اللوثة التي أرهقت أطفال سورية…تنازع بريستيج وعمل الأب “مفخرة مرضية” حتى الفصام..؟!!

 

حتى ذلك اليوم كانت الأمور تسير بشكل جيد مع الطفل عامر ابن التسع سنوات، ولكن منذ اللحظة التي شاهد فيها أصدقاؤه والده يعمل في مطعم مجاور لحيهم، بدأ الإحراج، شخصياً لم يكن الفتى كما أخبرنا يعير اهتماماً كبيراً لمهنة والده، فهو “معلّم شاورما” ماهر، ويتقن صنعته، ودخله جيد جداً، ويستطيع أن يؤمن له ولإخوته حياة كريمة، ولكن بعد مضايقات كثيرة من أبناء صفه، خاصة أولئك الذين كان على خصومة معهم، اختلف الأمر كلياً، وأصبح الفتى يشعر بالمرارة والإحراج من مهنة الوالد، ويتجنب الحديث عنها مع أصدقائه، خاصة حين يحاولون الضحك و”التنكيت” عليها، وما أبرع بعض الأولاد بالضحك، والتهريج، ومحاولة الإيذاء اللفظي لأقرانهم، وتبدو مهنة الأب، أو الوالدين عموماً، أحد العوامل المؤثرة بقوة في حياة الأطفال، فهي في بعض الأحيان تكون مصدراً للتباهي، والتفاخر بين الأبناء، لكنها أحياناً أخرى تكون سبباً للخجل والرفض الشخصي والمجتمعي.

 

مجتمع التمييز

لا تبدو حالة خاصة تلك القصص التي نسمعها عن أطفال يتباهون، أو يشعرون بالخجل من مهنة ذويهم، في مجتمع يتصف بالتمييز والتباهي إلى أبعد الحدود، يجتمع كل من نوار، ومحمد، وسليمان، وهم طلاب تعليم أساسي بعد خروجهم من المدرسة، نقترب منهم ونسألهم عن مهن ذويهم، فيجيب اثنان منهم دون تردد، يقول نوار بأن والده يعمل طبيباً، في حين يخبرنا محمد بأن والده صاحب محل موبايلات، ولكن يبدو سليمان متردداً قليلاً، وفي حيرة من أمره، قبل أن يحسم قراره أخيراً بالإجابة، ويقول: إن والده معلّم صحية، والمضحك أن أحد الأطفال الثلاثة يشير إلى صديق رابع ويقول: “عمو هداك أبوه موجّه بالمدرسة”، في إشارة واضحة منهم إلى دلال ومعاملة خاصة يتعامل بها ذلك الشاب، وتبدو النظرة التي يقيّم فيها الأطفال بعضهم مرتبطة إلى حد بعيد بمهن الآباء، والمستوى الاجتماعي والمادي لكل منهم، وللأسف نجد أنها تنعكس على تقديرهم لذاتهم، فإما أن يصبحوا متعالين، ولديهم نوع من التكبّر والغرور، أو ينكفئون على ذواتهم، وتصيبهم العزلة والخجل!.

 

مسؤولية من؟!

تبدو الآراء متفقة أن للأهل دوراً كبيراً في بناء الثقة عند أطفالهم، وزرع الفخر من قبلهم، أياً كانت المهنة التي يعملون بها، تقول أم عمار، وهي ربة منزل: لو افتخر الأب بما يصنع أو يعمل، وبالخدمات التي يقدمها لمجتمعه لما تنكّر الابن لمهنة أبيه، فيجب علينا أن نهتم قبل كل شيء بتعليم أبنائنا، بل ونتفاخر أمامهم بما نقدمه، أو بالمهنة التي نمارسها، ويؤيد أبو وسيم، وهو موظف حكومي، الرأي السابق، إذ يقول: إن تقبّل الابن لمهنة أبيه أمر مرتبط بمدى ثقة الأب بعمله، ومحبته لما يقوم به، وقال: لو وجد الأبناء آباءهم يتذمرون من المهنة، ومن العمل الذي يمارسونه، فسوف يشعرون بالخجل من الحديث عن مهنة آبائهم أمام الآخرين، ويلقي عبد السلام باللوم على المجتمع، والنظرة السلبية، حيث يقول: لو تغيرت نظرة المجتمع لهذه المهن لما خجل الأبناء من وظائف آبائهم، فالأطفال لا يتحمّلون المسؤولية الكاملة بخجلهم من مهنة آبائهم، ومن الخطأ تحميلهم المسؤولية، بل نظرة المجتمع المادية هي من أجبرتهم على ذلك، فلماذا نجد مجتمعات أخرى يقدرون المهن الصعبة، وينظرون إليها باحترام كمهنة عامل النظافة، في حين تكون مرفوضة لدينا، ومحط سخرية وتهكم؟!.. يجب أن نتفق على أنه عندما تتغير أفكار ونظرة المجتمع، سيتغير رأي هؤلاء الأبناء، ويبقى السؤال: متى سيحرر الناس عقولهم؟!.

 

ارتباط عاطفي

يتحدث الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس الطفل، عن أثر واضح وملحوظ للمهن التي يزاولها الأهل في حياة الأبناء، ويقول: يبدأ هذا الأثر بالوضوح بعد تجاوز المرحلة الابتدائية، خاصة حين يدرك الطفل معنى المكانة الاجتماعية، ونوع وطبيعة المهن، ويمكن القول عموماً: إن تقبّل الطفل لمهنة والده، أياً كانت، أو رفضها أمر تتحكم به عوامل كثيرة، منها أسلوب التنشئة، ومدى الارتباط العاطفي والوجداني للطفل بوالده، كذلك علاقة الأهل ببعضهم، فأحياناً يتبنى الطفل رأي الأم التي قد تكون رافضة لمهنة زوجها، وتتحدث عن هذا الأمر أمام أطفالها والجيران، وهذا الأمر يولّد عند الأبناء شعوراً بالدونية والنقص، وقد يتطور لسلوكيات تعويضية كالسرقة، والكذب، أو ممارسة العنف، ويضيف: تزداد المشكلة سوءاً إذا كانت مهنة الأب مثار سخرية بين أقران الطفل وأصدقائه في المدرسة!.

ثقافة مجتمعية

وأوضح الدكتور إبراهيم أنه يمكن النظر إلى مشكلة تقدير مهنة الآباء عند الأطفال، واعتبارها في الأساس مشكلة ثقافة مجتمعية تكمن خارج المنزل عندما يخجل الأطفال من الإفصاح عن مهنة ذويهم نتيجة نظرة المجتمع، وبالتالي فمواجهة هذه المشكلة تتطلب تغيير ثقافة المجتمع نفسه، واستعادة قيم نسيها البعض، وهي احترام الآخر، وتقدير عمله، واعتباره جزءاً من عمل يصب في بناء المجتمع، فالطبيب لا يمكن أن يأكل دون وجود الخباز، والخضري، والمهندس المعماري لا يمكنه تنفيذ مخططاته دون وجود العامل، والمدرّس لا يمكن أن يقوم بواجبه وتعليمه للأطفال إذا لم يشعر بالأمان والاستقرار الذي يوفره لنا الجندي والضابط، وهكذا، فكل يؤدي دوراً ومهمة أصيلة في استقرار الحياة، وبناء المجتمع، حيث تتكامل المهن مع بعضها، وكل يقوم بما يتوجب عليه عمله، ويختم: عندما توجد هذه النظرة، ويتعلّمها الأطفال منذ صغرهم، تختفي مثل هذه المشكلات التي تؤثر بالسلب على الأبناء، وتحرمهم من الاستمتاع بحياتهم بشكل سوي، وتشعرهم بالاختلاف عن بعضهم البعض.

محمد محمود

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]