الحمضيات السورية وحكاية “العناقيد الحلوة”…إجراءات مرنة لمحاصرة أزمة قاسية

 

دمشق – الخبير السوري

منذ عقود ومشكلة تسويق الحمضيات تتكرر وتزداد أعباؤها وقد تعاقبت عليها عدة حكومات ناقشت وبحثت واجتمعت وأصدرت قرارات وتعاميم واتخذت خطوات وما إلى ذلك وكل هذا لم يحل المشكلة وبقي في النهاية بين أخذ ورد ومد وجزر وبقي الفلاح على معاناته وهمومه لكنه لم يفقد الأمل في اجتراح الحلول خاصة عندما تتوفر الإرادة والتصميم وتُعطى المشكلة الاهتمام والرعاية والمتابعة اللازمة.‏‏

 

خطوات جادة‏‏

هذه المعضلة القديمة الجديدة وما يرافقها في كل موسم من متاعب وشجون وتداعيات أولتها الحكومة حيزاً ملحوظاً والتفتت إليها كحالة اقتصادية واجتماعية سيما وأن محصول الحمضيات تعيش من خلفه وتعمل به عشرات آلاف العائلات والأسر، وقد اتخذت هذا العام عدة إجراءات على الأرض لم يسبق أن قامت به الحكومات السابقة، حيث خصصت مليار ليرة لشراء المحصول من المزارعين، كما أنه ولأول مرة يتم تقديم الأسعار التأشيرية للحمضيات، وتقدير تكاليف الإنتاج.‏‏

 

وعلى ما يبدو فإن الحكومة أخذت على عاتقها وصممت على إيجاد حلول لهذه القضية ولو بالتدريج بحيث أإن في كل موسم هناك مؤشرات وقرارات وإجراءات واقعية ملموسة يتم تحضيرها والعمل بها كي لا تتكرر المشكلة.‏‏

 

وعلى ما يبدو فإن الحكومة لن تدخر جهداً ولن تترك مسعى يسهم في خلق معالجات فعلية لتسويق موسم الحمضيات، وقد أوعزت إلى الجهات المعنية كافة بإيلاء الموضوع كل الاهتمام سواء على صعيد الوزارات أم المؤسسات أم الاتحادات والشركات والإدارات الأخرى وحتى كل ما يقدم أفكاراً ورؤى ومقترحات ومبادرات تأخذ طريقاً إلى التنفيذ.‏‏

 

خطط لتسويق المحصول‏‏

 

منذ عدة أشهر وقبل حلول قطاف الحمضيات وبعد التوجيهات الحكومية للجهات المعنية لصياغة حلول وإيجاد معالجات وطرق لتسويق الحمضيات بدأت هذه الجهات اجتماعاتها ولقاءاتها لوضع الخطط والبرامج والدراسات التي تحقق ذلك فقامت محافظة طرطوس بوضع خطة عمل تسويق الحمضيات في المحافظة شاركت بها كافة الجهات المعنية من محافظة وقيادة فرع الحزب وأعضاء المكتب التنفيذي ورئيس اتحاد الفلاحين، ومدير الزراعة، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، ومدير المؤسسة السورية للتجارة ومدير فرع محروقات طرطوس وتضمنت الخطة استجرار كل ما يمكن استجراره من حمضيات من قبل الفلاحين لمصلحة السورية للتجارة وبسقف مفتوح، واعتماد ثلاثة خطوط فرز، كما تم اعتماد الأسعار المناسبة بحيث تم تسعير الصنف الأول بـ 90 ليرة للكيلو و70 ليرة للصنف الثاني وبـ 50 ليرة للصنف الثالث، ويتم تسعير الأصناف الأخرى من قبل اللجنة المركزية لاحقاً، وتم تأمين سيارات شاحنة من الشركات لنقل المحصول من الحقل إلى مراكز التوضيب والالتزام بتسديد قيمة الوقود اللازم للسيارات العامة، وتم تكليف مدير فرع المحروقات بالمحافظة بتأمين صهريج يومي بإشراف عضو المكتب التنفيذي لقطاع الزراعة لتعبئة السيارات بكمية /30/ ليتراً.‏‏

 

لجنة مركزية عليا في اللاذقية‏‏

 

وفي اللاذقية عقد اجتماع برئاسة المحافظ خضر إبراهيم السالم حيث أكد على وضع خطة لتسويق الحمضيات لتكون مثالية على مستوى القطر وتزويد الآليات الزراعية بما تحتاجه من مادة المازوت لهذا الغرض إضافة لتأمين الآليات اللازمة لعملية التسويق واختيار مراكز الفرز والتوضيب في المناطق بحيث يتحقق فيها الشروط المطلوبة من حيث (المساحة، إمكانية دخول الشاحنات، التراخيص النظامية، وجود القبان…).‏‏

 

يضاف إليها ضرورة تلافي أخطاء وثغرات العام الماضي بما يخص هذا الشأن، وتحديد الحيازات، والملكيات للمزارعين بدقة وتحديد الأصناف المتوفرة لدى كل مزارع.‏‏

 

بدوره أشار مدير عام المؤسسة السورية للتجارة عمار محمد إلى ضرورة وضع خطة عمل متكاملة لعملية التسويق وتشكيل لجنة مركزية عليا في المحافظة تضم ممثلين عن جميع الجهات المعنية إضافة لتشكيل لجان فرعية في المناطق ووضع جميع آليات المؤسسة تحت تصرف اللجنة العليا مضيفاً كما يتوجب الحصر الدقيق للملكيات والكميات والتوزيع العادل للقرى والتسعير الدوري للمنتج مع الأخذ بعين الاعتبار أجور النقل والفرز والتحميل، كما لفت إلى اعتماد استمارات من قبل المؤسسة السورية للتجارة تضبط عملية استلام المنتج وتحفظ حقوق الفلاحين.‏‏

 

فيما بين عضو المكتب التنفيذي لشؤون الزراعة في المحافظة مالك شبول أن الوحدة الإرشادية هي المسؤولة عن تقدير الكميات الواردة من المزارعين مع ضرورة التركيز على تلافي إشكاليات الوزن من خلال مراكز الفرز مشدداً على ضرورة أن تكون الآلية التي تقوم بها المؤسسة السورية للتجارة فيما يخص عملية تسويق محصول الحمضيات واضحة للمزارعين من خلال وحداتهم الإرشادية.‏‏

مدير الزراعة في اللاذقية المهندس منذر خير بك أشار إلى أن المديرية ستزود المؤسسة بقائمة تضم أسماء مزارعي الحمضيات وحيازات كل مزارع والأصناف المتوفرة لديه كما سيتم عقد اجتماع لرؤساء الوحدات الإرشادية لتوجيههم بخطة السوق المقررة إضافة لإقامة ندوات تدريبية بالتعاون مع المؤسسة السورية للتجارة لإعلام الفلاحين بأصناف الحمضيات المعتمدة من قبل المديرية يضاف إليها دعم إعلامي لعملية التسويق.‏‏

 

واتفق المجتمعون على تشكيل لجنة مركزية عليا في محافظة اللاذقية بإشراف المحافظ ورئاسة عضو المكتب التنفيذي لشؤون الزراعة مالك شبول وعضوية كل من مدير فرع اللاذقية للسورية للتجارة المهندس سامي هليل ومدير الزراعة المهندس منذر خير بك ومدير فرع التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهندس أحمد نجم ورئيس لجنة سوق الهال غسان خير ومدير فرع الشركة العامة لتوزيع المحروقات في اللاذقية المهندس حسن بغداد ورئيس اتحاد فلاحي المحافظة هيثم أحمد.‏‏

 

ومن المقرر أن تقوم اللجنة باجتماعات دورية صباح كل سبت لمتابعة أعمال التسويق حيث تتركز مهمتها بالإشراف المباشر على عملية تسويق الحمضيات في اللاذقية واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير اللازمة لانجاز عملية التسويق وتحديد مراكز الفرز والتوضيب وإصدار التسعيرة بشكل أسبوعي إضافة لتشكيل لجان فرعية على مستوى المناطق وإعلان المباشرة ببدء عملية التسويق وتخصيص رقم خاص بالمحافظة لتلقي الشكاوى المتعلقة بهذا الموضوع.‏‏

 

كما اجتمعت لجنة تسويق الحمضيات برئاسة عضو المكتب التنفيذي لشؤون الزراعة وعضوية مدراء فرع السورية بالمحافظة، ومدير الزراعة، ومدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وفرع الشركة العامة لتوزيع المحروقات ورئيس اتحاد فلاحي المحافظة ورئيس لجنة سوق الهال في المحافظة وقررت اعتماد أسعار الحمضيات بحسب صنفها وأنواعها، واعتمدت مراكز الفرز والتوضيب في مناطق المحافظة واللجان الفرعية لتسويق المحصول حسب القرار 6464 تاريخ 1/11/2017 وكذلك اعتماد سعر أجرة فرز وتوضيب الكيلو غرام بـ 4,5 ليرات واعتماد مواصفات وقياسات الفرز من قبل مديرية الزراعة.‏‏

 

ورخص موسمية ‏‏

 

ولأول مرة في العاصمة أصدر المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق قراراً بمنح رخص إشغالات موسمية لبيع الحمضيات في مختلف مناطق العاصمة، في خطوة تعد هي الاخرى حلقة في عملية المساهمة في تسوبق محصول الحمضيات وذلك بهدف تصريف منتوجات الحمضيات القادمة من منطقة الساحل وتسويقها بشكل يتناسب مع تكلفة زراعتها وتلافياً لما حصل العام الماضي من سوء تصريف للحمضيات، الأمر الذي أدى لخسارة فادحة لمزارعي الحمضيات، وخصصت المحافظة 50% من هذه الرخص لذوي الشهداء والجرحى، مقابل رسم رمزي يصل إلى مبلغ 15 ألف ليرة لمدة خمسة أشهر بواقع ثلاثة آلاف ليرة شهرياً وبمساحة تصل إلى ثلاثة أمتار طولاً ومترين عرضاً.‏‏

 

إجراءات ومقترحات‏‏

 

وفي وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية عقد اجتماع عمل ناقش واقع تسويق الحمضيات والبندورة حضره وزير الزراعة المهندس أحمد القادري ووزير الصناعة أحمد الحمو ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد الله الغربي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل ونائب رئيس اتحاد الفلاحين خالد خزعل إضافة إلى معاون الوزير ومديرة السياسات في وزارة الاقتصاد ومدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة.‏‏

 

وفي هذا الاجتماع بين وزير الزراعة بأن موسم الحمضيات يقدر بـ 1,1 مليون طن وبتكاليف إنتاج وسطياً 71 ليرة، وأكد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك استعداد الوزارة لتصدير 100 ألف طن مع إمكانية تحسن الرقم بشكل كبير مع تحسن الظروف وذلك بسعر 75 ليرة للكيلو من نوع برتقال و40 ليرة كريفون.‏‏

 

كما عرض وزير الاقتصاد إمكانية السماح باستيراد الموز مقابل الحمضيات والتفاح بواقع 4 كيلو مقابل 1 كغ من الموز و3 كيلوات تفاح مقابل 1 كغ موز وتم الاتفاق على ذلك مع تشكيل لجان متابعة في كل من اللاذقية وطرطوس لمتابعة تسويق الموسم مكونة من ممثلين عن وزارة الزراعة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك والاقتصاد والاتحاد العام للفلاحين.‏‏

 

وقد أعلمت وزارة الزراعة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء بكتابها رقم /240/ ق.ز تاريخ 19/11/2017 عن هذه الاجتماعات التي عقدت في المحافظتين ونوهت إلى أن الوزارة معنية بتهيئة البيئة المناسبة لدفع عجلة تسويق المنتجات الزراعية من خلال التواصل مع الجهات ذات العلاقة.‏‏

 

كما أشارت الوزارة بكتابها رقم 188/ق ز تاريخ 13/9/2017 الموجه إلى رئاسة مجلس الوزراء إلى تحديد الأسعار التأشيرية الدنيا للمنتجات الزراعية، وربما هي المرة الأولى التي يتم خلالها تقديم الأسعار التأشيرية للحمضيات وهذه خطوة جادة ونوعية في طريق إيجاد الحلول المناسبة لتسويق الموسم.‏‏

 

متابعة مستمرة‏‏

 

إن كل الإجراءات والتوصيات والمقترحات التي تقدمت بها الجهات المعنية كافة بهدف تسهيل تسويق الحمضيات ودعم عمليات شرائها من الفلاحين كانت محط متابعة واهتمام لحظة بلحظة من قبل الحكومة واللافت إشراك كافة القطاعات والجهات المعنية بتقديم مقترحاتهم وتحمل مسؤوليتهم من خلال إجراءات يتخذونها في آليات عملهم بحيث يتم تلمس النتائج والحلول.‏‏

 

وقد خصصت الحكومة جلسة نوعية لمناقشة مثل هذه الأمور والقضايا وعرضتها على اللجنة الاقتصادية لاتخاذ التوصيات المناسبة عطفاً على ما تم عرضه من اجتماعات ولقاءات ومقترحات من قبل المعنيين مباشرة بتسويق الحمضيات واستناداً لذلك وافق رئيس مجلس الوزراء على توصية اللجنة الاقتصادية بالجلسة رقم /54/ تاريخ 27/11/2017 المتضمنة الموافقة على الإجراءات المقترحة لتسويق موسم الحمضيات الواردة في كتاب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وعلى تحديد الحد الأدنى من سعر شراء الحمضيات للنوع الأول بـ 75 ل.س للكيلو من البرتقال و40 ليرة للكريفون وفقاً لما ورد في كتاب وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي رقم /240/ ق.ز تاريخ 19/11/2017، والتأكيد على ضرورة تهيئة البيئة المناسبة لدفع عجلة تسويق المنتجات الزراعية من خلال التواصل مع الجهات ذات العلاقة على أن يتم موافاة اللجنة الاقتصادية بمستجدات العملية التسويقية لهذا الموسم.‏‏

 

جدية في طرح الحلول‏‏

 

وخلافاً للاجتماعات التي كانت تعقد خلال السنوات السابقة بخصوص موسم الحمضيات بين الوزارات المعنية، حيث تباين في المواقف والآراء وتمترس كل جهة وراء رأيها وغياب الجدية في طرح الحلول، فإن التوافق والانسجام والتكامل كان عنوان الاجتماع بين كل من وزارة الاقتصاد، والزراعة، والتجارة الداخلية والذي جاء مدعماً بأرقام وحقائق، حيث أبدى المجتمعون ارتياحهم لواقع تسويق الحمضيات لهذا العام مقارنة مع الأعوام السابقة خاصة لناحية الأسعار التي أنصفت كل من المنتج والمستهلك، وعبر الكميات المسوقة يومياً إلى الأسواق المحلية والسوق العراقية من خلال المؤسسة السورية للتجارة.‏‏

 

ويؤكد المعنيون أن عملية التسويق تتم محلياً وخارجياً من خلال جهد مشترك لكافة الجهات المعنية وهذا سبب رئيسي في إنجاح العملية ومسألة التصدير مهمة للغاية وتلقى كافة أشكال الدعم والتشجيع بل نحن مطالبون بها من خلال البحث عن أسواق خارجية تؤمن حسن سير التصدير رغم أنها عملية تقنية تفصيلية تحتاج إلى أن تكون الأصناف المنتجة محلياً تناسب الأصناف المطلوبة.‏‏

 

وتؤكد مصادر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أنه تم تصدير حوالي 75 ألف طن من الحمضيات إلى العراق العام الماضي، وتسعى الوزارة مع شركائها في القطاعات الأخرى إلى زيادة الكمية المخصصة للتصدير إلى 150 ألف طن هذا العام إلى العراق إشارة الى انه يتم تصدير حوالي ألف طن يومياً الى هذا البلد حالياً، كما تجدر الإشارة إلى أنه تم توقيع عدة عقود في معرض «صنع في سورية» الذي نظم مؤخراً في العاصمة العراقية بغداد لتسويق مئة ألف طن حمضيات عن طريق القطاع الخاص.‏‏

 

وفي هذا الصدد طالب ممثل اتحاد المصدرين إياد محمد بضرورة إزالة العقبات والأساليب الروتينية التي تعترض عملية التصدير إلى الأسواق المجاورة وغيرها، إضافة إلى ضرورة تقديم مزيد من الدعم لتنشيط الخطوط البرية بين المحافظات. على أي حال ان المساعي الحكومية لتسويق الحمضيات والتي تميزت هذا العام بجملة من الإجراءات والوقائع لم نعهدها في السنوات السابقة ما كانت لتتم لولا وجود إرادة حقيقية وتصميم على معالجة هذا الملف خاصة من قبل رئيس مجلس الوزراء شخصياً، كما ان مثل هذه الإجراءات لا يعني بالمطلق بأن الحكومة تمتلك عصا سحرية لحل مثل هكذا قضية مر على وجودها عشرات السنين، لكننا نستطيع ان نقول:ان التوجه لإحداث خرق ما في هذا الموضوع وبالتالي وضع آليات والقيام ببعض الإجراءات ولو كانت لا تكفي يجعلنا نشعر بعودة الامل عوضاً عن اليأس الذي لازمنا سنوات طويلة، والتفاؤل بأن زراعة الحمضيات التي يعمل فيها أكثر من 50 الف أسرة يضاف اليها عشرات آلاف العاملين في مختلف مراحلها ستجد طريقها الى الحل وربما يكون هذا العام نقطة الانطلاقة الأولى والبداية المبشرة!!.‏‏

الثورة

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]