400 مليار ليرة تتحدى الحكومة وذراعها المالية..

الخبير السوري:

لدى حديثنا مع أي مسؤول في وزارة المالية حول حجم التحصيل الضريبي، وما يقابله من تهرب ضريبي ينتابنا شعور أن الوزارة لا تزال تختبئ وراء إصبعها..!.

فمعظم ما يصدر عنها من إجابات –إن لم يكن كلها – يفتقد إلى الجرأة لجهة توضيح مواطن الخلل المتسببة بتدني نسب التحصيل، وارتفاع نسب التهرب، ما يشي بأن الوزارة حريصة على عدم المكاشفة والإفصاح عنها، بدليل أن أنها لا تذكر الرقم وإنما تركز دائماً على النسب وتحسنها من عام لآخر خاصة ما يخص التحصيل، بينما تمتنع امتناعاً كلياً عن إعطاء أية نسبة أو رقم حول التهرب الذي يقارب أو يتجاوز الـ400 مليار ليرة سورية حسب بعض التقديرات..!.

نستحضر في هذا السياق ما أورده أحد أعضاء مجلس الشعب منذ نحو عامين حول إيجاد مطارح ضريبية وتعميق جهود مكافحة التهرب الضريبي وتحصيل حقوق الخزينة الوارد بالموازنة، وتأكيده بأن هذا الموضوع يزيد موارد الخزينة أكثر من 25%، ولعل إشارته – خلال جلسة مجلس الشعب التي تابعت في ذلك الوقت مناقشة تقرير موازنة 2017 – إلى أن “أشخاصاً تحولوا إلى أصحاب أموال وثروات طائلة بين ليلة وضحاها، ونحن نتجه اليوم إلى التحصيل الضريبي من راتب الموظف أو من منظومة إنتاجية تعاني من الدمار والسرقة”. يحرضنا للحديث عن جزء بسيط من ملف الضرائب الشائك، وما يشكله من هاجس ليس بالقليل لدى دوائر المالية..!.

ففي الوقت الذي تتمنع فيه مفاصل وزارة المالية عن الإفصاح عن أي رقم حول التحصيل الضريبي، تؤكد أخرى أن هذا الرقم بتحسن مستمر، وتعتبر أن إعطاء أي رقم له علاقة بالضرائب قد يساء استخدامه أو تأويله..!.

سبق لنا وأن أشرنا إلى أن المتابع لحيثيات العمل الضريبي ونتاجه يلحظ أن ما أقدمت عليه إداراتنا الضريبية من إحداث أقسام لكبار ومتوسطي وصغار المكلفين، لم يحقق المراد منه، وذلك لعدم وجود تغيير جذري بالعلاقة ما بين المكلف والإدارة الضريبية ذات المنشأ الممتد لسنوات طويلة، فتغيرها وتطويرها لترتقي إلى مستوى الطموح بحيث تصبح علاقة ثقة ووضوح وشفافية سيحتاج إلى وقت طويل كما يبدو، مع الإشارة إلى وجود بعض المكلفين -وهم قلة قليلة- على درجة من الوعي والالتزام، والبعض الآخر لا يمتلك الدراية الكاملة بالقوانين الضريبية، ما يستوجب بالتالي مواصلة السعي للوصول إلى هدف الالتزام الكامل وبناء علاقة الثقة بين المكلف والإدارة الضريبية.

في قراءة سريعة للمشهد الضريبي في سورية يتبين بأن التشريعات الضريبية ابتعدت إلى حد كبير عن تحقيق العدالة الضريبية، مع الإشارة بالطبع إلى أنه ليس كل التشريعات الضريبية في سورية تعاني خللاً، بدليل أن العامل الرئيس في موضوع التهرب الضريبي الكبير يعود لعدم وضوح التشريعات وغموضها، إضافة إلى الفساد الإداري الموجود لدى موظفي الضرائب لاسيما أن السلطة التقديرية التي أعطيت لهم أسيئ استخدامها نتيجة غموض النص والعمل ضمن صلاحيات واسعة، ما يعني أن معالجة التهرب الضريبي لا يمكن أن تكون بشكل مفاجئ وإنما على درجات وعبر وضوح النصوص التشريعية وإيجاد علاقة تكاملية وثقة متبادلة بين المكلف والإدارة الضريبية، ولكن هذه العلاقة –للأسف- غير متوفرة بكامل عواملها، لاسيما أن الإدارة الضريبية تعتبر المكلف حاليا متهرب مفترض حتى يثبت العكس، في المقابل يتهرب المكلف كلما استطاع لذلك سبيلاً لعدم قناعته بما يدفع من ضريبة غير عادلة…!.

حسن النابلسي

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]