة السورية المشهود لها بالنشاط والخبرة العالية من جهة، ومن جهة أخرى يظهر مدى تعطش الاقتصاد الأوروبي “المنتعش” إلى العمالة الشابة.

الدمج السريع

وما يؤكد هذه التوجّهات النداءات المتتالية لمسؤول سوق العمل في اتحاد العمال الألماني الكسندر فيلهلم التي وجّهت إلى جهات كثيرة لفتح أبوابها أمام العمالة السورية الوافدة؛ بهدف تسريع دمجها في سوق العمل، حيث طالب حكومة بلاده بالقيام بخطوات منها: تخفيف قواعد الوصول إلى فرص العمل مع حصول المنشآت المستقبلة للعمالة على ضمانة بأن الأجير الذي تختاره لن يغادر البلاد خلال سنة أو سنتين على أبعد تقدير.

كأن جميع حكومات الدول الأوروبية الاقتصادية الكبرى تنتظر بفارغ الصبر اشتداد الأزمة السورية لتمتص كفاءات ومهارات شهد بها القاصي والداني، والدليل الترحيب الكبير من المنظمات الاقتصادية في هذه الدول بإعلان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تغيير سياسة بلادها تجاه هجرة السوريين إليها، لأنها بحاجة إلى مليون ونصف المليون عامل في المجالات الزراعية والصناعية والخدمات، وأن هجرة السوريين إليها بنسبة مليون لاجئ ستؤمّن 300 ألف فرصة لسدّ عجز البطالة في ألمانيا، براتب لن تتجاوز قيمته الألف يورو في الشهر أي نصف ما يتقاضاه العامل الألماني والمجنسين الأتراك وغيرهما، وفي وقت سابق للأزمة كان الكثير من هذه الكفاءات والمهارات يتقاضى من المصارف السورية وشركات التأمين والصناعة نحو 50 ألف ليرة أي ما يعادل ألف دولار (كان الدولار وقتها بـ50 ليرة سورية).

سامر حلاس

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]