لقب “تاجر سوري” على المحك.. ودعوات لاستبدال الصفة بـ “وكيل محلّي”

 

 

خاص – الخبير السوري:

التجارة شطارة…عبارة طالما تغنى بها شيوخ كار تمرسوا عبر تاريخهم التجاري الطويل بأصول مهنة أُسّ رأس مالها الصدق والنزاهة، والالتزام بمواعيد ومواثيق قطعوها على أنفسهم أمام عملائهم المحليين والعالميين، إضافة إلى تفعيل عجلة اقتصادهم الوطني ودعم ميزانه التجاري عبر التركيز على التصدير أكثر من الاستيراد من خلال البحث عن أسواق جديدة تستوعب المنتجات والصناعات المحلية، والوصول في نهاية المطاف إلى توطين التصدير كنشاط وركن أساسي في المشهد الاقتصادي الوطني، ولعل هذا هو المعنى الحقيقي لكلمة (شطارة) التي اقترنت بـ(التجارة).

تجار بالمراسلة!!

يبدو أن مفهوم الشطارة في الوضع الراهن انحرف كثيراً عن جوهره الأصلي متخذاً مساراً جديداً خطّه شيوخ كار جدد لم يرثوا أصول مهنة الأجداد على أصولها، معتمدين المعنى الأجوف للكلمة الذي لم يتعدَّ حدود جمع أكبر قدر ممكن من المال بغض النظر عن أي أسلوب أو طريقة يسوقها محبو الثروة ولو كانت على حساب المستهلك الذي يعتبر الحلقة الأضعف في سلسلة العملية التجارية ككل، مفضلين الاستيراد على التصدير الذي على ما يبدو – أن الأخير- قد خرج من قاموس معظم التجار لاعتبارات لها علاقة بضغط التكاليف وتوفير الجهد والعناء، لدرجة أن أغلب تجارنا تحولوا–حسب بعض المراقبين وخصوصاً قبل الأزمة – إلى وكلاء اكتفوا باقتناء فاكسات يراسلون عن طريقها الشركات المتعامل معها في الخارج لتقوم الأخيرة بناءً على مضمون الفاكس بإرسال الطلبيات إلى المرفأ، وعندها يأتي شيوخ الكار الجدد لاستلامها وتوزيعها على الأسواق المحلية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السفر أو حتى معاينة البضاعة في بلد المنشأ، ما حدا بالبعض إلى تسميتهم بـ(تجار المراسلة) داعين لوجوب إعادة النظر بمفهوم التاجر السوري ولاسيما في ظل تحول أغلب صناعيينا إلى تجار، ناهيك عن أن تصدير المنتجات السورية وخاصة إلى دول الجوار ينشط في كثير من الأحيان طرداً مع نشاط التجار غير السوريين ولاسيما العراقيين والأتراك الذين يشحنون بين الفينة والأخرى البضائع السورية إلى بلدانهم.

علم ومنطق

لم يعتبر مدير هيئة تنمية الصادرات إيهاب اسمندر أن زيادة المستوردات مقابل الصادرات مؤشر على أن التجار السوريين أشطر بالاستيراد منه بالتصدير، موضحاً في حديثه لـ”صدى الأسواق” أن لهذا مبرراته من قبيل أن عدم كفاية إنتاجنا المحلي يضطرنا للاستيراد ولاسيما أن إنتاجنا المحلي قد لا يلبي بالضرورة متطلبات سوقنا، وبالتالي لا نستطيع أن نحدد إن كان التاجر السوري بارعاً بالاستيراد دونما التصدير بطريقة علمية ومنطقية.

وأضاف اسمندر: إذا أخذنا الموضوع من منطلق تاريخي يتبين أن السوريين بالأساس يعملون بالتجارة شرقاً وغرباً وبين دول العالم كافة، وهم ليسوا أقل براعة من غيرهم، لكن ظروف العمل التجاري ترتبط بكثير من المؤثرات، على اعتبار أن التاجر في النهاية هو إنسان، وأن قسماً كبيراً من التجار هدفه تحقيق أعلى ربح ممكن بأقل تكلفة ممكنة، وهذا أمر منطقي، لكن المنافسة بين التجار تخفف تلقائياً هامش الربح لكل تاجر.

الاستيراد مباح للجميع

وحول الخطوات الممكن اتخاذها لترجيح كفة التصدير على كفة الاستيراد بيّن اسمندر أنه من الناحية المنطقية يحق لكل شخص في سورية أن يعمل في مجال الاستيراد، ولا يمكن تقنين العاملين في هذا المجال بهدف زيادة قيمة الصادرات، لكن يجب اتخاذ إجراءات تشجع صادراتنا وتحدّ قدر الإمكان من مستورداتنا بطريقة علمية وقانونية، مشيراً إلى أن سورية الآن من أسهل دول العالم من جهة القوانين المتعلقة بالاستيراد والتصدير، ومؤكدا عدم وجود قيود على الاستيراد والتصدير إلا بالحدود الضيقة جداً وتطبق في الحالات النادرة نسبياً.

في المقابل لم ينكر اسمندر وجود سلع في سورية إنتاجها قابل أن يوائم متطلبات أسواق عديدة خارجية لتحقيق زيادة ملموسة للصادرات السورية، لكن ذلك بحاجة لدراسة آليات أفضل لإنتاجها ومعالجتها سواء من ناحية التعبئة والتوضيب والتغليف، أو من ناحية وجود علاقات تجارية متميزة، واتفاقيات تأطير للتبادل التجاري من معارض وتسويق..الخ. فالعملية -حسب اسمندر- أعقد من مجرد إنتاج السلع الجيدة لذلك دعا إلى ضرورة اتخاذ خطوة أساسية في هذا الاتجاه.

وعزا مدير الصادرات دور التجار العرب والأجانب في تفعيل الصادرات السورية إلى مبدأ التبادل التجاري بين دول الجوار، إلى جانب ثقتهم بالسلعة السورية من ناحية الجودة والسعر المنافس.

وللغلبة أسباب

لاشك أن لغلبة الاستيراد على التصدير عوامل وأسباباً لها علاقة بحيثيات وخصوصية كل منهما، لعل أبرزها أن الأول أكثر سهولة من الثاني الذي يحتاج إلى جهود وعمل منظم وعلاقات خارجية يصعب على التاجر العادي القيام بها، إضافة إلى أن اتخاذ قرار للقيام بالاستيراد هو قرار فردي يتخذه التاجر وحده حسبما أكده الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، بينما قرار التصدير يحتاج إلى شركاء في الخارج، لذلك نجد أن حركة نمو ونشاط الاستيراد أسرع من نظيرتها بالنسبة للتصدير الذي يحتاج إلى جهود كبيرة وسبر للأسواق ومشاركة بالمعارض وشركاء بالخارج، وحملات ترويجية وتسويقية، وهذا يستدعي تكاليف مادية.

مفرزات معيقة

لا يتفق فضلية مع الرأي القائل: إن مفهوم التاجر السوري أُفرغ نسبياً من مضمونه ليصبح أقرب ما يكون لمصطلح وكيل منه لتاجر، لأن التاجر السوري له تاريخ طويل وعريق في التجارة منذ طريق الحرير، لكن خلال السنوات الأخيرة ونتيجة لفلسفة الاستهلاك والانفتاح التجاري بشقيه الداخلي والخارجي وتحرير التجارة واحتدام حدة المنافسة وغير ذلك من مفرزات العولمة الاقتصادية، أصبح من الصعب على التاجر السوري أن يصدر.

وأضاف فضلية إن كل الاقتصادات تصدر وتستورد، لكن الاقتصاد الأقوى والأكثر تنافسية يصدر أكثر مما يستورد، والعكس صحيح بالنسبة للاقتصاد الأقل تنافسية، والذي ثبت في قطاعنا التجاري أن المصدر دائماً -للأسف- هو أضعف من المستورد، وحتى من ناحية الدعايات والحملات الترويجية نرى أنها بالنسبة للسلع المستوردة أقوى ومنظمة ومدعومة أكثر من تلك التي يقوم بها التاجر للترويج لبضاعته في الخارج من أجل التصدير.

وعزا فضلية هذا الضعف لأسباب موضوعية، وأخرى ذاتية، فالأولى تتمثل بملاقاة الاقتصاد السوري تحدياً كبيراً وسريعاً خلال العقد الأخير نتيجة ضعف تنافسيته ومحدودية إنتاجيته في ظل الانفتاح الاقتصادي، لذلك كان من الصعب أن يكون الاقتصاد السوري نداً لاقتصادات متطورة وذات تاريخ عريق.

ومن الأسباب الموضوعية أيضاً الظروف الاقتصادية التي تصيب الدول الأضعف أكثر مما تصيب الدول الأقوى، ومنها ارتفاع أسعار البترول والنقل والظروف المناخية والأزمة العالمية التي أصابت كل الدول وكانت أكثر إيلاماً للاقتصادات الأضعف، وسورية من الاقتصادات الأضعف مقارنة مع بقية الاقتصادات، إضافة إلى أن كل دول العالم وحتى ذات النشاط التصديري الأقوى في العالم أصبح نشاطها أقل من العادي نتيجة ذيول الأزمة العالمية.

أما الأسباب الذاتية فردّها فضلية إلى عدم تطوير قطاعنا التجاري العام والخاص لا من ناحية السرعة والوتيرة اللازمة مع تطور التحديات التي تواجهه، ولا من ناحية زيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية، وضبط التكلفة وسبر الأسواق والتعاون مع الأسواق العالمية بفكر متطور وبشكل منظم لكي يصبح أكثر ندية من السابق.

غش غير تقليدي

بدأت بعض حالات الغش والتدليس تطفو على سطح تجارتنا الخارجية والداخلية، لكنها من نوع خاص جداً، يتمثل بسرقة علامات تجارية عالمية ولصقها على منتجات محلية، وبشكل مخالف للقوانين والأنظمة النافذة الدولية منها والمحلية، وللأسف هناك شركات محلية نظامية ومعروفة تقوم بذلك في ظل تحول كثير من الصناعيين إلى تجار، وفي هذا السياق لم ينف فضلية وجود هذه الحالات في سورية لكنه اعتبر انتشاره أكثر وضوحاً في القطاع غير المنظم وتباع على أنها مواد مهربة تحت أسماء ماركات عالمية وخاصة في البسطات المنتشرة على الأرصفة.

وأشار فضلية إلى نوع من الغش أخطر مما ذكر آنفاً يتمثل باستيراد كمية محددة من مواد وسلع ذات ماركات عالمية معروفة ويوضع مقابلها عدد أكبر من سلع محلية يلصق عليها نفس الماركة، ويتم دمجها مع بعضها ضمن فاتورة المواد المستوردة وتباع الكمية كاملة في السوق المحلية على أساس هذه الفاتورة، علماً أن المواد المحلية قد تكون في كثير من الأحيان موازية من ناحية الجودة لنظيرتها المستوردة إن لم تكن أكثر جودة.

 

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]