حمى تزوير العلامات التجارية تجتاح الأسواق السورية..سقوط مدوّ لـ”نصيحة” احذروا التقليد..

دمشق – الخبير السوري

 

لم تكن سلوى تعلم أن جميع الألبسة التي اشترتها من تلك المرأة التي امتهنت التجارة في منزلها معتمدة على تسويق بضاعتها عبر صفحات الانترنت، هي ألبسة تحمل ماركة مزورة، وإن صح القول، هي ماركة مقلّدة لإحدى الماركات المشهورة التي اعتادت الكثيرات الشراء منها… “هذه التاجرة” وغيرها ممن وجدن في تقليد الماركات وسيلة للربح السريع وقنص الزبائن المتوهمين بأنهم يشترون الماركة الأصلية استشروا في المجتمع ليتعدى تقليد العلامات التجارية الألبسة إلى الكثير من السلع والمنتجات، بدءاً من  الصناعات الغذائية والدوائية، وليس انتهاء بالألبسة والشركات التجارية المشهورة، لتغدو سرقة العلامات التجارية من القضايا المشهورة، والتي ترعرعت خلال الأزمة لعدم وجود يد حقيقية تردع هؤلاء الأشخاص المقلدين للعلامة الأصلية دون التقيد بمواصفات الجودة ودون الأخذ بالحسبان. إن هذا الأمر يسيء إلى سمعة الصناعة المحلية لعدم مراعاة قواعد الملكية، ويعرّض المستهلكين للغش والابتزاز، فضلاً عن اعتبار ذلك تعدياً على منشآت صناعية، حققت مكانة وشهرة بعد سنوات طويلة من الجهد والتعب.

 

تهرّب من المسؤولية

 

تلعب العلامة التجارية دوراً مهماً في تعزيز الثقة بين المستهلك والسلعة التجارية أو المنتج، وتعتبر من أهم عوامل تأسيس الشركات لسمعتها، والحفاظ على مكانتها في السوق، سواء المحلية أو الخارجية، وعلى الرغم من أهمية حماية العلامات التجارية، إلّا أنّ أصحاب المنشآت الصناعية تذمروا من عدم قدرة الجهات الحكومية المسؤولة عن حماية ملكيتهم التجارية، إذ كانت تكتفي مديرية حماية الملكية قبل الأزمة، حسب قولهم، باستقبال شكاويهم المتمحورة حول محاسبة سارقي العلامات التجارية، وإحالتها للقضاء دون وجود متابعة جدّية وإجراءات قاسية وحازمة بحقهم، الأمر الذي جعل هذه الظاهرة تستفحل بشكل كبير وخطير في مجتمعنا خلال الأزمة، حيث لم يعد هناك رادع حقيقي لهؤلاء الأشخاص لتسقط الكثير من الدعاوى المرفوعة بحقهم بالتقادم دون محاسبة لهم.

 

مصيدة الماركات

 

حالات ومواقف كثيرة، تعرّض لها أشخاص لم يتوقعوا أن يقعوا في مصيدة تقليد العلامات التجارية، ولعل أغلب تلك الحالات غلب عليها الطابع الأنثوي على اعتبار أن المرأة أكثر بحثاً عن الماركات من الرجل، خاصة فيما يتعلق بالملابس ومستحضرات التجميل، لنجد الكثيرات، ممن يتعالجن عند أطباء الجلدية، قمن بشراء أحد مستحضرات التجميل (كريم أساس وما شابه) على أنه من إحدى الماركات العالمية المشهورة بسعر مرتفع جداً لتظهر علاماته الفورية على بشرتهن من  ندبات وتحسس كامل  للبشرة، وينتهي المصير بهن عند أطباء الجلدية وأطباء العينية في حالات أخرى نتيجة شرائهم  لنظارت شمسية بسعر باهظ دون علمهم بأن هذه البضاعة مقلّدة، ولا يتجاوز سعرها مئات الليرات، وفي المقابل نجد أشخاصاً مهووسين بالبحث عن منتجات مقلّدة لماركات مشهورة لعدم قدرتهم على تحمّل أسعار الماركات الأصلية، وعدم قدرتهم أيضاً على التخلي عن امتلاك أغراض تحمل ماركة محددة، حتى ولو كانت مزوّرة إيهاماً للناس بأنهم من طبقة اجتماعية غنية.

 

ظاهرة عالمية ‏

 

لا تقتصر ظاهرة التقليد أو التزوير أو التهريب على بلد دون آخر، فهذه الظواهر موجودة في كل دول العالم.. الرئيس التنفيذي لمؤسسة حماية المستهلك العالمية في تصريحات إعلامية، يقدّر قيمة البضاعة المقلّدة والمغشوشة في الدول العربية بنحو 50 مليار دولار، ويقدّر قيمتها في دول مجلس التعاون الخليجي بين 6-9 مليارات دولار، وتصل لنحو 15 مليار ريال سنوياً في السعودية، في حين تقدّر مؤسسات دولية كمنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الجمارك الدولية حجم السلع المقلّدة والمغشوشة بما يتراوح بين 7-10% من الإجمالي العالمي لتجارة السلع المصنعة، ويقدّر الاتحاد الأوروبي قيمة البضائع المقلّدة في العالم بنحو330 مليار دولار سنوياً، والمشكلة أن التقليد يطول الدواء، وهنا تكمن المخاطر الكبيرة لهذه الظاهرة، فمنظمة الصحة العالمية تقدّر نسبة الأدوية المقلّدة في السوق العالمية بـ 10%، وتعتقد أن أكثر من 25% من الأدوية المستهلكة في البلدان النامية مقلّدة.

 

اقتصاد الظل

 

يجمع الاقتصاديون على مدى خطورة هذه الظاهرة والتي تهدد الاقتصاد الوطني، حيث تحدّث الدكتور عابد فضلية عن ازدياد هذه الظاهرة خلال الأزمة بشكل كبير، فالأزمة أنتجت جميع أنواع التراجع متجاوزة كل الضوابط الأخلاقية والفكرية، وتقليد العلامات التجارية عبارة عن حالة موجودة قبل الأزمة، لكنها تفاقمت خلال الأزمة، مضيّعة بذلك الكثير من فرص الاستثمار، حيث أدت إلى فقدان ثقة المستثمر في بلدنا، كما تؤدي إلى تراجع القدرة على الإبداع والابتكار في الصناعات المحلية، وحجم هذه الظاهرة في سورية يرتبط بمدى انتشار اقتصاد الظل، فكلما زاد حجم اقتصاد الظل غير الرسمي في بلد ما، زاد حجم الظاهرة، والعكس صحيح، وأكد فضلية أن هذه الظاهرة تنتشر بسبب ضعف الرقابة على المنتجات في السوق، وضعف القدرة على إبداع منتجات مقنعة للمستهلكين، إضافة إلى الخلل السوقي، ووجود اقتصاد ظل بعيداً عن الرقابة، وغير مرخص يمارس أعمالاً غير نظامية بعيدة عن الرقابة، وتتفاقم خلال الأزمة حين يتم اصطياد مزيد من الزبائن بصنارة الأسعار المنخفضة، إذ يبحث المستهلك عن السلعة الأرخص دون التدقيق بالمنشأ، أو الاكتراث بالنوعية. ‏

 

حماية قانونية

 

لم يقف قانوننا السوري مكتوف اليدين عن حماية حقوق مالك العلامة التجارية في سورية، فقد قدم الحماية الكاملة لحقوقه من أن يقوم أي شخص بالاعتداء عليها، فالقانون، حسب رأي المحامي محمود الحموي، أعطى القاضي الحق في فرض عقوبة على كل من أقدم على استعمال علامة فارقة تخص غيره بالسجن من (3 أشهر إلى 3 سنوات)، وغرامة تبدأ بـ 300 ألف ليرة، وتصل إلى مليون ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وشددت المادة 14 من القانون 8 رقم 2007 على ضرورة أن يقدم طلب تسجيل العلامة من قبل صاحب الطلب، أو من ممثّله القانوني مرفقاً به الرسم المالي المحدد، وفي حال كان طالب التسجيل غير مقيم في سورية وجب عليه أن ينيب عنه شخصاً مقيماً في سورية ليكون وكيلاً عنه في معاملات التسجيل، وينبغي ممن يريد تسجيل علامة تجارية أن يرسل استمارة طلب تسجيل إلى مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية بعد ملئها حسب الأصول، متضمنة البيانات اللازمة للاتصال بالشركة، ورسماً بيانياً لعلامة الشركة، وتقديم وصف للسلع والخدمات مما ترغب الشركة في أن يشمله تسجيل العلامة التجارية، وتسديد الرسوم المطلوبة لذلك، وأرجع الحموي تراجع عدد الدعاوى في هذا الموضوع إلى طول إجراءات التقاضي التي قد تصل في حال القضاء المدني إلى عدة سنوات، وإلى سنة أو سنتين في القضاء التجاري الأكثر تخصصاً وفهماً لطبيعة العمل التجاري، والذي غالباً ما يستأنس بخبرات الوسط التجاري وأهل الاختصاص، ولاسيما شيوخ الكارالذين يعرفون شهرة وحجم أغلب العلامات التجارية، خاصة أن الخسائر الناجمة عن عمليات سرقة أو تقليد العلامات تصل إلى مئات الملايين من الليرات السورية.

 

شكاوى وضبوط

 

تتنوع أساليب تقليد وتزوير العلامات التجارية، وتتبدل من منتج إلى آخر، ومن ماركة إلى أخرى، لتشمل ليس فقط اسم المنتج، وإنما الشكل، والسعر، وحتى المواصفات الموجودة على عبواته، وتصل غالباً إلى أن تكون نسخة طبق الأصل عن الماركة الأصلية شكلياً، إلا أنها فعلياً لا تحمل أقل مواصفات الجودة المطلوبة، والعلامة التجارية، حسب ما أكده لنا سمير حسين، “مدير مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية”، هي كل إشارة تمكن من تمييز منتجات أو خدمات شخص طبيعي أو اعتباري، والحماية تقتصر على العلامات المرئية فقط، ولا تمتد لتشمل علامات الصوت والرائحة، وقد ارتفع عدد علامات تسجيل الطلبات المقدمة لتسجيل حقوق الملكية التجارية والصناعية إلى 14711 العام الماضي بعد أن كانت 7588 في عام 2013، الأمر الذي يعد مؤشراً إيجابياً نحو زيادة ثقافة العلامة التجارية وحماية الملكية لدى السوريين، وفي المقابل وصل عدد الشكاوى المسجلة في مديرية حماية الملكية إلى 52 شكوى العام الماضي تمت إحالتها من النيابة العامة إلى مديريتنا، وتكون للعاملين في مجال حماية الملكية المكلفين بتعيين الأشياء الجرمية وجردها، وأخذ نماذج منها، وضبط المخالفات المنصوص عليها في القانون، صفة الضابطة العدلية لحماية الملكية، ويقوم هؤلاء بموجب أمر مهمة أو تفويض صادر عن النيابة العامة، أو عن مدير الحماية، بإخبار المديرية بكل ما يطلعون عليه من مخالفات لأحكام هذا القانون، وترسل الضبوط إلى النيابة العامة لإجراء ما يلزم بشأنها.

 

امتلاك دون انتفاع

 

تشتكي الأنشطة التجارية والصناعية من امتلاك الكثيرين للعلامة التجارية، ولا يقومون بالانتفاع بها، هنا تحدث “حسين” عن قيام المديرية بشطب العلامة التجارية بناء على طلب أي شخص يستطيع إثبات أنها لم تكن موضع انتفاع، وفي حال استطاع مالك العلامة إثبات أن ظروفاً خارجة عن إرادته منعته من الانتفاع بالعلامة، رغم نيته الصادقة للانتفاع بها، فلا يجوز شطب العلامة، وتدرك معظم الشركات أهمية الانتفاع بعلامات تجارية لتمييز منتجاتها عن منتجات منافسيها، على أن بعضها لا يدرك أهمية حمايتها عن طريق التسجيل، حيث يكفل التسجيل الحق للشركة في منع الغير من تسويق منتجات مطابقة أو مشابهة لمنتجاتها بعلامة مطابقة أو مشابهة إلى حد إحداث اللبس، ودون التسجيل فقد تذهب الأموال الموظفة في تسويق المنتج هدراً، لأن الشركات المنافسة تستطيع الانتفاع بعلامة تجارية مطابقة أو مشابهة لها، وليس من شأن ذلك أن ينتقص من أرباح الشركة، ويضلل المستهلك فحسب، بل من شأنه أن يضر بسمعة الشركة وصورتها، ولاسيما إذا كان المنتج أقل جودة.

 

ميس بركات

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]