تنازع صامت بين أصحاب البطون المتخمة والأخرى الخاوية …تساؤلات عن حقيقة “الشقاق الطبقي” ..

 

الخبير السوري:

لا تملك الحكومات عادة ترميماً كاملاً للرضوض العميقة التي تحدثها الحروب والأزمات، فثمة أدوار اجتماعية مكمّلة تضطلع بها هيئات وشخصيات غير رسميّة، لا سيما حائزي الثروات ومكتنزي الحصص الوافية من النتاج التنموي للبلد المأزوم قبل أزمته، وهذه بدهيات تتشكل عفوياً من مزيج سياسي واقتصادي واجتماعي إنساني و وجداني.

إلّا أن في الإسقاطات الخاصة بنا لهذه الفرضيّة و إملاءاتها غير المنصوص عليها صراحة في الدساتير والتشريعات المكتوبة، تبدو المفارقات صادمة خصوصاً في ظل عناوين “التراحم” التي طالما كنا عنيدين في إصرارنا على التغني والمفاخرة بها، كسمة وخصوصيّة مجتمعيّة نتحدّى بها المحن، إذ اكتشفنا أننا أمام فصول غير مألوفة مما يشبه “الشقاق الطبقي”، ونأي نادي المتمولين، الآخذ في التوسّع الأفقي السريع، عن أية مهام تحتّمها المواطنة و دلالات الانتماء الحقيقي.

فلا نظنها بشائر خير مطمئِنة أن نألف تداول أرقام تكاليف الخدمة الحكومية لبند الإغاثة، وهي باهظة جداً، على التوازي مع سرديّات متدفقة من البوابات الحدوديّة، تشي بنصيب هائل لسلع الكماليات والرفاه الاستهلاكي من إجمالي فاتورة المستوردات .

وإن كنا في غنى عن الخوض في حسابات رقمية لرصد ملامح هذا الخلل – التهمة، تبدو تناقضات المشهد على الأرض مريبة فعلاً، وتكفي لاستشفاف انعطاف حاد وخطير في بنية الأدبيات الأخلاقية لمجتمعنا، التي لم تكن تسمح بتاتاً باستعراض مظاهر الترف في طقوس الأزمات وما يعتريها من فقر وفجائع وكوارث، فالغناء في مجالس العزاء كان جنحة في أعرافنا، والرقص بين الجماجم ارتكاب، ولا يوجد توصيف لفظي مخفف يمكن أن نقارب به التفاصيل المؤلمة لمفارقات المشهد كما يبدو لأي راصد ولو عابر..؟!!

لكن رغم الوقائع المحبطة سنغادر المضمار الوجداني “غير الملزم” بما يمليه من واجبات ومهام، إلى الحيز الاقتصادي التنموي بتطوراته التي باتت – على بطئها – في دائرة الضوء الآن بعد سنوات من الدمار و الخراب، وسنجد أنفسنا أمام ملامح مشابهة ربما إلى حد التطابق، لجهة ما يتصل بطبقة رجال الأعمال والمتمولين الكبار، فالإحجام عن الأدوار الاجتماعية امتد وتطور ليمسي دوراً تنموياً ملتبساً، يحمل ما يحمل من استفزازات متوالية، لا نعتقد أن على الحكومة الاسترخاء بشأنه، لأنه قد يودي بنا إلى حيث لا نريد، أي بعيداً عن المرامي التنموية المنشودة وفق بوصلة الاحتياجات ببعديها الاجتماعي والاقتصادي.

فهل يملك أحد ما تفسيراً مقنعاً لنجاح قطاع أعمالنا بإطلاق ثلاثة مصانع لتجميع السيارات خلال هذا العام، ونحن مازلنا في خضم أزمة خانقة، أو في بدايات طريق التعافي من محنة حقيقية ..؟؟

لماذا لم نسمع عن استثمار أو حتى نيات لإنشاء مصانع داعمة للتنمية ومكمّلة لحلقاتها ..أعلاف مثلاً أو أسمدة أو عصائر وسلسلة طويلة من فرص التصنيع الزراعي وربط التنمية الصناعية بالزراعية، وتحقيق القيم المضافة وفرص العمل ووو..؟؟

إن كانت هفوات فلا بدّ من الانتباه لها جيداً..أو تسللاً من حائزي الثروات فلا مناص من توليف اتجاهات توظيفاتهم وطموحاتهم الاستثماريّة في مسارات حيّة مجدية ليس في الحسابات الاقتصادية وحسب، بل الاجتماعيّة أيضاً، لأن رجل الأعمال ليس مجرد هامة بربطة عنق وياقة بيضاء، بل حضور ويد دافئة تتلمس جراح من كانوا العماد الأساس الذي حيكت حوله دراسات جدوى مشروعات دورات رأس المال السريعة تجارية كانت أم إنتاجية، فـ”الغرم بالغنم” قاعدة فقهيّة تقدّم نفسها أكثر ما تقدّم في مثل هذه المقامات الإشكالية.

التعليقات مغلقة.

[ جديد الخبير ]